نقل النص القرآني، خطاب الله تعالى الينا، وهو يتحدث عن الرحمة،
بأشكال تعددت حتى شملت كل ما يمكن ان يقع في اطار قدراتنا المحدودة، لاكتشاف آفاق هذه الرحمة التي
قال عز وجل: رحمتي وسعت كل شيء
قدم فصل خطاب في تحديد هذه الآفاق التي لم يعد يحدها او يعجزها شيء.. مطلق شيء وبكل ما يمكن ان تحمله هذه الكلمة شيء من دلالات، ذلك ان هذه الدلالات اياً كانت طبيعتها او ابعادها تبقى محكومة ابداً لمعطيات هذه الرحمة وامتداداتها التي لن يعرف العقل البشري مساحاتها الا حين يقف موقف الحساب، وتنساب هذه الرحمة لتطاله كفرد، ومن قبله او بعده كبشرية وقفت بين يدي الخالق في يوم الحساب.
واذا كان النص القرآني، حمل الينا الرحمة، مضافة ومتصلة بياء المتكلم ؟ رحمتي ؟
وهو هنا الله عز وجل، في موقفين اثنين فقط، الاعراف 156، والعنكبوت 23،
فان اتصال لفظة رحمة بهاء الضمير الغائب - رحمته - والعائدة الى الله عز وجل،
حملها النص الينا في مرات عديدة، وصلت الى 25 مرة، يلاحظ ان دلالاتها ومقاصدها ومعانيها تراوحت بين بيان الآثار المترتبة على هذه الرحمة انا كانت، وتلك الآثار المترتبة على غيابها، وان كانت الغلبة هنا، لما نقلته لفظة رحمتي من بشائر خير زفته هذه الرحمة حين اتصلت في الخطاب هنا او هناك بالضمير العائد الى الله عز وجل، واذا كانت الآية 64 من البقرة، هي اول ما نلقاه عند البحث عن لفظة رحمته منذ بداية القرآن الكريم، اذا كانت هذه الآية الكريمة وردت في اطار الخطاب المتصل في هذه السورة تجاه بني اسرائيل،
فان دلالاتها البيانية ومقاصدها العقائدية تبقى وتمتد على امتداد مقاصد النص القرآني، فالله تعالى يقول وهو يخاطب بني اسرائيل بعد ان اخذ عليهم المواثيق فلم يحفظوها كعادتهم:.
ثم توليتم بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين..
هكذا فان فضل الله تعالى على هؤلاء الذين نقضوا مواثيقهم التي اخذها الله عليهم، وهذا ذنب قد لا يطاله عفو والعقوبة فيه مستحقة وقاسية، لولا هذا الفضل الذي رسمته رحمة الله تعالى بهم لكانوا من الخاسرين، أي ان الخسران لم يطلهم حتى وهم ينقضون عهد الله الذي عاهدوه، فقد غلب فضل الله المتمثل برحمته، ما كان لا بد وان يكون استحقاقاً من عقوبة تنزل بهم.
ان لفظة رحمته التي احتوت الرحمة ثم ضمير الغائب العائد الى الله عز وجل صاغت اعظم المواقف واعمقها اثراً ليس حياة الانسان الدنيا، ولكن بآثار اعظم في الحياة الآخرة، حين تكون هذه الرحمة، هي التي تحسم امر البشرية عند ذاك الموقف الذي لم تعد تجدي فيه كل الاعمال وتكتنفه الاهوال من كل جانب، حتى ان الجنة التي يجتاز ابوابها الا من تغمده الله تعالى برحمته،
فالقراءات الاولية للنصوص القرآنية التي حملت لفظة الرحمة مزينة بهاء الغائب النائبة عن لفظ الجلالة، تبين ان رحمتي حيث وردت حملت على الاغلب الاعم رحمة من الله تجاه مواقف كان الانسان فيها عند مواقف ضيق لا يقدر على الفرج فيها الا رحمة الله.. والله اعلم