هل تصلح المرأة أن تكون مأذوناً شرعياً؟

[مسلمة]

أثار الحكم الأخير الذي قضت به محكمة مصرية أن تتولى امرأة عمل المأذونية الشرعية، وهو عمل تضافرت الأمة على أن يكون من الأعمال التي لا تشارك فيها المرأة؛ فهو عمل ذكوري بحت كما جرت عليه العادات والأعراف في بلاد المسلمين.
غير أن هذا لا يمنع من البحث عن الرؤية الشرعية حتى نعرف هل ذكورية المأذونية من العرف وحده؟ أم أن الشرع يجيز للمرأة أن تعمل مأذوناً شرعياً؟ أم أن هذا العرف يتوافق مع الشرع الذي لا يرى جواز عمل المرأة في المأذونية؟

رأيان للفقهاء

وكحال غالب الأمور المستجدة نجد الفقهاء ينقسمون إلى فريقين، محرم ومبيح.
فقد أجاز عدد من الفقهاء المعاصرين تولي المرأة منصب "المأذون الشرعي"، وهو ما ذهب إليه مفتي مصر الدكتور علي جمعة، والدكتور حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة سابقاً، والشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر سابقاً وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور عمر مختار القاضي الأستاذ بجامعة الأزهر عضو الأمانة العامة لرابطة الجامعات الإسلامية بالقاهرة.
وذهب فريق من الفقهاء إلى اعتبار عمل المرأة في المأذونية بدعة لا تجوز، وإلى هذا ذهب الدكتور يوسف قاسم أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة القاهرة، والدكتور عبد الفتاح إدريس.

الأدلة

واستند من ذهب للإباحة إلى عدد من الأدلة الشرعية، أهمها:
أنه ليس هناك في الشريعة ما يحرم على المرأة أن تعمل في مثل هذه الوظيفة، وأنه ليس من الولايات العامة التي جاء الشرع بمنعها على المرأة، وأن عمل المأذون هو توفيق وتوثيق يمكن للمرأة أن تقوم به، وأن العرف وإن جرى أن يقوم به الرجل، إلا أن الشرع لا يمنعه، مادامت تعرف شروطه وكيفيته، وأن المسألة لا علاقة لها بالحل أو الحرمة، بقدر ما ترتبط بالعادات والتقاليد.
كما استندوا إلى مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان الذي يبيح للمرأة تزويج نفسها وغيرها؛ بل ورد في السنة ما يثبت أن المرأة باشرت عقد النكاح لغيرها، وهو ما يقوم مقام المأذونية! ومن ذلك ما روي من أن امرأة زوجت بنتها برضاها فجاء الأولياء فخاصموها إلى علي بن أبي طالب } فأجاز النكاح، وما روي عن أن السيدة عائشة رضي الله عنها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر بن الزبير، كما أن خنساء بنت خذام أنكحها أبوها، وهي كارهة، فرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

سد الذرائع

بينما يستند من يرى الحرمة إلى قاعدة "سد الذرائع"، وما يترتب على قيام المرأة بهذه الوظيفة من المحرمات، من الاختلاط والخلوة ومزاحمة الرجال، وعدم إمكانية الفصل بين المختلفين من أهل العروسين أثناء كتابة العقد، والعمل على تقريب وجهات النظر، وأن المأذون قد يتعرض لبعض الأمور التي ينزّه الشرع المرأة عنها، حفاظاً عليها. وما أدى إلى حرام فهو حرام.

وليس هناك من كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم نص يجيز هذا العمل، وهو في ذات الوقت يخالف عرف الإسلام.
كما أن الناس اعتادوا أن يعقد عقد النكاح في المسجد، ولن يقبل المسلمون أن تدخل امرأة المسجد لتشهر عقد النكاح بينهم.

تمحيص واجب

وإذا كان الفقهاء قد اختلفوا في المسألة، فإن الأمر يحتاج إلى تمحيص عدد من الأشياء، هي:
هل عمل المأذونية حديثاً بقي كما هو قديماً؟
وهل يمكن للمرأة أن تعمل مأذوناً؟ بمعنى أن يعترف لها من الدولة بتوثيق العقد، بينما يقوم رجل بإشهار العقد، ويبقى دور المرأة في التوثيق الرسمي، وهو ما يذهب إليه الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق.
وهل يمكن لنا أن نفرق بين ما يجوز وما لا يجوز، وبين قبول الناس لهذا الأمر، لا من باب الحكم الشرعي، ولكن من باب الاختيار حسب الأعراف؟
وإذا كان العرف في مصر وغيرها يرفض هذا؛ فماذا لو قبل العرف هذا في دول غير الدول العربية؟
هذه أسئلة يجب أن يجاب عنها أولاً قبل الإفتاء بالحل والحرمة.