المنتدى :
منتدى الاخبار والمقالات المحلية والعربية والعالمية
تفجيرات القاع الأخيرة ناقوس الخطر بالنسبة للبنان الذي لا تزال حكومته تعتبر أنّها «تنأى بنفسها» عن الصراعات في المنطقة رغم التداعيات الكبرى للأزمة عليه، ومشاركة حزب الله في المعارك الدائرة هناك.
غير أنّ لبنان ليس العراق ولا سوريا ولا أي دولة عربية أخرى، على ما تؤكّد أوساط مسيحية بارزة، ولن يكون، ولن يجري تهجير المسيحيين منه، شاء من شاء، أو مهما سعت التنظيمات الإرهابية والدول الداعمة لها لمثل هذا الأمر.
فسنوات الحرب الطويلة التي عاشها هذا البلد وسقط خلالها 250 ألف شهيد لم تتمكّن من تهجير مسيحيي لبنان ولا أي طائفة أخرى، وإن هاجر عدد كبير منهم خلال هذه الحرب، رغم أنّ بعض الدول الخارجية نصحتهم حينها بمغادرة البلد والاستقرار في إحدى الدول الغربية أو الأوروبية. فهذا الوطن أسّسه المسيحيون، ولن يتركوه للتنظيمات الإرهابية التي تشهد أشهرها الأخيرة، ولا لأي دولة خارجية تُشجّع هذه الأخيرة على نشر الفوضى والتوتّر فيه من أجل أن تسيطر هي عليه في نهاية الأمر.
وأن تكون تفجيرات القاع «بروفا» لتفجيرات أخرى، وفق ما تحدّثت عنه بعض المعلومات عن أنّ الإنتحاريين سوف يقومون بها في الداخل اللبناني مثل بيروت أو سواها، بهدف تخويف المسيحيين ودفعهم الى الهجرة، فهذا أمر خاطىء جدّاً. فمسيحيو لبنان يُمثّلون مسيحيي منطقة الشرق الأوسط ككلّ وهم خط أحمر، ولن يدعوا الأرهابيين بالتالي يخيفونهم أو ينالون منهم، على غرار ما فعلوا بمسيحيي العراق وسوريا ومصر، بل سيجعلونهم عبرة لمن اعتبر، وسيدعون إحباط عملياتهم تمثّل بروفا حيّة لدول العالم أجمع...
كذلك فإنّ الفاتيكان لن يسمح بإفراغ الشرق الأوسط من المسيحيين، إذ لا يُمكنه أن يستمرّ من دونهم، على ما ترى الاوساط ، كما أنّ عدم وجودهم يريح إسرائيل أكثر من أي دولة أخرى. وهذا الأمر يخدم مصالح بعض الدول الإقليمية التي تودّ رؤية هذا البلد ذا لون طائفي واحد، وهي تسعى لذلك، إن عبر التنظيمات الإرهابية أو سواها إذا لم تتمكّن من تحقيق هذا الأمر.
وتضيف الأوساط نفسها أنّ بقاء لبنان من بقاء المسيحيين فيه، كما سائر الطوائف التي تمثّل معاً نموذجاً فريداً للتعايش المشترك في المنطقة، وليس العكس. الأمر الذي جعل اللبنانيين من سائر البلدات والقرى، وعلى اختلاف طوائفهم يتضامنون مع أهالي القاع، ويهبّون للدفاع عنهم داخل البلدة الى جانب الجيش والقوى الأمنية. فعندما تشتدّ الصعاب يقف اللبنانيون جنباً الى جنب، على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم لردع الغرباء ودرء أخطارهم. ولعلّ هذا ما يميّز لبنان عن سواه من الدول إذ يبرز أبناؤه الأبطال وقت الحاجة.
وصحيح أنّ أحداً لا يُمكنه منع الهجمات أو الاعتداءات الإرهابية، ليس فقط في لبنان إنّما في أي بلد في العالم أيضاً، إلاّ أنّ التضامن بين الشعب والجيش من شأنه كشف وإحباط كلّ المخططات التي تُرسم لهذا البلد، على ما تقول الاوساط، إذ عندها فقط يُمكن الوقوف في وجه الشبكات التي تتسلّل الى البلد عبر الممرّات غير الشرعية ووقف أعمالها ذات الأهداف التدميرية. كذلك فإنّ أحداً في لبنان لن يقبل بأن يتمّ نقل التوتّر من سوريا اليه لأي سبب من الأسباب، إذ يكفي هذا البلد ما دفعه من ثمن باهظ للحفاظ على وحدته الداخلية، وعلى الأمن والاستقرار فيه، رغم كلّ ما جرى في دول المنطقة.
ولأنّ غالبية الإرهابيين هم من الغرباء على أرضه، ولا سيما من السوريين، وهذا ما أظهرته التحقيقات المتعلّقة بإنتحاريي تفجيرات القاع، كما بتفجيرات الضاحية التي سبقتها، فإنّه على الحكومة، على ما شدّدت الأوساط ذاتها، اتخاذ التدابير العاجلة والمناسبة لإعادة النازحين السوريين الى بلادهم. فبذلك فقط تُزيل جزءاً كبيراً من شرور الإرهابيين، على غرار ما فعلت ألمانيا في وقت سابق، عندما قام عدد من النازحين السوريين بالتحرّش بالفتيات والنساء في ليلة رأس السنة، الأمر الذي دفعها الى إصدار قرار فوري بترحيل هؤلاء من بلادها لوقف مثل هذه الممارسات الشاذّة.
وبما أنّه لا يُمكن اعتبار أي سوري إرهابياً، على نحو ما يجري في بعض الدول الغربية التي تعتقد أن كلّ مسلم هو إرهابي، فعلى السوريين المسالمين بالتالي إظهار حسن نواياهم ومساعدة القوى الأمنية وأهالي البلدات على كشف الإرهابيين المتسلّلين فيما بينهم، وتسليمهم لها لتفادي اتهامهم بالإرهاب. وإلاّ فعلى الجميع العودة الى المناطق الآمنة في بلادهم، والتي تفوق مساحتها الجغرافية مساحة لبنان أضعاف الأضعاف.
في المقابل، فإنّ تفجيرات القاع التي دفعت بالبعض لمطالبة المملكة العربية السعودية بإعادة النظر بالهبة العسكرية التي كانت تنوي تقديمها للجيش والأجهزة الأمنية، والتي بلغت الثلاثة مليارات دولار، ثمّ سحبتها في محاولة منها لمعاقبة لبنان على بعض مواقفه في جامعة الدول العربية، فإنّها، على ما أشارت الاوساط، لا تُمثّل موقف الحكومة. فإن كانت المؤسسة العسكرية بحاجة ماسّة ودائمة للمساعدات لمواجهة الإرهاب، إلاّ أنّها لا تستجديها من أي دولة. كما أنّ ثمّة دولاً غربية عدّة عرضت المساعدة العسكرية خصوصاً بعد رؤيتها بسالة عناصر الجيش الذين يواجهون تنظيم «داعش» وسواه في المناطق الحدودية.
ويمكن القول، على ما أضافت الاوساط، بأنّ تفجيرات القاع قد فتحت أنظار كلّ اللبنانيين الى الخطر الفعلي المحدق بهم في أي منطقة وُجدوا، لا سيما بعد أن جرى غدر أهالي القاع الذين كانوا لا ينتظرون حصول مثل هذا التسلّل الإرهابي الى بلدتهم. غير أنّ تكرار العمليات الإنتحارية في مساء اليوم نفسه جعلتهم يتحسّبون ويتيقّظون من محاولة الإرهابيين القيام بأخرى جديدة.
كما أنّ التحسّب من وجود الإرهابيين قد بدأ منذ ما بعد تفجيرات القاع يسري على الجميع، على ما لفتت الأوساط نفسها، فكلّ البلدات المحيطة بها، فضلاً عن مناطق بيروت والجوار كلّها باتت اليوم أكثر من السابق تتنبّه لوجود أي غريب يقوم بأي عمل مشبوه، أو يُشكّل وجوده شبهة ما. الأمر الذي يُساعد كثيراً الأجهزة الأمنية لا سيما إذا ما جرى التواصل معها الى إلقاء القبض على جميع الإرهابيين المتسلّلين الى الداخل، الى حين أن تُطبّق الحكومة قرار عودة جمبع النازحين السوريين الى بلادهم.
توقيع : دكتور غالينوس |
|
|