لمن يريد اقتناء الموسوعة العلمية للرموز الاثريه من تأليف الدكتور غالينوس ان يبادر الى مراسلة الدكتور غالينوس على الخاص


استرجاع كلمة المرور طلب كود تفعيل العضوية تفعيل العضوية قوانين المنتدى
العودة   منتدى كنوز ودفائن الوطن > منتدى الحضارات > منتدى الحضارات > الحضارة اليهودية

اعلانات

  انشر الموضوع
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 01-07-2012, 09:59 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
ابو فتحي
اللقب:
مدير عام سابق
الرتبة


البيانات
التسجيل: Jun 2010
العضوية: 2821
المشاركات: 531 [+]
بمعدل : 0.10 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
ابو فتحي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
إرسال رسالة عبر Skype إلى ابو فتحي

المنتدى : الحضارة اليهودية
بسم الله الرحمن الرحيم

دراسة شاملة عن الفرق الدينية اليهودية القديمة والمعاصرة

المقدمة

تقوم الديانة اليهودية ، حسبما يذكر اليهود أنفسهم ، على جملة أصول ، هي عقيدة توحيد الله ، وعقيدة الاختيار الإلهي لبني إسرائيل، وشعب الله المختار، وأبناء الله وأحباؤه ، وعقيدة توريث الأرض المقدسة فلسطين لإبراهيم عليه السلام ونسله من بني إسرائيل ، وعقيدة المخلص المنتظر أو المسيا أو الماشيح كما يسمونه ..
وحسب التيار اليهودي العام، وكما ذكر موسى بين ميمون، والذي يُعدُّ أحد أعظم علمائهم وفقهائهم، فإن اليهود يؤمنون بأن الله واحد ليس له مثيل، وأن العبادة تليق به وحده، وأنه مُنـزّه عن التجسيد وعن أعراض الجسد، وأنه الأول والآخر، وأنه عالمٌ بأحوال البشر، وأنه يجازي الذين يحفظون وصاياه ويعاقب من يخالفها، وأن هناك حياة بعد الموت ، وأن اليهود يؤمنون بشريعة موسى، وأنها غير قابلة للنسخ .. كما يؤمنون بعقيدة المخلّص المنتظر، ولا تزال الأصول الثلاثة عشر للدين اليهودي، التي ذكرها موسى بن ميمون، تمثل مرجعاً أساسياً لليهود لفهم دينهم، غير أن دراسةً أكثر دقة لعقائد اليهود وفرقهم وتوراتهم وتلمودهم مع العودة إلى ما ذكره الله سبحانه وتعالى عنهم في القرآن الكريم، ستظهر مدى التشويه الذي لحق بمفهوم التوحيد، ومدى تحريف التصور عن الله سبحانه، كما سنرى في دراستنا هذه لأهم العقائد الدينية اليهودية ، وفي دراسات أخرى لاحقة عن التوراة والتناخ ( العهد القديم ) وما لحق بهما من تحريف وتبديل بنص القران الكريم وأدلة أخرى ذكرها المفسرون المسلمون والمؤرخون اليهود والمسيحيون أنفسهم سنوردها في حينه إن شاء الله ، فضلا عن هذا ، فأن الله سبحانه لم يتعهد لليهود بحفظ توراتهم، وعاشوا معظم فترات تاريخهم تحت دول وحضارات مختلفة حاولت فرض هيمنتها عليهم، وتأثروا بالثقافات والتقاليد المتعددة التي عايشوها، في أزمان وبقاع شتى ..
ويدعي اليهود أن عقيدتهم هي عقيدة القلة المثالية المختارة، وأن الرسالة اليهودية العالمية هي نشر السلام بين بني الإنسان، وتنحصر العقيدة اليهودية في بني إسرائيل وحدهم، أي أن هناك تطابقاً بين العقيدة والقومية ، وحسب اختيار التيار العام لليهودية والمتبني في الكيان الإسرائيلي فإن اليهودي هو المولود لأم يهودية بغض النظر عن إيمانه أو تدينه ..
ولقد اخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن افتراق أمة اليهود، وأنهم سيفترقون على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وما زال هذا الافتراق حاصلا إلى عصرنا الحاضر، وإن كنا نراهم يحاولون الاجتماع في دولة غاصبة ، ولكن حقيــقة أمرهم أنهم مفــترقون، وصدق الله العظيم : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (الحشر آية 14) .. وفي قراءة متأنية لتاريخ الديانة اليهودية وعقائدها والأحداث التي مرت بها نقرأ عن فرق يهودية كثيرة قديمة ومعاصرة من ابرزها : الفريسيون ، الغيورون ، الصدوقيون ، الاسينيون
( او الاساة او المتقون ) ، البناءون ، المعالجون ( ثيرابيوتاي ) ، المغارية ، عبدة الاله الواحد ، القراءون ، الكــتبة ، السامريون ، القبّالاه ، العيسوية ، اليوذعانية ، الموشكانية ، الحسيدية ، الاصلاحيون ، اليهودية المحافظة ، اليهودية الارثوذوكسية ، اليهودية الليبرالية ، النيولوج ، وفرقة اليهود البشرية ، وقبل أن نأتي عن كل فرقة أو طائفة كي يكون العرب والمسلمون على بينة من الاتجاهات التي تنتمي إليها هذه
الفرق ويكونون واعين بعدوهم المتربص بهم وعارفين بمدى ضعفه وتفرقه على حد سواء ، نشير إلى مسالة الخلافات بين الفرق الدينية اليهودية ..

الخلافات بين الفرق الدينية اليهودية و أزمة اليهودية

ظهر خلال تاريخ اليهود ، القديم والحديث ، الكثير من الفرق الدينية واختلافاتها المتشعبة من حيث المعتقدات والأصول وقدسية أجزاء العهد القديم والنظرة إلى الكون والتعامل في داخل المجتمع اليهودي وخارجه فهي في الواقع ليست كالاختلافات التي توجد بين الفرق المختلفة في الديانات التوحيدية الأخرى ، ومن ثم، فإن كلمة
( فرقة ) لا تحمل في اليهودية الدلالة نفسها التي تحملها في سياق ديني آخر، فلا يمكن، على سبيل المثال، تصوُّر مسلم يرفض النطق بالشهادتين ويُعترَف به مسلماً، أو مسيحي يرفض الإيمان بحادثة الصلب والقيام ويُعترَف به مسيحياً.. أما داخل اليهودية، فيمكن ألا يؤمن اليهودي بالإله ولا بالغيب ولا باليوم الآخر ويُعتبر مع هذا يهودياً حتى من منظور اليهودية نفسها ، وهذا يرجع إلى طبيعة اليهودية بوصفها تركيباً جيولوجياً تراكمياً يضم عناصر عديدة متناقضة متعايشة دون تمازج أو انصهار، ولذا، تجد كل فرقة جديدة داخل هذا التركيب من الآراء والحجج والسوابق ما يضفي شرعية على موقفها مهما يكن تطرفه ..
وأولى الفرق اليهودية التي أدَّت إلى انقسام اليهودية فرقة السامريين التي ظلت أقلية معزولة بسبب قوة السلطة الدينية المركزية المتمثلة في الهيكل ثم السنهدرين ..
ولكن، مع القرن الثاني قبل الميلاد، خاضت اليهودية أزمتها الحقيقية الأولى بسبب المواجهة مع الحضارة الهيلينية ، فظهر الصدوقيون والفريسيون، والغيورون الذين كانوا يُعَدون جناحاً متطرفاً من الفريسيين، ثم الأسينيون .. وقد حققت هذه الفرق ذيوعاً، وأدَّت إلى انقسام اليهودية ، ولكنها اختفت لسببين: أولهما انتهاء العبادة القربانية بعد هدم الهيكل، ثم ظهور المسيحية التي حلت أزمة اليهودية في مواجهتها مع الهيلينية ، إذ طرحت رؤية جديدة للعهد يضم اليهود وغير اليهود ويحرر اليهود من نير التحريمات العديدة ومن جفاف العبادة القربانية وشكليتها..
وجابهت اليهودية أزمتها الكبرى الثانية حين تمت المواجهة مع الفكر الديني الإسلامي ، فظهرت اليهودية القرائية كنوع من رد الفعل، فرفضت الشريعة الشفوية وطرحت منهجاً للتفسير يعتمد على القياس والعقل، أي أنها انشقت عن اليهودية الحاخامية تماماً ، ويمكن أن نضيف إلى الفرق اليهودية يهود الفلاشاه ويهود الهند الذين لا يشكلون فرقاً بالمعنى الدقيق، فهم لم ينشقوا عن اليهودية الحاخامية بقدر ما انعزلوا عنها عبر التاريخ وتطوَّروا بشكل مستقل ومختلف، فهم لا يعرفون التلمود أو العبرية، كما أن كتبهم المقدَّسة مكتوبة باللغات المحلية .. وتجدر ملاحظة أن ثمة فرقاً صغيرة، مثل الإبيونيين والمغارية والعيسوية والثيرابيوتاي وغيرها، وهي فرق صغيرة لكل منها تصوُّرها الخاص عن اليهودية، ولكنها، نظراً لعزلتها، لم تؤثر كثيراً في مسار اليهودية وقد اختفى معظمها من الوجود..
أما القرّاءون، فإنهم بعد عصرهم الذهبي في القرن العاشر، سقطوا في حرفية التفسير، الأمر الذي قلَّص نفوذهم حتى تحولوا إلى فرقة صغيرة آخذة في الاختفاء..
وقد جابهت اليهودية أزمتها الكبرى الثالثة في العصر الحديث (في الغرب) مع الانقلاب التجاري الرأسمالي الصناعي ، وقد ظهرت إرهـاصات الأزمـة في شـكل ثورة شبتاي تسفي على المؤسسة الحاخامية، فهو لم يهاجم التلمود وحسب، وإنما أبطل الشريعة نفسها، وأباح كل شيء لأتباعه، الأمر الذي يدل على أن تراث القبَّالاه الحلولي، الذي يعادل بين الإله والإنسان، كان قد هيمن على الوجدان الديني اليهودي، وقد وصف الحاخامات تصوُّر القبَّاليين للإله بأنه شرك ، وبعد أن أسلم شبتاي تسفي، هو وأتباعه الذين أصبحوا يُعرفون بالدونمة ظهر جيكوب فرانك الذي اعتنق المسيحية (هو وأتباعه) وحاول تطوير اليهودية من خلال أطر مسيحية كاثوليكية ، وقد تفاقمت الأزمة واحتدمت مع الثورة الفرنسية، حيث إن الدولة القومية الحديثة في الغرب منحت اليهود حقوقهم السياسية، وطلبت إليهم الانتماء السياسي الكامل، الأمر الذي كان يعني ضرورة تحديث اليهود واليهودية وما تسبب عن ذلك من أزمة أدَّت إلى تصدعات جعلت أتباع اليهودية الحاخامية التقليدية (أي اليهود الأرثوذكس) أقلية صغيرة، إذ ظهرت اليهودية الإصلاحية ثم المحافظة ثم التجديدية، وهي فرق أعادت تفسير الشريعة أو أهملتها تماماً، واعترفت بالتلمود أو وجدت أنه مجرد كتاب مهم دون أن يكون مُلزماً.. كما أنها عَدَّلت معظم الشعائر، مثل شعائر السبت والطعام، وأسـقطت بعضـها، وعَدَّلت أيضاً كتب الصلوات وشـكل الصلاة، أي أن فهمها لليهودية وممارستها لها يختلف بشكل جوهري عن اليهودية الحاخامية الأرثوذكسية ، ومن الواضح أن هذه الفرق الجديدة هي الآخذة في الانتشار، في حين أن الأرثوذكس يعانون من الانحسار التدريجي ، ومنذ أيام الفيلسوف إسبينوزا، ظهر نوع جديد من اليهود لا يمكن أن نقول إنه فرقة ولكن لابد من تصنيفه حيث يشكل الأغلبية العظمى من يهود العالم (نحو 50%). وهذا النوع من اليهود هو الذي يترك عقيدته اليهودية، ولكنه لا يتبنى عقيدة جديدة، وهو لا يؤمن عادةً بإله على الإطلاق، وإن آمن بعقيدة ما فهو يؤمن بشكل من أشكال الدين الطبيعي أو دين العقل أو دين القلب، ولا يمارس أية طقوس.. وهؤلاء يُطلَق عليهم الآن اسم ( اليهود الإثنيون )، أي أنهم لا ينتمون إلى أية فرقة دينية تقليدية أو حديثة، ولكنهم مع هذا يسمون أنفسهم يهوداً لأنهم ولدوا لأم يهودية ، وتنعكس الخلافات بين الفرق اليهودية المختلفة على الدولة الصهيونية الأمر الذي يزيد صعوبة تعريف الهوية اليهودية ..
مما تقدم يؤكد تنوع الهويات اليهودية وعدم وجود هوية يهودية واحدة ، فهناك ثلاث جماعات يهودية أساسية ، يؤمن أعضاؤها باليهودية الحاخامية وهي: السفارد والإشكناز والإسرائيليون .. وتوجد عشرات من الجماعات الصغيرة الهامشية تؤمن بأشكال مختلفة من اليهودية بدرجات متفاوتة ، ورغم تنوع هويات أعضاء الجماعات اليهودية ، يدعى الصهاينة أن ثمة (وحدة يهودية عالمية) ، وهو تصور أبعد ما يكون عن واقع أعضاء الجماعات اليهودية وفرقها وطوائفها ، فمثلاً من الجماعات اليهودية الهامشية توجد أنواع أربعة في الهند ، لا تنتمي إلى أي من الكتل الثلاث الرئيسية ، كما أن جماعة يهود الصين تختلف عن جماعات الهند ، وفي القوقاز هناك يهود جورجيا ويهود بخارى ويهود الجبال ، وهناك
( اليهود السود ) ومنهم الفلاشا والعبرانيون السود ، والنوع الأول يعيش في إثيوبيا.. أما العبرانيون فيعيشون في أميركا .. وهناك أيضا جماعات سوداء يهودية في غرب أفريقيا، بالإضافة إلى اليهود المستعربة، الذين عاشوا في البلاد العربية وأصبحوا عربًا ، وهناك السامريون الذين يعيشون في نابلس الآن ، وهناك أيضا القراؤون ، ويهود الدونمة ، ويهود شبه جزيرة القرم واليهود الأكراد ، واليهود الإيرانيون وغيرهم كثير وكثير، مما لا يمكن معه القول بوجود (وحدة يهودية عالمية )، حيث إن هؤلاء لا يختلفون عن أهل المناطق التي يعيشون فيها ، فاليهودي العربي مثلاً يتكلم العربية وهو جزء من الثقافة والحضارة والسلوك في المنطقة ، وهكذا .. فضلا عن ذلك فان الهوية اليهودية تنقسم إلى ثلاثة أقسام أساسية ، كما يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري ، خارج فلسطين المحتلة : وهي هوية ذات ملامح يهودية عرقية أو دينية ، والبعد اليهودي فيها هامشي باهت ، لا يؤثر كثيرًا في سلوك أعضاء الجماعات اليهودية ، وداخل فلسطين المحتلة: وهي هوية جديدة تمامًا لا علاقة لها بكل الهويات السابقة ، وهي جيل ( الصابرا ) , ويتنبأ الدارسون بأن هؤلاء ( الصابرا) (وهم الجيل الذي نشأ في فلسطين المحتلة ولم يأت من الخارج) سيكونون أغيارًا (هو الاسم الذي يطلقه اليهود على غيرهم) يتحدثون العبرية ، لا تربطهم بأعضاء الجماعات اليهودية في العالم سوى روابط واهية لا تختلف كثيرًا عن روابط اليونانيين المحدثين بالإغريق القدامى ، ثم هناك اليهود المتدينون (الأرثوذكس) ، وهم أقلية صغيرة خارج إسرائيل وأقلية كبيرة داخلها . . كل هذا التنوع وكل هذه الأزمات التي مرت بها اليهودية – وما تزال – يشكل تحديا
جديا للتجمع الصهيوني داخل فلسطين وخارجها ، وقد تؤدي إلى زعزعته لكنها قد لا تؤدي إلى انهياره من الداخل ، لان المقومات الأساسية لحياة هذا التجمع ووجوده تعتمد أيضا على عنصرين مهمين جدا هما الدعم الأمريكي والغياب العربي ..

الفريسيون

كلمة ( فريسيون) مأخوذة من الكلمة العبرية ( بيروشيم) ، أي ( المنعزلون) ، وكلمة فريسي بحد ذاتها كلمة آرامية ومعناها المنعزل ، وكانوا يلقبون أيضاً بلقب
( حفيريم ) ( الفاء تلفظ v) أي ( الرفاق أو الأعضاء أو الأصدقاء ) والفريسيون هم إحدى الفئات الدينية اليهودية الرئيسية الثلاث التي كانت معروفة عند اليهود وحتى مجيء المسيح عليه السلام ، وهذه الفئات الثلاث، هي: الصدوقيون، والأسينيون والفريسيون ، وحسب بعض المؤرخين فان الفريسيين هم أضيق الفئات الدينية اليهودية من ناحية التعليم ، وقد عرفوا بهذا الاسم الخاص في عهد يوحنا هركانوس الأول ( 135 – 104 ) قبل الميلاد ، أحد عظماء أشراف اليهود في القرن الثاني قبل الميلاد ، وكان هركانوس من تلامذتهم، ولكنه تركهم فيما بعد والتحق بالصدوقيين ، أما ابنه اسكندر ينانوس فقد سعى إلى إضعافهم ، غير أن زوجته ألكساندرة التي خلفته في السلطة سنة 78 قبل الميلاد رعتهم فقوي نفوذهم وأصبحوا قادة اليهود في الأمور الدينية ، ولا شك أن الفريسيين في أول عهدهم كانوا من أنبل الناس خلقاً وأتقاهم تديّناً، غير أنه على مرّ الزمن، تغيرت اخلاقهم ، و فسد جهازهم واشتهر معظمهم بالرياء .. والفريسيون فرقة دينية وحزب سياسي ظهر نتيجة الهبوط التدريجي لمكانة الكهنوت اليهودي بتأثير الحضـارة الهيلينيـة التي تُعلي من شـأن الحكيم على حسـاب الكاهن ، ويُرجع التراث اليهودي جذورهم إلى القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد، وانقسموا فيما بعد إلى قسمين: بيت شماي وبيت هليل ، وقد كان الفريسيون يشكلون أكبر حزب سياسي ديني في ذلك الوقت إذ بلغ عددهم - حسب يوسيفوس - نحو ستة آلاف، لكن هذا العدد قد يكون مبالغاً فيه نظراً لتحزبه لهم، بل لعله كان من أتباعهم ، ويُقال إنهم كانوا يشكلون أغلبية داخل السنهدرين، أو كانوا على الأقل أقلية كبيرة ، ويُعَدُّ الفكر الفريسي أهم تطوُّر في اليهودية بعد تبنِّي عبادة يهوه ، وقد كان جوهر برنامجهم يتلخص في إيمانهم بأنه يمكن عبادة الخالق في أي مكان، وليس بالضرورة في الهيكل في القدس، أي أنهم حاولوا تحرير اليهودية، كنسق أخلاقي ديني، من حلوليتها الوثنية المتمثلة في عبودية المكان والارتباط بالهيكل وعبادته القربانية ، ووسعوا نطاقها بحيث أصبحت تغطي كل جوانب الحياة ، إذ أن واجب اليهودي لا يتحدد في العودة إلى أرض الميعاد وإنما في العيش حسب التوراة، وعلى اليهودي أن ينتظر إلى أن يقرر الخالق العودة ، وبهذا، يكون الفريسيون هم الذين توصلوا إلى صيغة اليهودية الحاخامية أو اليهودية المعيارية التي انتصرت على الاتجاهات والمدارس الدينية الأخرى ..
آمن الفريسيون بوحدانية الخالق، وبالماشيَّح، وبخلود الروح في الحياة الآخرة، وبالبعث والثواب والعقاب والملائكة وحرية الإرادة التي لا تتعارض مع معرفة الخالق المسبقة بأفعال الإنسان، وهي أفكار دينية أنكرها الصدوقيون الذين حافظوا على صياغة حلولية وثنية لليهودية ، ثم تزهدوا ولم يؤمنوا بتقديم القرابين إلى المعابد ، ويؤمنون أيضا بالتلمود وبسلطة الحاخامات على اليهود وعصمتهم ، ويتمسكون بمعتقدات الأنبياء والآباء الأولين ويرفضون الإيمان بالأنبياء اليهود المتأخرين ، ويعتقدون أن لا نجاة لليهود إلا بإعلاء سلطة العقيدة اليهودية .. وهم يدعون إلى جعل الكتاب المقدس مشاعا للجميع ، ومن ابرز شعاراتهم انه لو كتبت النجاة لاثنين في الدنيا يجب أن يكون الفريسي احدهما ..
وعمل الفريسيون على وضع الحياة تحت سلطة العقيدة الدينية فتأثر اليهود بهم ونالوا تأييد الطبقات الوسطى وأصبحت لديهم قوة سياسية مؤثرة في المجتمع بفعل دورهم التربوي ، وتتلخص رسالة يسرائيل، حسب وجهة نظر الفريسيين، في مساعدة الشعوب الأخرى على معرفة الخالق وعلى الإيمان به، ولذا فإنهم لم يكونوا كالفرق القومية المغلقة، وإنما قاموا بنشاط تبشيري خارج فلسطين، الأمر الذي يفسر زيادة عدد يهود الإمبراطورية الرومانية في القرنين الأول قبل الميلاد والأول الميلادي ، وقد بيَّنت هذه الحركة التبشيرية مدى ابتعاد الفريسيين عن الحلولية الوثنية التي تولِّد نسقاً دينياً قومياً مغلقاً، يتوارثه من هو داخل دائرة القداسة ويستبعد من سواه، لأن الإيمان لا يَصلُح أساساً للانتماء ، وقد دخل الفريسيون في صراع دائم مع الصدوقيين على النفوذ والمكانة والامتيازات ، فكانوا يتصرفون مثل الكهنة كأن يأكلوا كجماعة، ويقيموا شعائر الختان، بل حاولوا فرض نفوذهم على الهيكل نفسه على حساب الصدوقيين، وذلك عن طريق ممارسة بعض الطقوس المقصورة على الهيكل خارجه ، وقد قوي نفوذ الفريسيين مع ثراء الدولة الحشمونية والرخاء الذي ساد عصرها بعض الوقت ، وبلغوا درجة من القوة حتى إنهم نجحوا في حَمْل الكاهن الأعظم على القَسَم بأنه سيقيم طقوس عيد يوم الغفران حسب تعاليمهم ، ومع ظهورهم قبل الميلاد بعدة قرون ولغاية مائتي سنة بعد الميلاد ، فأنهم ساروا على منهج عزرا واتبعوه واعتبرونه اكبر معلم يهودي بعد موسى عليه السلام ، وابرز معتقداتهم أن الأسفار الخمسة مخلوقة منذ الأزل ثم أوحيت إلى موسى وهذا المعتقد ناشي عن الاتصال بالثقافة الإسلامية التي تتحدث عن أن القران كان جملة في اللوح المحفوظ ..

الغيورون (قنَّائيم)

كلمة ( غيورون ) ترجمة للفظة العبرية ( قنَّائيم) أو ( نِلهفيم ) ، والغيورون فرقة دينية يهودية، ويُقال إنه جناح متطرف من الفريسيين وحزب سياسي وتنظيم عسكري .. وقد جاء أول ذكر لهم باعتبارهم أتباعاً ليهودا الجليلي في العام السادس قبل الميلاد ، ويبدو أن واحداً من العلماء الفريسيين، ويُدعَى صادوق، قد أيده ، ولكن يبدو أن أصولهم أقدم عهداً، إذ أنها تعود إلى التمرد الحشموني (186 ق.م). ويذكر يوسيفوس شخصاً يُدعَى حزقيا باعتباره رئيس عصابة أعدمه هيرود، وحزقيا هذا هو أبو يهودا الجليلي الذي ترك من بعده شمعون ويعقوب ومناحم (لعله أخوه) .. وقد تولَّى مناحم الجليلي، وهو زعيم عصبة الخناجر، قيادة التمرد اليهودي الأول ضد الرومان (66 ـ 70م)، وذلك بعد أن استولى على قلعة ماسادا وذبح حاميتها واستولى على الأسلحة، ثم عاد إلى القدس حيث تولَّى قيادة التمرد هو وعصبته الصغيرة، فأحرقوا مبنى سجلات الديون، وأحرقوا أيضاً قصور الأثرياء وقصر الكاهن الأعظم آنانياس ثم قاموا بقتله، ويبدو كذلك أن عصابة مناحم كانت متطرفة ومستبدة في تعاملها مع الجماهير اليهودية.. وقد كانت لدى مناحم ادعاءات مشيحانية عن نفسه، كما أنه جمع في يديه السلطات الدينية والدنيوية ، ولذا، قامت ثورة ضده انتهت بقتله، هو وأعوانه، وهروب البقية إلى ماسادا.. وقد استمر نشاط الغيورين حتى سقوط القدس وهدم الهيكل عام 70 ميلادية، ولكن هناك من يرى أنهم اشتركوا أيضاً في التمرد اليهودي الثاني ضد هادريان (132 ـ 135م) ، وكان الغـيورون منقسـمين فيما بينهم إلى فرق متطاحنة متصارعة ، ومن قياداتهم الأخرى، يوحنان بن لاوي وشمعون برجيورا .. ويُعَدُّ ظهور حزب الغيورين تعبيراً عن الانهيار الكامل الذي أصاب الحكومة الدينية وحكم الكهنة.. وقد قام الغيورون، تحت زعامة يهودا الجليلي، بحَثّ اليهود على رفض الخضوع لسلطان روما، وخصوصاً أن السلطات الرومانية كانت قد قررت إجراء إحصاء في فلسطين لتقدير الملكية وتحديد الضرائب.. وقد تبعت حزب الغيورين، في ثورته، الجماهير اليهودية التي أفقرها حكم أثرياء اليهود بالتعاون مع اليونانيين والرومان ، ويتسم فكر الغيورين بأنه فكر شعبي مفعم بالأساطير الشعبية، ولذا نجد أن أسطورة الماشيَّح أساسية في فكرهم، بل إن كثيراً من زعمائهم ادعوا أنهم الماشيَّح المخلص، وقد قدموا رؤية للتاريخ قوامها أن هزيمة روما شرط أساسي للخلاص، وأن ثمة حرباً مستعرة بين جيوش يسرائيل وجيوش يأجوج ومأجوج (روما)، وأن اليهود مكتوب لهم النصر في الجولة الأخيرة.. وعلى هذا، فإن فكرهم يتسم بالنزعة الأخروية التي انتشرت في فلسطين آنذاك، ويُقال إن معظم أدب الرؤى (أبوكاليبس) من أدب الغيورين .. ونظراً لجهل الغيورين بحقائق القوى الدولية وموازينها، وبمدى سلطان روما في ذلك الوقت، قاموا بثورة ضارية ضد الرومان واستولوا على القدس ، وقد تعاونوا مع الفريسيين في هذه الثورة، ولكن الفريسيين كانوا مترددين بسبب انتماءاتهم .. وحينما بدأت المقاومة المسلحة، استخدم الغيورون أسلوب حرب العصابات ضد روما، كما قاموا بخطف وقتل كل من تعاون مع روما، حتى أن الجماهير اليهودية ثارت ذات مرة ضدهم ، وقد قضى الرومان على ثورة الغيورين، واستسلمت القوات اليهودية، وكان آخرها القوات اليهودية في ماسادا بقيادة القائد الغيوري إليعازر بن جايـر، وهـي القـوات التـي آثرت الانتحـار على الاستسلام نظراً لأنها كانت قد ذبحت الحامية الرومانية بعد استسلامها لهم وخشي قائد الغيورين أن يذبحهم القائد الروماني، على عكس القلاع الأخرى (مثل ماخايروس وهيروديام) التي استسلمت للرومان ..

الصدوقيون

الصدوقيون مأخوذة من الكلمة العبرية ( صِّدوقيم ) ، ويُقال لهم أحياناً ( البوئيثيون ( ، وأصل الكلمة غير محدَّد.. ومن المحتمل أن يكون أصل الكلمة اسم الكاهن الأعظم ( صادوق ) (في عهد سليمان عليه السلام ) الذي توارث أحفاده مهمته حتى عام 162 ميلادية.. والصدوقيون فرقة دينية وحزب سياسي تعود أصوله إلى قرون عدة سابقة على ظهور المسيح عليه السلام ، وهم أعضاء القيادة الكهنوتية المرتبطة بالهيكل وشعائره والمدافعون عن الحلولية اليهودية الوثنية .. وكان الصدوقيون، بوصفهم طبقة كهنوتية مرتبطة بالهيكل، يعيشون على النذور التي يقدمها اليهود، وعلى بواكير المحاصيل، وعلى نصف الشيقل الذي كان على كل يهودي أن يرسله إلى الهيكل، الأمر الذي كان يدعم الثيوقراطية الدينية التي تتمثل في الطبقة الحاكمة والجيش والكهنة ، وكانوا يحصلون على ضرائب الهيكل، كما كانوا يحصلون على ضرائب عينية وهدايا من الجماهير اليهودية ، وقد حوَّلهم ذلك إلى أرستقراطية وراثية تؤلِّف كتلة قوية داخل السنهدرين ..
ويعود تزايد نفوذ الصدوقيين إلى أيام العودة من بابل بمرسوم كورش الفارسي (538 ق.م) إذ آثر الفرس التعاون مع العناصر الكهنوتية داخل الجماعة اليهودية لأن بقايا الأسرة المالكة اليهودية من نسل داود قد تشكل خطراً عليهم .. واستمر الصدوقيون في الصعود داخل الإمبراطوريات البطلمية والسلوقية والرومانية، واندمجوا مع أثرياء اليهود وتأغرقوا، وكوَّنوا جماعة وظيفية وسيطة تعمل لصالح الإمبراطورية الحاكمة وتساهم في عملية استغلال الجماهير اليهودية، وفي جمع الضرائب ، ولكن، وبالتدريج، ظهرت جماعات من علماء ورجال الدين (أهمهم جماعة الفريسيين) تلقوا العلم بطرق ذاتية، كما كانت شرعيتهم تستند إلى عملهم وتقواهم لا إلى مكانة يتوارثونها.. وكانوا يحصلون على دخلهم من عملهم، لا من ضرائب الهيكل ، وقد أدَّى ظهور الفريسيين، بصورة أو بـأخرى، إلى إضعاف مكانة الصدوقيين ، ومما ساعد على الإسراع بهذه العملية، ظهور الشريعة الشفوية حيث كان ذلك يعني أن الكتاب المقدَّس بدأت تزاحمه مجموعة من الكتابات لا تقل عنه قداسة..
كما أن الكتب الخفية والمنسوبة وغيرها من الكتابات كانت قد بدأت في الظهور ، وقد ساهم الأثر الهيليني في اليهود في إضعاف مكانة الصدوقيين الكهنة، فقد كان اليونانيون القدامى يعتبرون الكهنة من الخدم لا من القادة ، وكانت جماعات العلماء الدينيين (الفريسيين) أكثر ارتباطاً بالحضارة السامية وبالجماهير ذات الثقافة الآرامية.. لكل هذا، زاد نفوذ الفريسيين داخل السنهدرين وخارجه، حتى أنهم أرغموا الكاهن الأعظم على أن يقوم بشعائر يوم الغفران حسب منهجهم هم. وقد وقف الصدوقيون، على عكس الفريسيين، ضد التمرد الحشموني (168 ق.م)، ولكنهم عادوا وأيدوا الملوك الحشمونيين باعتبار أن الأسرة الحشمونية أسرة كهنوتية (ابتداءً من 140 ق.م) ، ولا يمكن فَهم الصراعات التي لا تنتهي بين ملوك الحشمونيين إلا في إطار الصراع بين الحزب الشعبي (الفريسي) وحزب الصدوقيين .. تنكر هذه الفرقة التلمود ولم تقدس التوراة بشكل مطلق وأتباعها ينكرون البعث واليوم الآخر والثواب والعقاب ، وهم يؤمنون بحرية الاختيار ولا يترقبون مسيحا قادما ..
ومن المهم أن نشير إلى أنهم، برغم رؤيتهم المادية الإلحادية، كانوا يُعتبَرون يهوداً، بل كانوا يشكلون أهم شريحة في النخبة الدينية القائدة ، وقد اعترف بيهوديتهم الفريسيون، وكذلك الفرق اليهودية الأخرى كافة رغم رفضهم بعض العقائد الأساسية التي تشكل الحد الأدنى بين الديانات التوحيدية ، ولعل هذا يعود إلى طبيعة العقيدة اليهودية التي تشبه التركيب الجيولوجي التراكمي، وإلى أن الشريعة اليهودية تُعرِّف اليهودي بأنه من يؤمن باليهودية، أو من وُلد لأم يهودية حتى ولو لم يؤمن بالعقيدة ، وكان الصدوقيون يرون أن الخالق لا يكترث بأعمال البشر، وأن الإنسان هو سبب ما يحل به من خير وشر، ولذا، فقد قالوا بحرية الإرادة الإنسانية الكاملة.. وكانوا لا يؤمنون إلا بالشريعة الشفوية، كما كانوا يقدمون تفسيراً حرفياً للعهد القديم، ويحرِّمون على الآخرين تفسيره ، وكانوا يدافعون أيضاً عن الشعائر الخاصة بالهيكل والعبادة القربانية، ويرون أن فيها الكفاية، وأنه لا توجد حاجة إلى ديانة أو عقيدة دينية مجردة، ولا حاجة إلى إقامة الصلاة أو دراسة التوراة باعتبار أن ذلك شكل من أشكال العبادة .. كانت هذه الفرقة من طبقة الارستقراطيين التي كانت تحمي مصالحها فمالت إلى احترام القوانين طالما اعترفت السلطات الحاكمة بيهوة ، واحترمت ديانة اليهود لذلك لا يميلون الى العنف ... وقيل أن عيسى عليه السلام كان على اتصال بهم في بدء دعوته إلا انه انفصل عنهم بسبب معتقداتهم وإنكار البعث ، ولأنه أدان إدارتهم للهيكل وطرد التجار والصيارفة منه شكل خطرا عليهم الأمر الذي دفعهم إلى مقاومته وعملوا على تسليمه ومحاكمته وقتله حسب التوراة ( ولكن الحقيقة معروفة للمسلمين بنص القران الكريم ) .. والفرق بينهم وبين الفريسيين ان ولاء الصدوقيين كان للدولة في حين جعل الفريسيون ولاءهم للدين ، ويرى الصدوقيون أن يهوه هو اله بني إسرائيل وحدهم وهو اله قومي ، في حين رأى الفريسيون أن يهوه اله جميع العالمين ، ويدعي الصدوقيون أن العزير هو ابن الله ، ويُقال إنه بينما كان الصدوقيون يحاولون (كما هو الحال مع الديانات الوثنية) أن ينزلوا بالخالق إلى مقام الإنسان والمادة، حاول الفريسيون (على طريقة الديانات التوحيدية) الصعود بالإنسان كي يتطلع إلى الخالق ويتفاعل معه ، ويُعَدُّ الصدوقيون في طليعة المسئولين عن محاكمة المسيح في السنهدرين ، وقد اختفت هذه الفرقة تماماً بهدم الهيكل (70م) نظراً لارتباطها العضوي به ..

الأسينيون أو المتقون

الاسم مشتق من اللفظ الآرامي ( اسيا ) بمعنى الطبيب او المداوي ، وسموا بهذا الاسم لأنهم كانوا يتعاطون طب الأرواح ويدعون إبراء المرضى بالصلوات والأوراد كما يدعون العلم بخصائص العقاقير .. ويُقال أيضا أن الكلمة أصلها سرياني ( هاسي ) ، كما يُقـال إنهـا تعـود إلى كلمـة (هوسيوس ) اليونانيــة، أي ( المقــدَّس )، ولعلهـا النطق اليوناني ( أسيديم ) للكلمـة العبرية ( حسيديم ) ، أي ( الأتقيـاء )، ولعلهـا تصحيف للكلمـة العبرية ( حَاشـائيم ) ، أي ( الساكتين ) ، والأسـينيون فرقة دينية يهـودية لم يـأت ذكرها في العهـد الجديـد، ومـا ذُكر عنهـا فـي كتاـبات فيلون ويوسيفوس متناقض ، ولعل هذا يدل على وجـود خـلافات في صفوف الأســينيين أنفسهم الذين لم يزد عددهـم عن أربعة آلاف، وكانـوا يمارسون شعائرهم شمال غرب البحر المـيت في الفترة ما بين القرنين الثاني قبل الميلاد والأول الميلادي .. والأسينيون (فيما يبدو) جناح متطرف من الفريسيين، وتقترب عقائدهم من عقائد ذلك الفريق، ويظهر هذا في ابتعادهم عن اليهودية كدين قرباني مرتبط بهيكل القدس. آمن الأسينيون بخلود الروح والثواب والعقاب، ووقفوا ضد العبودية والملكية الخاصة، بل ضد التجارة، وانسحبوا تماماً من الحياة العامة (على عكس الفريسيين) ،وقد قسَّم الأسينيون الناس إلى فريقين: البقية الصالحة من جماعة يسرائيل، وأبناء الظلام ..
وترقبوا نزول الماشيَّح لينشئ على الأرض ملكوت السماء ويحقق السلام والعدالة في الأرض ، وقد عاش الأسينيون في جماعة مترابطة حياة النساك يلبسون الثياب البيض ويتطهرون ويطبقون شريعة موسى تطبيقاً حرفياً، وكانوا أحياناً يتعبدون في اتجاه الشمس ساعة الشروق .. عاش الأسينيون على عملهم بالزراعة، وكانوا لا يتناولون من الطعام إلا ما أعدوه بأنفسهم، وهو ما زاد ترابط الجماعة (الأمر الذي جعل عقوبة الطرد منها بمنزلة حكم الإعدام) ، ويبدو أنه كان لهم تقويمهم الخاص ..
كان فكر الأسينيين متأثراً بالفكر الهيليني وأفكار فيثاغورث، وبآراء البراهمة والبوذيين، وهو ما كان منتشراً في فلسطين (ملتقى الطرق التجارية العالمية في القرن الأول قبل الميلاد)..
وقد كشفت مخطوطات البحر الميت عن كثير من عقائد الأسنيين ، ومن أهم كتبهم كتاب الحرب بين أبناء النور وأبناء الظلام، وهو من كتب الرؤى (أبوكاليبس)، وهو ذو طابع أخروي حاد.. ويُقال إن الأسينيين آمنوا بيسوع الناصري كواحد من أنبياء يسرائيل المصلحين، ولكنهم رفضوا دعوة بولس إلى العقيدة المسيحية وظلوا متمسكين بالنواميس اليهودية ، ويُقال أيضاً إن الأبيونيين هم الأسينيون في مرحلة تاريخية لاحقة .. ولما ظهرت هذه الفرقة حوالي القرن الثاني قبل الميلاد كـــان عددهم في فلسطين يبلغ أربعة آلاف شخص .. وهي تختلف عن باقي الفرق اليهودية إذ تتكون من جماعة متصوفة متطرفة في تقواها ، وهم يؤمنون بالملائكة والشياطين ويعتقدون بتسلط الأرواح الشريرة على الآدميين ويحاولون طردها بالتعاويذ .. وظل أتباعهم يمارسون طقوسهم الدينية إلى القرن الأول الميلادي ، وحياتهم اقرب إلى الرهبنة ويكرهون الزواج ويمتنعون عن الخمر وكانوا يميلون إلى الاشتراكية ، ويحرمون الأضاحي والقرابين ويحرصون على الطهارة وينكرون التفرقة العنصرية ويحرمون نظام الرق ويسعون إلى سلام دائم ويسعون إلى الاتصال بالله عن طريق التأمل والصلاة .. وكانوا يسمون أنفسهم أبناء النور وحكموا على الآخرين بأنهم أبناء الظلمة .. وهم يؤمنون باليوم الآخر رائدهم في طلب الرضا من الله النبي عاموس ، ويرجح أن يوحنا المعمدان كان واحدا منهم ولا دليل أن السيد المسيح كانت له صلة بهم .. وقد حرموا الذبائح، ولذلك فقد كانوا يقدمون للهيكل قرابين نباتية وحسب ، كما حرموا على أنفسهم، أو على الأقل على الأغلبية العظمى منهم، الزواج ، وقد انقرض الأسينيون كلية في أواخر القرن الأول الميلادي .. ومن الفرق الأسينية جماعة تسمى ( المستحمون في الصباح ) (هيميروبابتست) وهي ترجمة للكلمة اليونانية ( طوبلحاشحريت ) أو ( هيميروبابتست ) والمستحمون في الصباح فرقة يهودية أسينية كان طقس التعميد بالنسبة إليها أهم الشعائر.. ولذا، فقد كان هذا الطقس يُمارَس بينهم كل يوم بدلاً من مرة واحدة في حياة الإنسان .. كما أنهم كانوا يتطهرون قبل النطق باسم الإله ، ويبدو أن يوحنا المعمدان كان واحداً منهم ، وقد ظلت بقايا من هذه الفرقة حتى القرن الثالث الميلادي ..

البناءون (بنائيم)

البناءون ترجمة لكلمة ( بنائيم) العبرية ، وهم فرقة يهودية صغيرة ظهرت في فلسطين في القرن الثاني الميلادي ، ومعنى الكلمة غير معروف بصورة محددة، فيذهب بعض العلماء إلى أن الاسم مشتق من كلمة ( بنا) بمعنى ( يبني ) ، وأن أتباع هذه الفرقة علماء يكرسون جلّ وقتهم لدراسة تكوين العالم (كوزمولوجي) ، ويذهب آخرون إلى أن (البنائيم) فرع من الأسينيين ، ويذهب فريق ثالث إلى أن الاسم مشتق من كلمة يونانية بمعنى ( حمام ) أو (المستحمون) ، ويذهب فريق رابع إلى أنهم أتباع الراهب الأسيني بانوس .. ولعل ربط البنائيم بالأسينيين يرجع إلى اهتمامهم البالغ بشعائر الطهارة والحفاظ على نظافة ملابسهم ..

المعالجون (ثيرابيوتاي)

المعالجون ترجمة لكلمة ( ثيرابيوتاي) المأخوذة من الكلمة اليونانية ( ثيرابي ) أي ( العلاج ) ، وتعني ( المعالجون) ، والمعالجون (ثيرابيوتاي) فرقة من الزهاد اليهود تشبه الأسينيين استقرت على شواطئ بحيرة مريوط قرب الإسكندرية في القرن الأول الميلادي، ويشبه أسلوب حياتهم أسلوب الأسينيين وإن كانوا أكثر تشدداً منهم ، وقد كانت فرقة المعالجين تضم أشخاصاً من الجنسين، وأورد فيلون في كتابه كل ما يعرفه عنهم، فيذكر إفراطهم في الزهد وفي التأمل وبحثهم الدائب عن المعنى الباطـني للنصـوص اليهودية المقدَّسـة.. كمـا يذكـر فيلـون أنهـم كانوا يهتمـون بدراسـة الأرقـام ومضمونها الرمـزي والروحـي، كما كانـوا يقضـون يومهـم كلـه في العبادة والدراسة والتدريب على الشعائر .. أما الوفاء بحاجة الجسد، فلم يكن يتم إلا في الظلام (وهو ما قد يوحي بأصول غنوصية) ..

المغاريــــة

فرقة يهودية ظهرت في القرن الأول الميلادي حسبما جاء في القرقشاني ، وهذا الاسم مشتق من كلمة ( مغارة ) العربية، أي كهف، فالمغارية إذن هم سكان الكهوف أو المغارات، وهذه إشارة إلى أنهم كانوا يخزنون كتبهم في الكهوف للحفاظ عليها، ويبدو أنها فرقة غنوصية، إذ يذهب المغارية إلى أن الإله متسام إلى درجة أنه لا تربطه أية علاقـة بالمادة (فهو يشبه الإله الخفي في المنظومة الغنوصية)، ولهذا فإن الإلـه لم يخـلق العالم، وإنما خلقـه ملاك ينـوب عن الإله في هذا العالم ، وقد كتب أتباع هذه الفرقة تفسيراتهم الخاصة للعهد القديم وذهبوا إلى أن الشريعة والإشارات الإنسانية إلى الإله إنما هي إشارات لهذا الملاك الصانع ، وقد قرن بعض العلماء المغارية بالأسينيين والثيرابيوتاي ..

عبدة الإله الواحد (هبسستريون)

( عبدة الإله الواحد ) ترجمة للكلمة اليونانية ( هبسستريون )، وهؤلاء فرقة شبه يهودية كانت تعبد الإله الواحد الأسمى (والاسم مشتق من كلمة يونانية لها هذا المعنى) ، وقد كان أعضاء هذه الفرقة يعيشون على مضيق البسفور في القرن الأول الميلادي وظلت قائمة حتى القرن الرابع .. ومن الشعائر اليهودية التي حافظوا عليها شعائر السبت والطعام، وكانت عندهم شـعائر وثنيـة مثل تعظيـم النـور والأرض والشـمس، وخصوصاً النار، ومع هذا يُقال إن الأمر لم يصل بهم قط إلى درجة تقديس النار كما هو الحال مع المجوس ..

القراءون

القرّاءون مصطلح يقابله في العبرية ( قرائيم) أو ( بني مقرّا) ، أو ( بعلي هامقرّا) أي (أهل الكتاب ) ، وقد ُسمِّي القرّاءون بهذا الاسم لأنهم لا يؤمنون بالشريعة الشفوية (السماعية) وإنما يؤمنون بالتوراة (المقرّا) فقط (ولذا يمكن القول بأنهم أتباع اليهودية التوراتية، مقابل اليهودية التلمودية أو الحاخامية) ، والقرّاءون فرقة يهودية أسسها عنان بن داود في بابل بالعراق في القرن الثامن الميلادي وانتشرت أفكارها في كل أنحاء العالم ، ولم تُستخدَم كلمة ( قرّائين) للإشارة إليهم إلا في القرن التاسع إذ ظل العرب يشيرون إليهم بالعنانية نسبةً إلى مؤسس الفرقة .. وهذه الفرقة نمت بعد تدهور الفريسيين فورثت الكثير من أتباعها ، وقد اعــترف خلفاء المسلمين بعنان بن داود رئيسا لليهود في المهجر .. وطالب القراءون بنبذ التلمود وعدم الاعتراف إلا بأسفار موسى الخمسة ، ويبدو أن ظهور هذه الفرقة يعود إلى عدة أسباب وعوامل داخل التشكيل الديني اليهودي وخارجه، من أهمها انتشار الإسلام في الشرق الأدنى وطرحه مفاهيم دينية وأطراً فكرية جديدة كانت تشكل تحدياً حقيقياً للفكر الديني اليهودي وبخاصة بعد أن غلبت عليه النزعة الحلولية الموجودة داخله.. وتأثر القرّاءون بعلم الكلام عند المسلمين، وبالعقلانية الإسلامية بشكل عام .. أما مؤسس الفرقة ، عنان بن داود، فقد تأثر بأصول الفقه على مذهب أبي حنيفة ، ويُقال إن اليهود القرّائين يمثلون احتجاج الفرد وضميره الحر ضد عبء السلطة المركزية والتقاليد الجامدة ..
ويبدو أيضاً أنه كانت هناك، منذ هدم الهيكل عام 70م، عناصر دينية رافضة لليهودية الحاخامية من بين بقايا الصدوقيين والعيسويين أتباع أبي عيسى الأصفهاني، وأتباع يودغان ، وقد أخذ القرّاءون عن الصدوقيين فكرة منع إشعال النار يوم السبت،وأخذوا عن العيسويين إيمانهم بأن عيسى (عليه السلام) ومحمداً (صلى الله عليه وسلم) رسولان من عند الله،كما أخذوا الترهب عن أتباع يودغان .. وهناك نظرية تذهب إلى أن يهود الجزيرة العربية الذين وُطِّنوا في عهد عمر في البصرة وغيرها من بقاع العالم الإسلامي، ولم يكونوا يعرفون التلمود، كانوا من أهم العناصر التي ساعدت على انتشار المذهب القرّائي .. ويرجع القرّاءون تاريخهم إلى أيام يُربعـام الأول، حينما انقسـمت المملكة العـبرانية المتحـدة إلى مملكتين: المملكة الشمالية والمملكة الجنوبية (928 ق.م). أما المؤسسة الحاخامية فكانت تشـيع أن عنان بن داود أسَّـس الفرقـة لأسباب شخصية .. وبعد تطــورات وأحداث تم تنصيب حنانيا الأخ الأصغر لعنن رئيسا عليهم ( أو كما يسمونه الاجزيلارك ) .. وعمل هذا على إعادة النظر في الأسفار الخمسة واحتج على ما ادخله علماء التلمود من تبديل في الشريعة الموسوية ، وامتدح عنن عيسى عليه السلام وقال انه رجل صالح لم يرغب في نبذ شريعة موسى عليه السلام ، وقد تشدد القراءون في تطبيق الطقوس الدينية وامنوا بالجبر لا بالاختيار وحرموا زواج العم من ابنة أخيه وزواج الخال من ابنة أخته وساووا بين الابن والبنت في الميراث وقرروا أن الزوج لا يحق له ترك زوجته وفتحوا باب الاجتهاد في فهم النصوص المقدسة ..
وبعد انشقاقهم عن اليهودية الحاخامية، ظل القرّاءون (حتى بداية القرن العاشر) في حالة جمود يختلفون فيما بينهم وينقسمون .. ويُقال إن يهود الخزر اعتنقوا يهودية قرّائية، وأنهم انتشروا في شرق أوربا بعد سقوط مملكة الخزر، ولذا نجد أن كثيراً من القرّائين في روسيا وبولندا يذكرون أن لغتهم هي التركية ، ومع هذا، دافع القرقساني (أحد مفكريهم) عن هذا الانقسام بقوله : إن القرّائين يصلون إلى آرائهم الدينية عن طريق العقل، ولذا فإن الاختلاف بينهم أمر طبيعي .. أما الحاخامون، فإنهم يدَّعون أن آراءهم، أي الشريعة الشفوية، مصدرها الوحي الإلهي .. فإن كان هذا هو الأمر حقاً، فلا مجال للاختلاف في الرأي بينهم. ومن ثم، فإن وجود مثل هذه الاختلافات يدحض ادعاءاتهم التي تنسب الشريعة الشفوية لأصل إلهي .. ويُلاحَظ أثر التفكير الديني الإسلامي على فكر القرّائين، وخصوصاً في عصرهم الذهبي في منتصف القرن التاسع ، ويُعَدُّ بنيامين النهاوندي، وهو أول من استخدم مصطلح ( قرّائي )، أهم مفكري القرّائين، كما يُعتبَر ثاني مؤسسي الفرقة حيث عاش في بلاد فارس في أواخر القرن التاسع، ثم تبعه مفكرون آخرون من أهمهم أبو يوسف يعقوب القرقساني الذي عاش في القرن العاشر .. وفي الفترة الممتدة بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر، انتشر المذهب القرّائي بين مختلف أعضاء الجماعات اليهودية، خصوصاً في مصر وفلسطين وإسبانيا الإسلامية ، وفي الإمبراطورية البيزنطية قبل الفتح العثماني ، ومع حلول القرن السابع عشر، انتقل مركز النشاط القرّائي إلى ليتوانيا وشبه جزيرة القرم التي يعود استيطان القرّائين إياها إلى القرن الثاني عشر .. وابتداءً من القرن التاسع عشر، يبدأ فصل جديد في تاريخ القرّائين بعد ضم كل من ليتوانيا (عام 1793) وشبه جزيرة القرم (عام 1783) إلى روسيا .. فحتى ذلك الوقت، كانت المجتمعات التقليدية التي وُجد فيها اليهود تُصنَّف كلاًّ من اليهود الحاخاميين واليهود القرّائين باعتبارهم يهوداً وحسب دون تمييز أو تفرقة ، ولكن الدولة الروسية اتبعت سياسة مختلفة إذ بدأت تعامل القرّائين كفرقة تختلف تماماً عن الحاخاميين، فأعفت أعضاء الجماعة القرّائية من كثير من القوانين التي تطبَّق على اليهود، مثل: تحديد الأماكن التي يمكنهم السكنى فيها (منطقة الاستيطان)، وتحديد عدد المسموح لهم بالزواج والخدمة العسكرية الإجبارية، وعدم امتلاك الأراضي الزراعية في مناطق معيَّنة .. وقد حاول القرّاءون قدر استطاعتهم أن يقيموا حاجزاً بينهم وبين الحاخاميين، فقدموا مذكرات للحكومة القيصرية يبينون فيها أنهم ليسوا كسالى أو طفيليين مثل اليهود الحاخاميين، وهي اتهامات كانت شائعة ضد اليهود في ذلك الوقت .. كما أن القرّائين كانوا يؤكدون أنهم لا يؤمنون بالتلمود الذي كانت الحكومة الروسية ترى أنه العقبة الكأداء في سبيل تحديث يهود روسيا .. وقد قام المؤرخ والعالم القرّائي أبراهام فيركوفيتش بإعداد مذكرة موثقة للحكومة القيصرية تبرهن على أن اليهود هاجروا من فلسطين قبل التهجير البابلي، وبالتالي فإن تطورهم الديني والتاريخي مختلف تماماً عن اليهود الحاخاميين. وقد أُعيد تصنيف اليهود القرّائين بحيث اعتُبروا قرّائين روس من أتباع عقيدة العهد القديم .. وقد أثَّر هذا في الهيكل الوظيفي للقرّائين، فبينما كان معظم اليهود الحاخاميين (في القرم) من الباعة الجائلين والحرفيين وأعضاء في جماعات وظيفية وسيطة، كان القرّاءون يحصلون على امتيازات استغلال مناجم الفحم، وكانوا من كبار الملاك الزراعيين الذين تخصصوا في زراعة التبغ (وقد احتكروا تجارته في أوديسا)، كما كانت تربطهم علاقة جيدة مع السلطات القيصرية .. وبلغ عدد اليهود القرّائين في القرم حين ضمها الروس نحو 2400، ووصل العدد إلى 12.907 عام 1910، وإلى عشرة آلاف عام 1932 .. ويصل عددهم الآن حوالي 4571 ، وحينما ضمت القوات الألمانية القرم وأجزاء أخرى من أوربا إبان الحرب العالمية الثانية، قرَّر النازيون أن القرّائين يتمتعون بسيكولوجية عرْقية غير يهودية.. ولذا، فلم تُطبق عليهم القوانين التي طُبِّقت على الحاخاميين ، وقد جاء في بعض المصادر أن موقف القرّائين من أحداث الحرب العالمية الثانية كان يتراوح بين عدم الاكتراث والتعاون مع النازيين .. ويوجد تجمُّع قرّائي آخر في ولاية كالـيفورنيا يضـم حوالي 1200 يهـودي معظــمهم من أصل مصري .. وعند إنشاء الكيان الإسرائيلي ، كان القرّاءون معادين له بطبيعة الحال، ولكن الدعاية الصهيونية والسياسية التي انتهجتها بعض الحكومات العربية والمبنية على عدم إدراك الاختلافات بين الحاخاميين والقرّائين جعلت معظمهم يهاجر من البلاد العربية إلى إسرائيل وغيرها من الدول .. ويبلغ عدد القرّائين في إسرائيل نحو عشرين ألفاً، توجد أعداد كبيرة منهم في الرملة، وزعيمهم وحاخامهم الأكبر هو حاييم هاليفي، ويعيش بعضهم في أشدود.. وهناك اثنا عشر معبداً قرّائياً ومحكمة شرعية ، ويمكن القول بأن معظم القرّائين في إسرائيل من أصل مصري (حيث هاجروا إليها عام 1950)، والواقع أن انتماءهم الديني القرّائي لا يزال قوياً، ولذا فإن ثمة خلافات دائمة بينهم وبين اليهود الحاخامين، الأمر الذي ينعكس على العلاقات فيما بينهم حتى داخل المستوطنات المشتركة ..

الكتبة

أطلقت هذه التسمية على جماعة كانت مهمتها كتابة الشريعة فعرفوا الكثير من المعلومات التي دونوها من الكتب المقدسة واختاروا وظيفة الوعظ والإرشاد وسيلة للرزق ..تسموا بالحكماء والآباء وكانوا يمثلون الزعامة الدينية أيام الحكم الفارسي واليوناني والروماني .. وتطــورت وظيفتهم الدينية إلى فتــح المدارس الخاصة لنشر برامج للتعليم الديني ، وكانت مهمتهم تفسير الشريعة للشعب وابتدأ تنظيمهم مع عزرا الذي كان رئيسهم وهؤلاء الكتبة هم أول من علّم التوراة وهم واضعو الشريعة الشفوية – التلمود ..

السامريون

ظهرت فرقة من اليهود يقطنون منطقة السامرة ( التي كانت عاصمة مملكة إسرائيل التي انشقت بعد وفاة سليمان عليه السلام ) ينكرون قدسية أسفار الأنبياء والمكتوبات من العهد القديم ولا يعترفون بغير الأسفار الخمسة إلى جانب سفر يشوع ، وهذا يعني أن كتابهم المقدس هو أسفار موسى الخمسة أو التوراة وحتى هذه الأسفار الخمسة المتداولة بينهم تختلف عن الأسفار المدونة في نحو ستة آلاف موضع (ويتفق نص التوراة السامرية مع الترجمة السبعينية في ألف وتسعمائة موضع من هذه المواضع ، الأمر الذي يدل على أن مترجمي الترجمة السبعينية استخدموا نسخة عبرية تتفق مع النسخة السامرية وهم ينكرون الشريعة الشفوية ، شأنهم في ذلك شأن الصدوقيين والقرّائين (ومن هنا التشابه بين الفرق الثلاث في بعض الوجوه) كما أنهم يأخذون بظاهر نصوص التوراة ..هذه المجموعة سميت بالسامريين نسبة إلى السامرة ..
يقول الشهرستاني في الملل والنحل : إنهم اثبتوا نبوة موسى وهارون ويوشع بن نون عليهم السلام ، وأنكروا نبوة من بعدهم إلا نبيا واحدا ، وقالوا : إن التوراة ما بشرت إلا بنبي واحد بعد موسى يصدق ما بين يديه من التوراة ويحكم بحكمها ولا يخالفها البتة ، وظهر في السامرة رجل يقال له ( الألفان ) ادعى النبوة وزعم انه هو الذي بشر به موسى ، وانه الكوكب الذي ورد في التوراة انه يضيء ضوء القمر .. وذكر ابن حزم ، أنهم يبطلون كل نبوة في إسرائيل بعد موسى ويوشع ( عليهما السلام ) ويقولون أن مدينة القدس هي نابلس ، ولا يعرفون حرمة البيت المقدس ولا يعظمونه ولا يستحلون الخروج إلى الشام ..
وقد اشتدت العداوة بين هذه الفرق وبقية اليهود عندما رفضوا بناء الهيكل الثاني - حسب رواياتهم - إذ كانوا يعتبرون المكان المقدس لليهودية هو جبل جرزيم ( الجبل المختار ) وليس جبل صهيون وأورشليم ، وهم يؤمنون بعودة الماشيَّح إلى جبل جرزيم برغم أنه لا توجد في أسفار موسى الخمسة أية إشارة إليه ، حتى أنهم أضافوا إلى توراتهم عبارات توحي بقدسية هذا الجبل ، وهم يعتبرون اليهود ضلوا عن طريق اليهودية الصحيح ، لذا فهم يعيشون في عزلة ولا يتزاوجون مع بقية اليهود ، وكان من نتيجة هذه العزلة أن انتشر الجهل بينهم ..
والسامريون كلمة معربة من كلمة ( شوميرونيم) العبرية، أي سكان السامرة ، ويُشار إليهم في التلمود بلفظة ( كوتيم ) وتعني ( الغرباء) .. لكن هذه التسميات هي تسميات اليهود الحاخامين لهم ، وكان يوسيفوس يسميهم الشكيميين نسبةً إلى (شكيم ) (نابلس الحالية) ، ويدعي اليهود أن السامريين ينتمون إلى سلالات غريبة عن بني إسرائيل ، ولكن السامريين يعتبرون أنفسهم من بني إسرائيل أو ( بنو يوسف ) ، باعتبار أنهم من نسل يوسف ، كما يطلقون على أنفسهم اسم ( شومريم ) ، أي (حفظة الشريعة ) ، باعتبار أنهم انحدروا من صلب يهود السامرة الذين لم يرحلوا عن فلسطين عند تدمير المملكة الشمالية عام 722 ق.م ، فاحتفظوا بنقاء الشريعة ..
ومهما كانت التسمية ومهما كان تفسيرها، فمن المعروف تاريخياً أنه، بعد تهجير قطاعات كبيرة من سكان المملكة الشمالية قام الأشوريون بتوطين قبائل من بلاد عيلام وسوريا وبلاد العرب لتحل محل المهجّرين من اليهود، وتسكينهم في السامرة وحولها ، وامتزج المستوطنون الجدد مع من تبقَّى من اليهود، واتحدت معتقداتهم الدينية مع عبادة يهوه ، وقد نتج عن ذلك اختلاف عن بقية اليهود ، لكن الانشقاق النهائي حدث عام 432 ق.م ، بين اليهود والسامريين، بعد عودة عزرا ونحميا من بابل ، حيث دافعا عن فكرة النقاء العرقي ،وثمة قصتان لتاريخ الانشقاق، أولاهما ترد في العهد القديم (نحميا 13/23 ـ28 ): ( في تلك الأيام، كان واحد من بني يوياداع بن الياشيب الكاهن العظيم صهراً لسنبلط الحوروني فطردته من عندي) ، وقد وردت عن يوسيفوس رواية أخرى مفادها أن منَسَّى شقيق الكاهن الأعظم تزوج من ابنة حاكم السامرة سنبلط الثالث (الفارسي)، فخيَّره الكهنة بين أن يطلق زوجته أو أن يتخلى عن مكانته وسلطاته الكهنوتية ، فلجأ منَسَّى لحميه الذي بنى لزوج ابنته هيكلاً على عادة العبرانيين القدامى على جبل جريزيم لينافس هيكل القدس، وأصبح الشاب المطرود كاهن السامريين ، وبعد أن أسس الهيكل انضم إليه عشرات الكهنة الآخرين المتزوجين من أجنبيات وعناصر يهودية أخرى غير راضية عن المؤسسة الدينية في القدس ، ومن الواضح أن ثمة عناصر مشتركة بين القصتين تتمثل في بعض الأسماء والعلاقات الأساسية وفي عملية الطرد ، ومع أن هناك قرناً من الزمان يفصل بين القصتين الأولى والثانية ، فإن من الواضح أنهما تشيران إلى الواقعة نفسها ، ويميل المؤرخون إلى الأخذ بقصة يوسيفوس ويرجعوا بتاريخها إلى زمن نحميا ..
وقد نشبت صراعات بين السامريين وبقية اليهود، لكنهم تعرضوا لكثير من التوترات التي تَعرَّض لها اليهود في علاقتهم بالإمبراطوريات التي حكمت المنطقة.. فبعد أن فتح الإسكندر المنطقة عام 323 ق.م ، هاجر بعض السامريين إلى مصر وكونوا جماعات فيها، وهذه هي بداية الشتات السامري أو الدياسبورا السامرية التي امتدت وشملت سالونيكا وروما وحلب ودمشق وغزة وعسقلان ، وحينما قرر أنطيوخوس الرابع (175 ـ 164 ق.م) دَمْج يهود فلسطين في إمبراطوريته لتأمين حدوده مع مصر، كان السامريون ضمن الجماعات التي استهدف دمجها وإذابتها رغم أنهم أعلنوا أنهم لا ينتمون إلى الأصل اليهـودي ، وحينمـا اسـتولى الحشـمونيون على الحكم (164 ق.م)، واجه السامريون أصعب أزمة في تاريخهم إذ سيطر الحشمونيون على شكيم وجرزيم واستولوا على مدينة السامرة وحطموها، كما حطم يوحنا هيركانوس هيكلهم عام 128 ق.م. ، ومع هذا ، فقد استمر السامريون في تقديم قرابينهم على جبل جرزيم..
كما أن هَدْم الهيكل لم ينتج عنه انتهاء طبقة الكهنة على عكس اليهود أو بني إسرائيل الذين انتهت عبادتهم القربانية المركزية وطبقـة الكهنـة التي تقـوم بها بهـدم هيكـل القـدس ، ويبـدو أن السامريين لم يساعدوا اليهود أثناء التمرد اليهودي الأول، ومـع هذا نشـب تمـرُّد مستـقل في صفـوفهم ضد فســبسيان عام 67 ق.م، وتم قمعـه.. كمــا ثـار السـامريون ضـد الرومان عام 79 ـ 81 م ، فهُدمت شكــيم وبُني مكانها نيابوليس (نابلس) أي ( المدينة الجديدة ) .. وتمتع السامريون بمرحلة ازدهار فكري في القرن الرابع الميلادي تحت قيادة زعيمهم القومي بابا رابا ، ومن أهم مفكريهم الدينيين مرقه الذي عـاش في القرن نفسـه، وكاتب الأناشـيد التي تُسـمَّى ( إمرالم دارا) ..
وقد عانى السامريون من الاضطهاد على يد الإمبراطورية البيزنطية ، وفي عام 529 الميلادي، قام جوستينيان بشن هجمة شرسة عليهم لم تقم لهم قائمة بعدها ، ويُقال إن الرومان سمحوا للسامريين ببناء هيكلهم الذي دمره الحشمونيون حينما رفضوا الانضمام إلى ثورة بركوخبا ، ولكن هذا الهيكل دُمِّر بدوره عام 484 ميلادية ..
وثمة نقاط اتفاق بين السامريين واليهود الحاخاميين قبل ظهور القبَّالاه وحركات الإصلاح الديني اليهودي ، فكلا الفريقين يؤمن بالله الواحد وباليوم الآخر والملائكة ، ولكن السامريين احتفظوا بقدر أكبر من الوحدانية التي تراجعت في اليهودية إلى أن اختفت تماماً تقريباً ، وكانوا يشيرون إلى الخالق بلفظة (إل ) ، أو ( أللا ) القريبة من كلمة ( الله ) ، ولكنهم كانوا أيضاً يسمونه
( يهوه ) .. كما كانوا يؤمنون بأن موسى نبي الله الأوحد وخاتم رسله وبأنه تجسيد للنور الإلهي والصورة الإلهية ، وقبلة السامريين جبل جرزيم بين المقدس ونابلس ، دون سائر اليهود ، ولغة العبادة عندهم هي العبرية السامرية، وكان كتابهم المقدَّس يُكتَب بحروف عبرية قديمة
( مع تحفظ الباحث على تسمية العبرية القديمة التي كانت في أصلها إحدى اللهجات الكنعانية الممزوجة بالفينيقية والآرامية ) ويزعم السامريون أن اللغة والحروف جاءتهم صحيحة من عهد النبي موسى ، ويحتفل السامريون بالأعياد اليهودية مثل يوم الغفران وعيد الفصح، ولكن كانت لهم أعياد مقصورة عليهم وتقويم خاص بهم ، وهم لا يعترفون بداود أو سليمان ( عليهما السلام ) ، ويُلاحَظ أن الأفكار الأخروية لم تلعب دوراً مهماً في التفكير الديني لدى السامريين رغم إيمانهم بالقيامة والحساب في يوم القيامة ، كما حدث مع اليهودية بعد العودة من بابل ، وينفي بعض اليهود عن السامريين صفة الانتساب إلى اليهودية، كما أنهم يعاملونهم معاملة الأغيار في أمور الزواج والموت ، وقد استمر العداء بين السامريين واليهود الحاخاميين، إذ يذهب السامريون إلى أن اليهودية الحاخامية هرطقة وانحراف ، وأن قيادة اليهود الدينية أضافت إلى التـوراة وأفسـدت النص ليتفق مع وجهة نظرها .. ويُعَدُّ السامريون جماعة شبه منقرضة ، وهم، في واقع الأمر، أصغر جماعة دينية في العالم، فعددهم لا يتجاوز خمسمائة، يعيش بعضهم في نابلس ويعيش البعض الآخر في حولون (إحدى ضواحي تل أبيب) وفـــي بعـــض طبعات التلمود، تحــل كلمة
( السامريين) محل كلمة ( الأغيار) حتى تبدو عبارات السباب العنصري وكأنها موجهة إلى السامريين وحدهم وليس إلى كل الأغيار ..

القبالاه ( الصوفية اليهودية )

يعرف التـراث الصـوفي اليهـودي باســم ( القبَّــالاه ) التي مرت بمراحــل عديدة أهمــها
( قبَّــالاة الزوهار) وتُسمَّى أيضاً ( القبَّالاه النبـوية )، و( القبَّالاه اللوريانية ) التـــي يمكن أن تُسمَّى ( القبَّالاه المشـيحانية) ..أما كلمـة ( الصوفية) ، فلها (داخل النسق الديني اليهودي) دلالات خاصة، فهذا النسق يتَّسم بوجود طبقة جيــولوجية ذات طابع حلولي قوي تراكمت داخله ،ابتداءً من العهد القديم، مروراً بالشريعة الشفوية، وقد انعكست هذه الحلوليـة من خـلال شـيوع أفكار، مثل:الشعب المختار وأمة الروح والأرض المقدَّسة ، وتراث القبَّالاه الصوفي تراث ضخم وضع أسس التفسيرات الصوفية الحلولية في الزوهار والباهير وغيرهما من الكتب، وحل محل التوراة والتلمود ، ومن الملاحَظ أيضاً انتشار الحركات المشيحانية الصوفية الحلولية بين الجماعات اليهودية في العالم عبر التاريخ ، فكان التفكير الفلسفي بين اليهود نادراً، ولم يظهر إلا تحت تأثير الحضارات الأخرى، كما أنه كان ينحو منحى حلولياً في أغلب الأحيان، ففيلون السكندري، مثلاً، كان واقعاً تحت تأثير الحضارة الهيلينية، ولم يكن يعرف العبرية مطلقاً، ومع هذا فإن ثمة نزعة حلولية قوية في فلسفته، ولم يترك فكره الفلسفي أي أثر في تطور اليهودية اللاحق ، وكذلك موسى بن ميمون، بطل كل المفكرين العقلانيين اليهود، فقد كان متأثراً تأثراً عميـقاً بحضارته العـربية الإسـلامية .. أما في العصر الحديث، مع ظهور فكر فلسفي يهودي حديث، فإننا نجد إسبينوزا بفلسفته الحلولية على رأس المفكرين.. كما أن أهم مفكر ديني يهودي، مارتن بوبر، كان مهتماً بالتصوف أشد الاهتمام، بل نجده أحد عُمُد التصوف في تاريخ الفكر الحديث في الغرب. والواقع أن الفكر الديني اليهودي الحديث ينحو، في جوهره، هذا المنحى الصوفي الحلولي، والصهيونية هي النقطة التي تظهر عندها الحلولية بدون إله ..
ويعتقد أن القبَّالاه، بمعناها الحالي، ظهرت في فرنسا، وكان من أهم العارفين بالقبَّالاه أبراهام بن داود وابنه إسحق الأعمى اللذان بدآ يتداولان كتاب الباهير (الذي ظهر أول ما ظهر في بروفانس في فرنسا) في القرن الثاني عشر، وانتقل مركز القبَّالاه بعد ذلك إلى إسبانيا حيث نشأت حلقات متصوفة تحاول أن تتواصل مع الإله من خلال التأمل في التجليات النورانية العشرة (سفيروت).. كما كان هؤلاء المتصوفون يهدفون إلى تجديد تقاليد النبوَّة، وإلى الكشف الإلهي من خلال الشطحات الصوفية، ومن خلال التأمل في حروف الكتاب المقدَّس وقيمها العددية وأسماء الإله المقدَّسة ، ومن أهم القبَّاليين أبراهام بن شموئيل أبو العافية (1240 ـ 1291)، وقد وصلت الحركة القبَّالية إلى قمتها بظهور الزوهار الذي وضعه موسى دي ليون المتوفى عام 1305، والذي تستند إليه الأنساق القبَّالية التي ظهرت بعد ذلك ، وكانت مدينة جيرونا في قطالونيا من أهم مراكز القبَّالاه في إسبانيا، وقد قام القبَّاليون بإنشاء مركز لهم في مدينة صفد في فلسطين عام 1421 ..
وكان شيوع القبَّالاه في هذه المرحلة تعبيراً عن رفض التراث التلمودي الذي وضعه الحاخامات وعلماء الدين الذين ارتبطوا بالطبقات الثرية وبيهود البلاط في إسبانيا ،وقد شجع أعضاء هذه الفئات الفلسفة العقلانية واتبعوا في حياتهم العامة والخاصة سلوكاً يتفق مع هذه الفلسفة، ولا ينم عن كبير احترام لبعض العقائد اليهودية (من وجهة نظر العوام على الأقل).. وقد ساهمت القبَّالاه في عزل أعضاء الجماعات اليهودية عن هذا التراث الفلسفي العقلاني الذي أشاعه موسى بن ميمون وغيره من الفلاسفة المتأثرين بكتابات الفلاسفة المسلمين العرب ، وقد كانت كتب الفلسفة تُسمَّى ( الكتب الشيطانية )، وبعد ذلك، انتشرت التقاليد القبَّالية بعد أن أخذت شكلها المحدد في الزوهار، في القرنين الرابع عشر والخامس عشر في إسبانيا ثم في كل إيطاليا وبولندا ، وتُسمَّى القبَّالاه النابعة من الزوهار قبَّالاة الزوهار (ويسميها جيرشوم شولم - القبَّالاه النبوية) ، وازداد الاهتمام بالقبَّالاه بعد طرد يهود إسبانيا وتَصاعُد الحمىَّ المشيحانية، وخصوصاً بما اشتملت عليه القبَّالاه من عقيدة خلاص جماعة يسرائيل ، وقد وُجد واحد من أهم مراكز القبَّالاه في صفد، وكان يضم مجموعة من اليهود السفارد الذين طُردوا من إسبانيا، ومن هنا كان عمق إحساسهم بالكارثة التي حاقت باليهود وبعجزهم الكامل وعزلتهم عن أية مشـاركة حقيقيـة في العمليـات التاريخية ..
ومنذ القرن الثالث عشــر أصــبحت كلمة القبالة تستعمل لوصـف العقيدة السرية بجميع مظاهرها ، وهذه العقيدة السرية ترجع إلى كتاب ظهر في القرن الأول ميلادي يعرف باسم
( يصيرا ) أي كتاب الخلق ، وقد استبدل بعض علمائهم فكرة خلق العالم عن طريق الفيض الرباني كما في ( يصيرا ) بفكرة الضوء والحكمة والعقل ، وعرضوا العقيدة السرية على أنها دراسة أعمق وأكثر نفعا من التلمود واستخدموا في وصف الصلاة بين الله والنفس البشرية لغة الحب الشهواني والزواج التي كان يستخدمها بعض المتصوفة ..
في سنة 1295 نشر موسى بن شيم طــوف الكتاب الثالث من كتب القبالة المــسمى سفر
( زوهر ) أو كتاب المجد ، وجمعت في هذا الكتاب كل عناصر القبالة ، فكرة الإله الشامل لكل شيء والحروف الأربعة المكونة لاسم يهوه وأزلية الروح والأعداد والحروف والتفسير الرمزي لنصوص الكتاب المقدس وتاريخ ظهور المسيح وأزلية الروح والنقط والشرط واستعمال الكتابات الجفرية ... الخ
ويمكن التمييز بين نمطين من التصوف : نظري خاص بالطريق إلى المعرفة والفيض الإلهي ، وعملي اقرب إلى السحر الذي يستخدم التسبيح ورموز الحروف والأرقام .. وكان لهم دراية في الفراسة وقراءة الكف وعمل الأحجية وتحضير الأرواح .. كما يسعون إلى الاتصال الروحي بالله عن طريق الصلاة والتأمل كالأسينيين .. وكانوا ينتظرون نزول المسيح لإقامة مملكة يتمتع فيها الناس بالمساواة .. وبعض القبالين هاجموا التلمود ، وانتشر الاعتقاد بصدق القبالة وبأنها وحي من عند الله انتشارا واسعا بين يهود أوربا ، والحديث يطول عن القبالاه ومراحلها وأنواعها وتصنيفاتها وشخصياتها لكننا نكتفي بهذا القدر منها ، وبقدر تعلقه بدراستنا هذه ..

العيسوية

نسبة إلى عيسى اسحق بن يعقوب الأصفهاني ، وذُكر أن اسمه ( عوفيد الوهيم ) ، أي عابد الله ، كان زمن المنصور وابتدأ دعوته زمن مروان بن محمد ، فاتبعه كثير من اليهود وادعوا له آيات ومعجزات وزعموا انه لما حورب خطّ على أصحابه خطاَ بعود آس ، وقال : أقيموا في هذا الخط ، فليس ينالكم عدو ، فكان العدو إذا بلغوا الخط رجعوا خوفا من طلسم أو عزيمة ، ومع هذا فقد قضى المنصور عليه وعلى أصحابه ، وزعم أبو عيسى انه نبي ، وانه رسول المسيح المنتظر وان للمسيح خمسة من الرسل يأتون قبله .. كما زعم أن المسيح أعلى منزلة من الأنبياء جميعا ولأنه رسوله فهو أفضل الجميع أيضا ، وحرم في كتابه الذبائح كلها ،ونهى عن أكل كل ذي روح ، طيرا كان أو بهيمة ، واوجب عشر صلوات ذكر أوقاتها وخالف اليهود في كثير من أحكام الشريعة المذكورة في التوراة ..

اليوذعانية

نسبة إلى يوذعان ، وهو رجل من همدان ، ذكر أن اسمه كان ( يهوذا ) وقد حث على الزهد وكثرة الصلاة ،ونهى عن اللحوم والأنبذة ، وكان يزعم أن للتوراة ظاهرا وباطنا ، تنزيلا وتأويلا ، وخالف بتأويلاته اليهود عامة ، وخالفهم في التشبيه ومال إلى القدر واثبت أن العقل حقيقة للعبد ، وقدر الثواب والعقاب عليه وشدد في ذلك ..


الموشكانية

أصحاب موشكا ، على مذهب يوذعان ، غير انه يوجب الخروج على مخالفيه ونصب القتال معه ، وقد قتل في منطقة ( قم ) ..

الحسيدية

معنى الحسيد بالعبرية ( التقي ) وهي علم على الحركة الدينية الصوفية التي أسسها باعل شيم طوف ( 1700 – 1761 ) وانتشرت في شرق أوربا بين الطبقات الفقيرة من فقراء الوعاظ والمنشدين والمدرسين .. انقسمت الحسيدية الى فرق عدة ، كل فرقة تدور حول الصدّيق ( القديس ) تتشبه به وتأخذ بأقواله ، وبقدر تفاوت هؤلاء في القدرات الذهنية كان التفاوت بين الفرق على مستويات من النزعات الصوفية مما أشاع جوا من الغيبة الصوفية والشعوذات التي زادت في عزلة اليهود الشرقيين عن التيارات الحضارية في أوربا .. وتحتوي الحسيدية على قدر كبير من الخرافات مثل الإصرار على أن القوة المقدسة الكامنة في حروف اسم ( يهوه ) وإيمانها بظهور المسيح وتأكيدها الخاص بوجـــود الملائكة وعبادتها ، وكان لكل صديق معبد خاص يجتمع فيه مع أتباعه المقربين للصلاة ، وكان الحسيديم يقدمون للصديق الفدية ويكرمونه حتى بعد موته لأنه لا يعد ميتا بنظرهم ، إذ يستمر في الوساطة بينهم وبين الرب وشعب إسرائيل ويلغي الأحكام الإلهية السيئة ..
ومع تأسيس إسرائيل أزداد تقوقعها بالرغم من حالات الإنعاش التي قام بها كبار الحسيديم ، وخاصة مؤسسها الذي كان من دعاة الاستيطان اليهودي في فلسطين .. وقد هاجر الكثير من أبناء الطائفة إلى أمريكا واستقرت غالبيتهم في حي بروكلين بنيويورك حيث المقر الرسمي للرئاسة الدينية للطائفة ، وقد استطاعت الحسيدية ان تجمع بين المبدأ الشخصي والمبدأ القومي في مصطلح الخلاص وأصبحت فكرة الهجرة إلى فلسطين تجسد العلاقة بين خلاص الفرد وخلاص الشعب ، إذ أن انتشار الحسيدية هو الذي يعجل بمجيء المسيح ..
وفي فلسطين شكل الحسيدية طلائع اليهود الاشكناز أواخر القرن الثامن عشر وكانوا يتلقون الدعم المالي من مواطنهم الأصلية .. ومع أن التوجه العام داخل الحركة الحسيدية كان ضد الهجرة إلى فلسطين ، بعد ظهور الحركة الصهيونية ، لكن هذا لم يمنع استمرار الهجرة وتأسيس قرى ومستوطنات خاصة بهم ..
واليهود الحسيديم من الفرق اليهودية التي ظهرت في القرن الثامن عشر الميلادي في أوربا، وقد ساعد على ظهورها سوء الحالة التي كان يعيشها اليهود آنذاك وخيبة أملهم بالمسيح الدجال شبتاي صبي في القرن السابع عشر، وبمرور الزمن كبرت هذه الفرقة وكثر عدد المنتمين إليها حتى أصبح اليوم عدد أفرادها يعدون بمئات الآلاف منتشرين في كثير من بلدان العالم ولهم تأثير كبير في عالم اليهود في داخل إسرائيل وخارجها ، واليهود الحسيديم لا يختلفون كثيراً في معتقداتهم وممارساتهم الدينية عن اليهود الأرثودكس المتشددين الذين يسمون بالعبرية (حريديم (، لكنهم يتميزون عنهم بتركيزهم على الغناء والرقص كجزء من عباداتهم وعلى التزامهم مبدأ اللذة والسعادة كجزء من معتقدهم.. كما أنهم يعتمدون التفسير الباطني (القبلاه) للكتب الدينية اليهودية المقدسة عندهم ، ويتميز هؤلاء أيضاً بتقديسهم لزعيمهم الروحي الذي الصديق الذي هو عادة يرث الزعامة عمن قبله ، وللزعيم الروحي مكانة لا تضاهيها مكانة عند أتباعه.. إذ هو محور حياتهم وموضع أسرارهم ومحل ثقتهم والقاضي بينهم في حل خلافاتهم ، و يعترفون عنده بذنوبهم ويلجأون إليه في حل مشاكلهم ، والحسيديم اليوم مجموعات كثيرة ومتعددة لكل واحدة منها زعيمها ومرشدها الخاص بها . ومن أكبر هذه المجموعات مجموعة اللوبافتش التي يقدر عدد أعضائها بمأتي ألف شخص والتي أصبح مقرها الرئيس في نيويورك بعد الحرب العالمية الثانية ، وهذه المجموعة تقدس زعيمها الروحي أكثر من بقية المجموعات الأخرى ، وكان آخر زعيم لها (مناحم مندل شنيرسون) قد توفي عام 1994 ولشدة تقديس أتباعه له فإنهم يحفظون أقواله وخطبه عن ظهر قلب ويقلدون أفعاله، ويطلبون بركته (وكان يعطيهم دولاراً رمزاً لهذه البركة) وكانوا يحضّرون أنفسهم ليوم أو يومين قبل لقائه والمثول أمامه ويوصون أولادهم بطاعته والإخلاص له ، ومن جملة ما تميز به زعيمهم في حياته تأكيده على قرب ظهور المسيح المخلص وحديثه عنه وذكره له ، وقد طلب من أتباعه أن يجعلوا التفكير بالمسيح المخلص وانتظاره والتطلع إليه نصب أعينهم ومن أهم أولوياتهم ، وكان يقول لأتباعه ( إن كل يهودي له القدرة وعليه الواجب، أن يساعد في مجيء المسيح المخلص ليس غداً أو في وقت ما في المستقبل، ولكن الآن، وفي هذه اللحظة، حتى وكأن الإنسان يفتح عينيه فيرى المخلص أمامه هنا ومعنا في هذا الكنيس لحماً ودماً وروحاً وجسماً ) .. كذلك أمرهم أن ينادوا بعبارة ( نريد المسيح الآن ) وهم يضيفون الكلمة العبرية ( ממש ) ( ممش) التي تعنى حقيقة .. ولكنها أيضا تحتوي على الحروف الأولى من أسم مرشدهم وكان هؤلاء يصرخون بها كلما اجتمعوا تعبيراً عن توقعهم لظهور المسيح وتطلعهم إليه ورغبتهم في رؤيته ، كما أخذوا يضعون في الأماكن العامة في كثــير من مدن العالم الــتي يعيشون فيها لافتات مكــتوب عليها ( المسيح قادم ) ، وأثناء حياة مرشدهم الروحي كان هؤلاء يفسرون بعض الإشارات والرموز في كلامه على أنه هو المسيح الذي وعد به اليهود ، وبدأوا يتناقلون هذا المعتقد سراً فيما بينهم كما أخذوا ينشرون صور زعيمهم ويكتبون تحتها ما يشير إلى أنه هوالمسيح ، وعلى الرغم من أن زعيمهم كان يعرف ذلك، إلا أنه لم يمنعهم وكان يغض الطرف عن فعلهم ، وبعد وفاته حلّت اللغة الصريحة محل لغة الإشارة وأخذوا يعلنون أن زعيمهم الروحي هو المسيح المخلص الذي وعدت به اليهودية والذي سيظهر من قبره في يوم من الأيام ليحقق العدل والسلام في العالم ، وتأكيداً لذلك، فإنهم لم ينتخبوا شخصاً يخلفه كما هي عادة الحسيديم عند موت المرشد الروحي، وهم في الوقت الحاضر لا زعيم روحياً لهم أملاً في ظهور زعيمهم الميت وينتقد بعض اليهود(وبعضهم من أعضاء الفرقة) الحسيديم اللوبافتش ويعتبرون ما يؤمنون به منافياً لما هو منصوص عليه في معتقدات اليهودية التي تقول بأن المخلص هو الذي يولد في آخر الأيام ويعلن عن مسيحانيته عندما يكون حياً ، ولكن اللوبافتش يردون على هذا النقد بأدبيات وكتب نشروها، يؤكدون فيها على صحة معتقدهم ومسيحانية زعيمهم وظهوره من قبره في يوم ما ، ويقولون إن بعث الموتى هو أحد المبادئ الرئيسة في اليهودية ومن أصول الدين فيها فلماذا لا يجوز بعث المسيح .. وهم منذ فترة يقومون بحملات بين اليهود يؤكدون فيها على أن زعيمهم هو المسيح المخلص الموعود الذي سيظهر ويخلص العالم من شروره ، وهم يلصقون صوره في الأماكن العامة في إسرائيل وغيرها، ويضعون تحتها كلمة ( المسيح) ، وفي مستوطنتهم ( كفارخبد ) التي أقاموها في إسرائيل في السبعينات بأمر زعيمهم الروحي، يلصقون على الشبابيك صورته مكتوب تحتها (عاش الملك ) ، وهم بهذا يشيرون إلى زعيمهم .. كما أنهم يوزعون بعض أقواله ويكتبون تحتها ( المسيح الملك ) ، وفي مدارسهم - وهي كثيرة - يبدأ التلاميذ يومهم بجملة (عاش زعيمنا الملك المسيح ) ، كما أن الأولاد في المستوطنة عندما يردون على التلفون يبدأون ردهم بعبارة (عاش الملك المسيح ) ، وفي أحد مواقعهم على الإنترنت ، وهو خاص بمسيحهم ، يقولون إن الموقع صمم بأمر المسيح الملك وهم يذكرون عبارة ( طال عمره إلى الأبد ) بعد أسمه .. ويطلبون من أتباع الفرقة أن يكتبوا رسالة لطلب البركة من مسيحهم وأن يدعو الله أن يعجل ظهوره ، ويقول هؤلاء ( إن الحاخام الذي أحب أتباعه كما لو كانوا أولاده لا يمكن أن يتركهم بلا قيادة، ولأنه فعل ذلك فلابد أنه كان يعلم بأنه سيظهر مرة أخرى ويملأ الفراغ ) ..
ولكي يؤكدوا اعتقادهم هذا، فقد عقدوا مؤتمراً في لندن في نهاية عام 2000 حول موضوع مسيحانية زعيمهم وأسموه المؤتمر الأول ، وقد حضر المؤتمر عدد كبير من أتباع هذه الفرقة وحضره أيضاً بعض الحاخامين من الفرقة ومن غيرها، وقد قال أحد المنظمين لهذا المؤتمر ( إن الهدف من المؤتمر هو التأكيد على إيماننا ومعتقدنا بزعيمنا الروحي نبي هذا الجيل ، ونحن نعتقد اعتقاداً عميقاً بأنه ما زال حياً ويعيش بيننا وسوف لا يخيب أملنا فيه ) ، ولم يكتف هؤلاء بنشر الأدبيات وعقد المؤتمرات عن ظهور مسيحهم، وإنما أخذوا يقومون بخطوات عملية لتأكيد واقعية الفكرة ومصداقيتها ، وأهم هذه الخطوات هي بناء قصر لسكنى مسيحهم ، وقد طلبوا من معماري شهير تصميم قصر ضخم يسكنه زعيمهم عندما يبعث من قبره معلناً مسيحانيته كما يعتقدون .. واختاروا أن يكون موقع قصره في مستوطنتهم المذكورة ، وقد وافق مجلس بلديتها على المشروع .. وقد عمل المعماري نموذجاً للقصر، الذي سيقام على مساحة عشرة آلاف متر مربع ، وهو كما يبدو انه سيكون قصراً ضخماً بكل المقاييس وكتبوا في وصف القصر أنه سيحتوي على قاعات عديدة وغرف كثيرة وحمامات وحدائق ونوافير ماء، وستغطى أرضه بأفضل أنواع المرمر، كما ستكون أبوابه من الذهب، وسيقسم داخله إلى قسمين، أحدهما للمسيح الموعود نفسه، والآخر لزوجته !!
كما سيعلو القصر تاج ضخم مصنوع من الذهب الخالص ، وهم عندما يتحدثون عن القصر يطلقون عليه قصر المسيح الملك ، وأخذوا ينشرون صورته ويقومون بالدعاية له والكتابة عن ضخامته وجماله ، ومنذ فترة يقومون بجمع الأموال لبنائه ، وعندما ينتقدون على ما يقومون به يقولون بأن زعيمهم الروحي هو الذي طلب منهم أن يعملوا كل شيء من أجل المسيح المخلص وقدومه وأنه هو كذلك قد أشار ببناء القصر، وهم يردون على منتقديهم أيضاً بالقول : ( إن كل ملك له قصر وخاصة ملك الملوك ثم كيف لا نبني له سكناً فأين يذهب عندما يظهر؟ هل يذهب إلى الفندق ؟) ! واللوبافتش في عملهم هذا لا يختلفون كثيراً عما قام به أتباع فرقة ( شهود يهوه ) المسيحية الذين بنوا بيتاً ضخماً في إحدى الولايات الأمريكية وسجلوه باسم الأنبياء إبراهيم واسحق وداوود ليكون سكناً لهم عندما يظهرون صحبة المسيح عيسى عندما يظهر مرة أخرى ..

الحسيديــة والصهيونيـة

من المعروف أن معظم المفكرين والزعماء الصهاينة إما نشأوا في بيئة حسيدية، أو تعرَّفوا إلى فكرها الحلولي بشكل واع أو غير واع .. بل إن الصهيونية ضرب من ( الحسيدية اللادينية ) أو الحسيدية داخل إطار حلولية بدون إله ووحدة الوجود المادية .. والدارس المدقق يكتشف أن ثمة تشابهاً بين الحسيدية والصهيونية، فالجماهير التي اتبعت كلاًّ من الصهيونية والحسيدية كانت في وضع طبقي متشابه ، أي جماهير توجد خارج التشكيلات الرأسمالية القومية بسبب الوظائف المالية والتجارية التي اضطلعت بها مثل نظام الأرندا.. لذلك، نجد أن جماهير الحسيدية، شأنها شأن جماهير الصهيونية، تتفق على حب صهيون، الأرض التي ستشكل الميراث الذي سيمارسون فيه شيئاً من السلطة .. كما قامت الحسيدية بإضعاف انتماء يهود اليديشية الحضاري والنفسي إلى بلادهم، وهذه نتيجة طبيعية لأية تطلعات مشيحانية الأمر الذي جعل اليهود مرتعاً خصباً للعقيدة الصهيونية .. كما أن الحسيدية والصهيونية تؤمنان بحلولية متطرفة تضفي قداسة على كل الأشياء اليهودية وتفصلها عن بقية العالم ، وفي الحقيقة، فقد كانت الهجرة الحسيدية التي تعبِّر عن النزعة القومية الدينية فاتحةً وتمهيداً للهجرة الصهيونية .. والصهيونية، مثل الحسيدية، حركة مشيحانية تهرب من حدود الواقع التاريخي المركب إلى حالة من النشوة الصوفية، تأخذ شكل أوهام عقائدية عن أرض الميعاد التي تنتظر اليهود ، ويعتقد المفكر النيتشوي الصهيوني بوبر أنه لا يمكن بعث اليهودية دون الحـماس الحسـيدي، بل يرى أن الرواد الصهاينة قد بعثوا هذا الحــماس ..
ولكن الحسيدية تظل، في نهاية الأمر، حركة صوفية حلولية واعية بأنها حركة صوفية، ولذا فإن غيبيتها منطقية داخل إطارها، ولا تتجاوز أفعالها، النابعة من المشيحانية الباطنية، نطاق الفرد المؤمن بها وأفعاله الخاصة، أما سلوكه العام فقد ظل خاضعاً إلى حدٍّ كبير لمقاييس المجتمع .. ولذا، ظل حب صهيون بالنسبة إلى هذه الجماهير حباً لمكان مقدَّس لا يتطلب الهجرة الفعلية .. أما الصهيونية، فهي حركة علمانية، ذات طابع عملي حرفي .. كما أن الفكرة الصهيونية لا تنصرف إلى السلوك الشخصي لليهودي وإنما إلى سلوكه السياسي.. ولكي تتحقق الصهيونية، لابد أن تتجاوز حدودها الذاتية لتبتلع فلسطين، وتطرد الفلسطينيين بحيث يتحول حب صهيون إلى استعمار استيطاني .. ومما لا شك فيه أن الحسيدية قد ساهمت في إعداد بعض قطاعات جماهير شرق أوربا لتتقبل الأفكار الصهيونية العلمانية الغيبية، عن طريق عزلها عن الحضارات التي كانت تعيش فيها، وإشاعة الأفكار الصوفية الحلولية شبه الوثنية التي لا تتطلب أيَّ قدر من إعمال العقل أو الفهم أو الممارسة ، ولكن هذا لا يعني أن الحسيدية مسئولة عن ظهور الصهيونية، فكل ما هناك أنها خلقت مناخاً فكرياً ودينياً مواتياً لظهورها .. جدير بالذكر أن بعض الحسيديين عارضوا فكرة الدولة الصهيونية وأسسوا حزب أغودات إسرائيل ، ولكن بعد إنشاء الكيان الإسرائيلي ، بل قبل ذلك، أخذوا يساندون النشاط الصهيوني، وهم الآن من غلاة المتشددين في المطالبة بالحفاظ على الحدود الآمنة و( الحدود المقدَّسة) و( الحدود التاريخية لأرض إسرائيل ) ، ولكن هناك فرقاً حسيدية قليلة لا تزال تعارض الصهيونية ودولة إسرائيل بعداوة، من بينها جماعة ساتمار (ناطوري كارتا) ..

الاصلاحيون

يذكر الباحث د. لطف الله حيدر، أن القرن الثامن عشر شهد اتجاهين دينيين رئيسيين، متميزين ومتنافسين، في حياة اليهود الاجتماعية والفكرية، وقد ارتبط الاتجاه الأول ارتباطاً عضوياً باسم مؤسسه موسى مندلسون ودعا إلى التخلي عن العقائد اليهودية والطقوس الدينية القديمة ، وقاد أنصار هذا الاتجاه حملة في سبيل التنوير (هاسكالاه) بينما كان الاتجاه الثاني يجسد النزعة نحو التمسك الصارم بحرفية التعاليم اليهودية التوراتية القديمة وشعائرها الجامدة والحفاظ على انعزالية اليهود ضمن (الجيتو) بانتظار المسيح المنقذ الذي سيقود اليهود إلى أرض الميعاد في فلسطين، وقد سمي الاتجاه الأول (التيار الغربي) نظراً لانتشاره الواسع بين يهود غرب أوروبا، وأطلق على الاتجاه الثاني اسم (التيار الشرقي) (نسبة إلى شطر أوروبا الشرقي) ..
إذاً بدايات هؤلاء تعود إلى موسى مندلسون ( 1729 – 1786 ) في ألمانيا ، حيث قام بحركة اسماها ( الهاسكالاه ) أو ( التنوير ) اعتبرت ضربا من الإصلاح الديني الذي تأثر به كثير من يهود العالم الغربي ، حاول مندلسون أن يحطم الجيتو العقلي الداخلي ، وبذل جهودا ليبين علاقة الدين بالعقل ورفض أي فكر يهودي يتنافى مع المنطق العقلي .. بل ذهب إلى حد الإيمان بان اليهودية ليست دينا مرسلا من عند الله ، وإنما هي مجموعة من القوانين الأخلاقية وان الله ، عندما تحدث إلى موسى في سيناء ، لم يذكر له أي عقائد ، بل ذكر طريقة للسلوك يتبعها الأفراد في حياتهم الشخصية ، ولعله أراد بهذا ، كما يقول الدكتور كامل سعفان في كتابه ( اليهود تاريخا وعقيدة ) ، تحرير اليهود من طغيان الحاخامات ..
كانت الهاسكالاه ترمي إلى تغيير في المعتقدات اليهودية بما يتمشى مع واقع الحياة ، فأباحت أكل الخنزير وعدم تقديس السبت ، وعملت على تخفيف الطقوس الدينية واستعمال اللغات الدارجة في العبادة وأبطلت الصلاة على الموتى .. اصدر مندلسون في ألمانيا سنة 1850 صحيفة باللغة العبرية اسماها ( الواعظ الأخلاقي ) وجعلها منبرا لدعوته ولدعاة الإصلاح اليهودي ، وحتى يقضي على عزلة اليهود الاجتماعية والنفسية قام موسى مندلسون بترجمة ( أسفار موسى الخمسة ) إلى الألمانية وانشآ مدرسة في برلين للأطفال اليهود تعلمهم الألمانية وبعض الأعمال اليدوية إلى جانب العلوم الدينية التقليدية .. ثم عزز دعوته بالمطالبة بمنح كل فرد حرية العقيدة ، ليقرر كل ما يشاء حسب ما يمليه ضميره وتصوره الأخلاقي .. من معالم دعوة الإصلاح اليهودية إنكار التوراة والتلمود كمصادر للتشريع وان كان الدعاة يؤمنون بأنهما نتاج العبقرية اليهودية الدينية ..
وقد رأى الاصلاحيون أن الوحي ليس خالصا صافيا ، بل يختلط بعناصر تاريخية زمنية ..
وبهذا يصبح اليهود ملزمين بمحاولة فهم هذا الوحي وتنفيذ ما هو ممكن منه في لحظتهم التاريخية .. ويأخذ هذا التيار شكلا متطرفا في قرارات مؤتمر بتسبرج الإصلاحي ( 1885 ) الذي تقرر فيه أن ( الكتاب المقدس ليس من صنع الله ، بل هو وثيقة من صنع الإنسان ) ..
ومن التطورات الأخرى التي حصلت في زمنهم ، هو قيامهم بإلغاء الصلوات التي لها طابع قومي يهودي ، وجعلوا لغة الصلاة الألمانية وليس العبرية ، وادخلوا الموسيقى والأناشيد الجماعية ، كما سمحوا باختلاط الجنسين في الصلاة .. كما قام بعضهم ببناء بيت للعبادة وأطلقوا عليه اسم ( الهيكل ) ، في محاولة لتعميق ولاء اليهودي للوطن الذي يعيش فيه .. كما ركز الاصلاحيون على الجوهر الأخلاقي للتلمود مهملين التحريمات المختلفة التي ينص عليها القانون اليهودي ، مثل القوانين الخاصة بالطعام ..
وقد عدل بعض قادتهم فكــرة عودة ( الماشيح ) بفكرة عصر يحل فيه السلام والكمال ، واليهودية الإصلاحية والمحافظة هما أكبر الفرق الدينية اليهودية في الغرب ، وحسب المؤرخين ، فان الإصلاحيين لهم معابد إصلاحية في حوالي 29 دولة تابعة للاتحاد العالمي لليهودية التقدمية، ويبلغ عدد أتباع الحركة حوالي 1.25 مليون.. لكن الولايات المتحدة لا تزال المركز الأساسي الذي يضم معظم أعضاء هذه الفرقة ، وتوجد 848 إبراشية يهود إصلاحية في الولايات المتحدة، ويشكل الإصلاحيون 30% من كل يهود أمريكا المنتمين إلى إحدى الفرق اليهودية (مقابل 33% محافظين و9% و26% لا علاقة بهم أى فرقة دينية أرثوذكس) ، وقد اعترفت روسيا باليهودية الإصلاحية باعتبارها مذهباً يهودياً ، وبالفعل، توجد جماعة يهودية إصلاحية الآن لها مقر في موسكو، ويمكن أن نتوقع انتشار اليهودية الإصلاحية لأنها صيغة مخففة سهلة من العقيدة اليهودية تناسب تماماً يهود روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء ممن يودون التمسك بيهوديتهم وإظهارها والإعلان عنها حتى يتسنى لهم الهجرة إلى إســرائيل ، ولكنهم، كباحثين عن اللذة، لا يريدون في الوقــت نفسه أن يدفعوا أي ثمـن عن طـريق إرجاء المتعــة أو كبـح ذواتهم أو إقامة الشعائر ، واليهودية الإصلاحية تحقق لهم كل هذا، فهي تتكيف بسرعة مع روح العصر، وكل عصر ..
لقد انتصرت لدعوة مندلسون عصبة من الرواد المخلصين ممن أيدوا منهجه، وأطلقوا على أنفسهم اسم المتنورين، وتعاهدوا على إصدار دورية أدبية عنوانها ( الجامع ) استمر إصدارها لفترات منقطعة ما بين (1784-1811) باللغة العبرية معرضين عن لغة الييديش : 1. وكان من أشهر أنصار مندلسون الشاعر ( نفتالي هرتس ويسلي) (1725-1805) ، وكان من أكثرهم إخلاصا وحماسا لدعوته، دعا إلى الانصهار في ثقافة العصر، وقام في كتابه المعروف ( كلمات عن السلام والحقيقة ) بدعوة يهود النمسا والمجر إلى الاستجابة المخلصة لنداء الإمبراطور جوزيف الثاني الذي دعا إلى استخدام اللغة الألمانية وإنشاء المدارس الحديثة لتعليم العلوم العصرية ذات الصلة بروح العصر ومطالبه..
2 . من زعماء الحركة الإصلاحية ( أبراهام جايجر ) (1810-1874) زعيم الجناح المعتدل ، الذي يشار إليه عادة بلفظ ( التقدمي ) وهو من أشهر الوعاظ والخطباء لهم، والذي تولى هذا المنصب في مدينة فيزبادن، وإليه يرجع الفضل أيضا في نشر صحيفة ناطقة بالاتجاهات الفكرية لهذه الطائفة ابتدءا من سنة 1832، واسمها ( الصحيفة العلمية للاهوت اليهودي)، وفي سنة 1838 انتخبته طائفته حاخاما أكبر لها في مدينة برسلو، منافسا لحاخامها القديم ( تيتكين ) ، وقد أحدث هذا الانتخاب خلافا حادا في زمانه في تلك المدينة ، وقد طالب جايجر بالتخلي عن فكرة (شعب الله المختار) كلياً ، واعتبر أن تلك الفكرة عمقت عزلة اليهود ، ودعا إلى ضرورة ممارسة ضبط النفس في عملية الإصلاح مخافة أن تفقد الحركة كامل صلتها بأبناء بني إسرائيل ومشاعرهم الدينية، واجتهد في تطوير معارف أتباعه وذلك بما ألف ودون من كتب ورسائل أنكر فيها الأصل الإلهي للأسفار الخمسة، ورفض الاعتراف بالأحكام الشرعية الثابتة وحيا من السماء، وناصر الدعوة إلى إلغاء سنة الاختتان ، وبشر جايجر بمفهوم عالمي مجرد عن كل مضمون قومي، باعتبار أن إضفاء صفة قومية عليها يناقض ما أراده الله تعالى وقصده، وأعلن بأن دعوته إلى إجراء ما أجراه ينسجم مع التقاليد التلمودية المتوارثة التي تؤكد ضرورة رعاية المصالح تبعا لتغير الأزمان ..
3 . ومنهم ( ديفيد فرايد لندر) (1706-1834) زعيم الجناح الثوري الذي يشار إليه أحيانا بصفة (الليبرالي ) ، وهو أحد أكثر تلامذة مندلسون إخلاصا لدعوته والمؤسس الحقيقي لحركة الإصلاح، ولقد ذهب في جهوده إلى حدود متطرفة ، فقدم عام 1799 التماسا إلى السلطات الكنسية البروتستانتية ببرلين يطلب فيه السماح له ولأنصاره ومريديه الاشتراك في مراسيم الكنيسة، شرط أن يُعفوا من القول بإلوهية المسيح، أو أي عقيدة تنافي العقل، ومن ممارسة الطقوس الدينية التي هي من لوازم المسيحية، وكان طبيعيا أن ترد الكنيسة طلبه هذا الذي تضمن ردة مشروطة عن اليهودية ، وقد كان أحد المفكرين اليهود القلائل الذين نادوا بالتخلي عن عقيدة الماشيَّح التي تسببت في عزل اليهود عن العالم غير اليهودي، وكان ( فرايد لندر) يرى أن المسألة اليهودية في شرق أوروبا لا يمكن حلها إلا عن طريق الإصلاحات التي تؤدي إلى الاندماج ، وكان هدفه هو الحفاظ على السبب الجوهري وراء نشاط الحركة والذي كان يتمثل في الدعوة إلى التوافق مع مطالب العصر والانصهار في المجتمع الغربي ،واجتثاث العناصر والخصائص القومية التي من شأنها أن تؤثر سلبا على علاقات اليهود مع الأغيار ..
4 . ومنهم اليهودي الإصلاحي( إسرائيل يعقوبزون) الذي خصص أول هيكل للطائفة في بيته وكان ذلك في زيزن بألمانيا، ثم هيأ هيكلا آخر في بيته ببرلين سنة 1815 ..
5 . وكان من أشد الإصلاحيين : ( إسحاق صمويل ريدجو) (غوريتسيا، 1784-29 أغسطس 1855) وهو يهودي إيطالي ..
6 . ومنهم الحبر اليهودي ( صموئيل هولدهايم ) (1806-1860) من زعماء هيكل برلين عام 1849 ، وقد أقدم على استبدال السبت اليهودي ومراسيمه بالأحد المسيحي وطقوسه، وألغى الاحتفال باليوم الثاني لشهود القمر الجديد وولادته، ومع ظهوره وظهور جايجر بدأت حركة الإصلاحيين تتخذ أشد تطرفا وغلوا من قبل، فقد صرحا معا بلغة واضحة أن اليهودية عقيدة دينية وأخلاقية صرفة ليس فيها ما يشير إلى خصائص قومية..
7 . وترتبط هذه الحركة الإصلاحية أيضا باسم ( إسرائيل جاكبسون أو جيكوبسون ) (1768-1828) الذي أسس أول هيكل (كنيس) يهودي للإصلاح في مدينة ( سيسن برنزويك) بجهده الخاص ومن ماله، وقد جرى في هذا الهيكل ولأول مرة في تاريخ اليهودية أداء الصلوات والطقوس الدينية وفق صيغ المسيحية وتقاليدها الكنسية، وأول مناسبة يسمى فيها المعبد اليهودي بالهيكل ..
8. - سولومون فورمستشر (1808 - 1889) حاخام ومفكر ديني ألماني يهودي، وأحد قادة حركة اليهودية الإصلاحية .. اشترك في المؤتمرات الحاخامية المختلفة التي تناولت قضية اليهودية في العصر الحديث، وكتب عدة دراسات عن فلسفة الدين، ويُعَدُّ مؤلفه ديانة الفكر (1841) أهم مؤلفاته التي يصف فيها اليهودية بأنها ليست ديانة طبيعية (أي متمركزة حول الطبيعة) وإنما ديانة فكر عالمية ترى أن الإله يتجاوز الطبيعة، وأنه الحقيقة المطلقة ومصدر القيم ، ويقصد فورمستشر بالفكر التحقق التاريخي الواعي للمطلق ، ويذهب فورمستشر إلى أن التوحيد في الإسلام والمسيحية ليس كاملاً كما هو الحال مع اليهودية، وإنما هو توحيد مختلط تمتزج فيه العناصر الوثنية بالعناصر التوحيدية، وبذا تظل الأمة اليهودية التعبير الوحيد الصافي عن المطلق ..
9 . ومنهم إيـوجين بورويتـز (1924-) حاخام ومفكر ديني إصلاحي .. وُلد في نيويورك، وكان ابناً لموظف في أحـد مصانع الملابـس .. درس في جامعـة أوهـايو وكلية الاتحاد العبري، وحصل على الدكتوراه في التربية من جامعة كولومبيا.. عمل بورويتز حاخاماً في عدد من المدن الأمريكية من بينها نيويورك، كما عمل حاخاماً في البحرية الأمريكية.. من أهم مؤلفاته لاهوت يهودي جديد يُولَد (1968) حيث يلخص المواقف اللاهوتية اليهودية الأساسية في العصر الحديث.. أما كتابه القناع الذي يلبسه اليهود (1973)، فهو يتناول ما يتصور بورويتز أنه الأقنعة التي يرتديها يهود أمريكا ، ويتناول الكتاب قضايا، مثل: الاندماج، وكُره اليهودي لنفسه، ومفهوم الشعب اليهودي، وعلاقة يهود الولايات المتحدة بالتقاليد الدينية اليهودية ، ويتكون كتابه اليهودية الإصلاحية اليوم (1978) من ثلاثة أجزاء، وهو يتناول الأفكار والممارسات الأساسية لليهودية الإصلاحية، ويؤيد بورويتز في هذا الكتاب الاتجاه المتصاعد في صفوف اليهودية الإصلاحية نحو تَبنِّي الصهيونية والعودة إلى ممارسة بعض الشعائر اليهودية باعتبارها سبيلاً لتقوية الهوية، ويقوم بورويتز بتحرير مجلة شماع التي تعبِّر عن أفكار اليهودية الإصلاحية..
10. ومنهم أيضا كوفمـان كولر (1843-1926) أحد زعماء اليهودية الإصلاحية.. وُلد وتلقَّى دراسته في ألمانيا، ثم استقر في الولايات المتحدة عام 1869، وعمل حاخاماً للجماعة الإصلاحية في شيكاغو ونيويورك إلى أن عُيِّن رئيساً لكلية الاتحاد العبري عام 1903، وظل في هذا المنصب ثمانية عشر عاماً ، وكان كولر الشخصية الأساسية في مؤتمر بتسبرج الإصلاحي حيث تم تَبنِّي قراراته الإصلاحية الشهيرة.. كان كولر كاتباً كثير الإنتاج في حقلي الفلسفة واللاهوت، وكان معارضاً قوياً للصهيونية ، وقد أسهم في تطور اليهودية الإصلاحية في الولايات المتحدة، وكان يُعَد العالم الإصلاحي الأساسي .. اشترك في تحرير الترجمة اليهودية الأمريكية للعهد القديم، وفي الموسوعة اليهودية (القديمة التي صدرت في أوائل هذا القرن)، وله دراسة منهجية تاريخية للاهوت اليهودي تُعَدُّ من أهم أعماله ..
وتذكر المصادر أن هذه الحركة تسمى بـ (الحركة الإصلاحية اليهودية) و(التقدميين، التقدمية) وعادةً ما يُستخدَم مصطلح ( تقدمي ) بديلاً لمصطلح ( إصلاحي ) خارج الولايات المتحدة ، و(الليبراليون، الحركة الليبرالية) و(المتنورون، حركة التنوير) و(اليهودية المتحررة) وبعضهم يطلق عليها (اليهودية التجديدية) والبعض يرى أنها فرقة أخرى، وكانت تسمى (الهسكالاة) أي التنوير واليقظة والنهضة ، وهي العصرانية عند اليهود، وتسمى الاتجاه الاندماجي، وهي حركة علمانية حاولت إصلاح اليهودية من خارجها، وشعارهم : (كن يهوديا في بيتك وإنسانا خارج البيت). وتسمى الحركة : ( النيولوج ) وهو الاسم العرفي (غير الرسمي) الذي كان يُطلَق على أعضاء الجماعة اليهودية في المجر والمنتمين إلى اليهودية الإصلاحية ، وهذه المسميات ليست مترادفة تماماً، إذ يُستخدَم أحياناً مصطلح ( اليهودية الليبرالية ) للإشارة إلى اليهودية الإصلاحية التي حاولت أن تحتفظ بشيء من التراث.. كما استُخدم المصطلح نفسه للإشارة إلى حركة دينية أسسها كلود مونتفيوري في إنجلترا عام 1901، وكانت متطرفة في محاولاتها الإصلاحية. أما مصطلح ( اليهودية التقدمية) فهو مصطلح عام يشير إلى التيارات الإصلاحية كافة ..
وكانت لمندلسون آراء جديدة على اليهود من الناحية السياسية والإنسانية العامة، وهي تعتبر دستورا لهذه الفرقة، وخلاصتها :
1. أن اليهود يجب أن يندمجوا في إنسانية العصر، وأن يخرجوا من قوقعة العنصرية التي حبسوا أنفسهم فيها طيلة قرون طويلة ..
2. أن اليهودية دين فقط، وليست جنسية، وأنه من الخطأ القول ( يهودي إنجليزي ) أو( يهودي روسي ) ...الخ، والأصح أن يقال إنجليزي متدين باليهودية، وروسي متدين بها، وهكذا ..
3. أن المساواة في الحقوق المدنية بين اليهود وغيرهم غير ممكنة إلا إذا اعتبر اليهود أنفسهم مواطنين في البلاد التي يعيشون فيها، لا يتميزون بلباس أو أكل أو لغة ..
4. لا يمكن ذلك إلا إذا تحدث اليهود بلغات أوطانهم، وتعلموا في مدارسها، وحاربوا في جيوشها، ولبسوا من الملابس ما يشبه بقية المواطنين، وخرجوا من الجيتو وأقاموا مع غيرهم من الناس ..
وابرز آراء الحركة ومعتقداتها الدينية ( وان كنا اشرنا لبعضها ) فهي إجمالا :
1. إنقاص الأدعية والصلوات إلى الحد الأدنى، مع إباحة تلاوتها بلغات البلاد القومية حيث يعيش هؤلاء اليهود ..
2. حذف جميع الإشارات إلى خصوصية الشعب اليهودي من كل طقوس الدين وعقيدته وأخلاقه وأدبه ..
3. أبطال كل الفوارق بين الكهنة واللاويين وبقية اليهود ..
4. ترك الترانيم الشعرية العبرية والآرامية القديمة ..
5. إدخال الآلات الموسيقية وفرق الإنشاد الجماعي ( الكورس) من الجنسين في المعبد والترنم بألحان حديثة مؤلفة ومكتوبة (على النوتة) خصيصا لطقوسهم، وانتهى ذلك التطوير بإدخال الأرغن في المعبد اليهودي تقليدا للكنائس والكاتدرائيات ..
6. إنكار احد ابرز ماجاء في اعتقادهم من أن يكون ( الخلاص ) معناه إقامة دولة في فلسطين، وهم بذلك كانوا وما زالوا من الفرق غير الصهيونية، فعندهم أن الخلاص يكون في الدنيا بالحصول على المساواة في الحقوق المدنية ولا ضرورة إطلاقا لربط ذلك بفلسطين أو بغيرها من البلاد .. فمن مواقفهم المفصلية (نحن لا نعتبر أنفسنا أمة بعد اليوم، بل جماعة دينية، ولذا نحن لا نتوقع عودة إلى فلسطين، أو عودة قربانية في ظل أبناء هارون، ولا استرجاعاً لأي من القوانين المتعلقة بالدولة اليهودية) فقد رفضوا وعد بلفور وكل المحاولات السياسية التي تنطلق من فكرة الشعب اليهودي ..
7. خالفوا جميع اليهود إذ قالوا إن الله فعل خيرا ببني إسرائيل إذ فرقهم في الأرض، فهم بذلك يستطيعون أن يعيشوا في كل الآفاق وأن يقيموا فيها الدليل على الدعوة الموسوية ..
8. كما عدل الإصلاحيون من فكرة عودة (الماشيح) فأحلوا محلها فكرة العصر الحديث، عصر حضارة العقل والقلب الجامعة، اقترابا لتحقيق أمل (إسرائيل الماشيحاني) العظيم من أجل إقامة مملكة الحقيقة والعدالة والسلام بين جميع البشر ..
9. ولأنهم صرفوا النظر عن إعادة بناء الهيكل في أورشليم بالذات، فإن كل معبد من معابدهم في أي مكان يطلق عليه اسم ( الهيكل ) ، وكانت هذه أول مرة يستخدم فيها هذا المصطلح، لأنه لم يكن يطلق إلا على الهيكل الموجود في القدس، ومعنى ذلك أن الإصلاحيين بتسميتهم معبدهم هذه التسمية الجديدة ( هيكل) كانوا يحاولون تعميق ولاء اليهودي إلى الوطن الذي يعيش فيه، ويحاولون نقل الحلول الإلهي من مكان سيعودون إليه في آخر الأيام إلى مكان يرتادونه هذه الأيام ، وأول هيكل خصص للطائفة هو الذي هيأه في بيته اليهودي الإصلاحي إسرائيل يعقوبزون كما سبق، وفي سنة 1818 شهدت الطائفة تشييد أول هيكل يبنى خصيصا لإقامة الشعائر، في الثغر الألماني الكبير همبورج، وكانت الصلوات، معظمها إن لم يكن كلها، تقال فيه باللغة الألمانية لا العبرية طبقا لمبادئ اليهود الإصلاحيين، وجاء في خطبة افتتاح أول معبد لهم (إن الدنيا كلها تتغير من حولنا، فلماذا نتخلف نحن) ..
10. أباحة اختلاط الجنسين من المصلين في هذا ( الهيكل) وأجازة الزواج بغير اليهودي ..
11. منع تغطية الرأس أثناء الصلاة أو استخدام تمائم الصلاة ( تفيلين ) متأثرين في ذلك بالصلوات البروتستانتية ..
12. محاولة تأكيد الجانب العقائدي والأخلاقي على حساب الجانب الشعائري أو القرباني، فهم يرون أن اليهودية الحاخامية تدور في إطار الشعائر المرتبطة بالدولة اليهودية والهيكل، والتي لم تعد لها أي فعالية أو شرعية، فيقول بعضهم : (أن جوهر اليهودية ليست أشكالا ولا حتى شريعتها، ولكن جوهرها هو أخلاقها) ..
13. إعادة تفسير اليهودية في الجانب الفكري على أساس عقلي، وأعادة دراسة التوراة على أسس علمية ، فالعقل أو العلم هو موضع الحلول الإلهي، أو المطلق في المنظومات الربوبية..
14. المناداة بأن الدين اليهودي أو العقيدة الموسوية وهي التسمية المقدمة لديهم تستند إلى قيم أخلاقية تشبه قيم الأديان الأخرى ..
15- السماح مؤخرا بترسيم حاخامات إناث ..
16. عدم الاعتراف بأي يوم من أيام الصيام، بعد أن كان اليهود يصومون أيام كيوم الغفران وأسابيع الحداد وغيرها..
17. أبطال لبس شال الصلاة إلا للحاخامات، وعدم لبس طاقية الصلاة ..
18. نكرانهم وجود الملائكة ..
19. نكران فكرة البعث والجنة والنار، وإحلال فكرة خلود الروح محلها ..
20 . إسقاط معظم شعائر السبت ، ومن بينها تحريم استخدام السيارة بما في ذلك الوصول للمعبد، وعدم استعمال أية آلة كهربائية، وهم في الوقت الحاضر لا يحتفلون في يوم السبت وإنما يختار أعضاء الأبرشية أي يوم في الأسبوع للاجتماع، وتأخذ الشعائر في هذه الحالة شكل صلاة قصيرة وقراءة بعض الفقرات من أي كتاب، ولعل هذا هو الانتصار النهائي لروح العصر كما يعتقدون ..
21 . ازدياد التكيف مع روح العصر تطرفا، ولذا فقد قبلت اليهودية الإصلاحية الشواذ جنسيا كيهود ، ثم رسمت بعضهم حاخامات ، وأسست لـهم معابد إصلاحية معترفا به من قبلهم ، وقد جاء في موقع هيئة الإذاعة البريطانية( بي. بي. سي) ما يأتي : (وافق المؤتمر المركزي للحاخامات الأمريكيين التابع لحركة الإصلاح اليهودية على مباركة زواج الشواذ من الجنسين في طقوس دينية يهودية ، وقال رئيس المؤتمر الحاخام تشارلز كرولوف : إن من حق الشواذ الاعتراف بزواجهم واحترامهم .. إن المؤتمر اليهودي ذهب بموافقته تلك إلى مدى أبعد من أي حركة دينية أخرى في الولايات المتحدة في منح حقوق للشواذ ؛ فحتى صدور هذا القرار كان الشواذ يضطرون للبحث عن حاخام يقبل تزويجهما بصورة فردية، وكانت مراسم الزواج تتفاوت بين مباركة بسيطة وعرس كامل يشبه حفلات الأعراس التقليدية.. في عام 1990 وافقت الحركة على تعيين حاخامات يهود من الشواذ اعتماداً على مبدأ أن جميع اليهود متساوون في التدين بغض النظر عن توجهاتهم الجنسية ) ..
22 . الاهتمام الكبير بالوعظ والإرشاد في داخل الهيكل، بحيث كانوا يختارون لكل هيكل، إلى جانب ( الحزان ) وهو الحاخام الذي يقوم بالكهانة في أثناء الطقوس ، خطيبا يتحرون فيه طلاقة اللسان وسعة العلم وقوة التأثير في الجماهير، ويسمى
عندهم ( مَطِّيف ) ومن أشهر هؤلاء الوعاظ الخطيب اليهودي الإصلاحي المشهور ( إبراهام جايجر ) كما سبق ..
23 . معاداة الحركة الصهيونية ، وكان هذا من الطبيعي، وقد عقدوا عددا من المؤتمرات للتعبير عن رفضهم للصهيونية ..
24 . وانتهى الأمر بهذه الحركة إلى أن خلعت النسبية على كل العقائد ونزعت القداسة عن كل شيء، أي أنها في محاولتها إدخال عنصر النسبية الإنسانية والتهرب من الحلولية، سقطت في نسبية تاريخية كاملة بحيث أسقطت كل الشعائر وكل العقائد تقريبا ، وطبيعة هذه الطائفة كانت تفرض عليها أن تظل نشيطة لا تتوقف عن الحركة، والواقع أنها لم تقصر من هذه الناحية، فكان أقطابها ما يزالون يجتمعون في مؤتمرات عامة، وكان من أوائلها مؤتمر في برنشويج وآخر في فرانكفورت وثالث في برسلو في السنوات من 1844 إلى 1846 ..

اليهودية الإصلاحية والصهيونية

كان من المنطقي أن تعادي اليهودية الإصلاحية (بنزعتها الاندماجية) الحركة الصهيونية (في نزعتها القومية المشيحانية، وفي تمجيدها للجيتو والتلمود، وفي حفاظها على النطاق الضيق للحلولية اليهودية التقليدية).. وقد عَقَد الإصلاحيون عدداً من المؤتمرات للتعبير عن رفضهم للصهيونية .. كما أنهم رفضوا وعد بلفور وكل المحاولات السياسية التي تنطلق من فكرة الشعب اليهودي أو التي كانت تخاطب اليهود كما لو كانوا كتلة بشرية متجانسة لها مصالح مستقلة عن مصلحة الوطن الذي ينتمون إليه ..
وقد ظلت هذه العداوة قائمة زمناً طويلاً في الولايات المتحدة ، ولكن اليهود في الغرب جزء لا يتجزأ من المصالح الاقتصادية والسياسية لبلادهم، ومن محيطها التاريخي والحضاري، وهذه البلاد في مجموعها تشجع المشروع الصهيوني .. ولذا، لم يكن من الممكن أن تستمر الفكرة أو العقيدة الإصلاحية في مقاومة الواقع الإمبريالي الغربي الممالئ للصهيونية ، وعلى كلٍّ، فإن اليهودية الإصلاحية جعلت روح العصر النقطة المرجعية والركيزة النهائية، والإمبريالية جزء أساسي من روح العصر في الغرب .. ولكل هذا، نجد أن اليهودية الإصلاحية تخلت بالتدريج عن رؤيتها الليبرالية، وأخـذت في تعديل رؤيتها بشكل يــتواءم مع الرؤية الصهيونية .. وبالفعل، بدأ الإصلاحيون في العودة إلى فكرة القومية اليهودية الصهيونية، وإلى فكرة الأرض المقدَّسة، فجاء في قرار مؤتمر كولومبوس عام 1937 أن فلسطين (أرض مقدَّسة بذكرياتنا وآمالنا ) إلا أن مصدر قداستها ليس العهد بين الشعب والإله، وإنما الشعب اليهودي نفسه (وفي هذا اقتراب كبير من اليهودية المحافظة) .. وقد حاول الإصلاحيون تبرير هذا التحول بالعودة إلى التراث اليهودي فبيَّنوا أن الأنبياء كانوا يؤيدون الاتجاه القومي الديني دون أن يتخلوا عن الدفاع عن الأخلاقيات الإنسانية العالمية، ودون أن يجدوا أيَّ تناقض بين الموقفين، أي أن الإصلاحيين تقبَّلوا الموقفين: الانعزالي والعالمي دون تساؤل، وهم في هذا يقتربون من الصهيونية الثقافية، ومن صهيونية الجماعات اليهودية (أي الصهيونية التوطينية) في استخدامها مقياسين مختلفين: أحدهما يجعل اليهودية قومية بالنسبة للمستوطنين الصهاينة والإسرائيليين، والآخر يجعلها ديناً وتراثاً روحياً بالنسبة للمنفيين الذين لا يريدون مغادرة المنفى بسبب سعادتهم البالغة به ..
وقد تزايد النفوذ الصهيوني داخل معسكر اليهودية الإصلاحية إلى درجة أن الاتحاد العالمي لليهودية التقدمية (أي الإصلاحية) عقد مؤتمره السنوي الخامس عشر في مدينة القدس للمرة الأولى عام 1968، وذلك عقب عدوان 1967 وفي غمرة الحماس القومي الذي اكتسح يهود العالم نتيجة للانتصار الإسرائيلي .. وقد تزايدت أيضاً العناصر القومية في الشعائر الإصلاحية (حيث تُتلى الآن بعض الصلوات بالعبرية)، كما أن الإصلاحيين ينفخون في البوق (شوفار) في المعبد في عيد رأس السنة وأدخلوا بعض العناصر التراثية على الصلوات الأخرى .. وبدأت اليهودية الإصلاحية، ابتداءً من منتصف السبعينيات، تساهم بشكل واضح في الحركة الصهيونية، حيث أصبحت ممثلةً فيها من خلال جمعية أراز (جمعية الصهاينة الإصلاحيين في أمريكا) ، وقد انضم الاتحاد العالمي لليهودية التقدمية إلى المنظمة الصهيونية العالمية عام 1976 ، وانضمت أرتسينو (الرابطة الدولية للصهاينة الإصلاحيين) باعتبارها حزباً صهيونياً إلى المنظمة ، فأصبح لليهودية الإصلاحية كيبوتسات ومؤسسات تربوية في إسرائيل وتنظيمات لجمع الأموال لها ..
في عام 1976، عُقد آخر المؤتمرات الإصلاحية التي أعادت صياغة العقيدة اليهودية في سان فرانسيسكو، ويُلاحَظ في قراراته أنها تحثُّ على استمرار الاتجاه نحو تعميق البُعد القومي .. فالحقيقة الأساسية في حياة اليهود، حسب قرارات المؤتمر، هي الإبادة النازية، الأمر الذي يدل على الاتجاه نحو تَقبُّل لاهوت موت الإله ولاهوت ما بعد أوشفيتس .. وقد بدأت اليهودية الإصلاحية تتجه نحو محاولة الالتزام ببعض الشعائر اليهودية بقدر الإمكان ، ومع هذا أُعيد تعريف اليهودي بحيث يصبح ( من وُلد لأب يهودي أو أم يهودية ) ، وأُبيح الزواج المُختلَط شرط أن يكون الأبناء يهوداً.. وقد أُدخلت كل هذه التعديلات بسبب الرغبة في البقاء (أي التزاماً بلاهوت البقاء) ، وقد صدر، في عام 1975، كتاب إصلاحي جديد للصلوات يُسمَّى بوابات الصلاة، وهو كتاب تتبدَّى فيه الاتجاهات الصهيونية السابقة وقد صدر ليحل محل الكتاب الذي صدر في عام 1941 ..
في عام 1988 أصدرت أرتسينو بياناً يحدد موقفها من الصهيونية فأكدت أهمية إسرائيل بالنسبة ليهود العالم ولكنها أكدت أيضاً التعددية في حياة اليهود، وهي تعددية لا تستبعد العلمانية، ولذا فهي تؤيد كلاً من الدياسبورا والهجرة الاستيطانية، وطالب البيان حكومة إسرائيل بأن تبتعد عـن القمع الدينـي والعنف السياسي، ودافـع عن حقوق العرب ودعا إلى حـل سلـمي للصــراع العــربي الإسـرائيلي، مبني على الضمانات والتنازلات المتبادلة ..
وقد أُسِّست أولى الأبرشيات الإصلاحية في فلسطين عام 1936 في حيفا وتل أبيب والقدس. وفي عام 1939، أُسِّست مدرسة ليو بابك في حيفا، وهي أول مدرسة دينية غير أرثوذكسية في فلسطين ، ويُعَدُّ معبد ها إبل الذي أُسِّس عام 1958 أقدم المعابد الإصلاحية (التقدمية) في إسرائيل .. وفي عام 1963أسست كلية الاتحاد العبري فرعاً لها في القدس ، وقد تم توسيعها عام 1987، ثم أصبحت المقر الرئيسي للاتحاد العالمي لليهودية التقدمية، ويوجد قسم بالكلية لإعداد الإسرائيليين ليصبحوا حاخامات إصلاحيين، وقد تم ترسيم أول حاخام إصلاحي متخرج في المدرسة عام 1980، وبلغ عددهم 20 عام 1996 .. وكل حاخامات إسرائيل الإصلاحيين (التقدميين) أعضاء في مجلس الحاخامات التقدميين ، ولا يقبل حاخامات إسرائيل الإصلاحيون تعريف اليهودي الذي يقبله حاخامات الولايات المتحدة الإصلاحيون .. ويوجد فرع لكلية الاتحاد العبرية في إسرائيل، وقد انتقل المقر الرئيسي للاتحاد العالمي لليهودية التقدمية إلى القدس عام 1972، وفي عام 1980، تم تأسيس حركة الشباب الدولية الإصلاحية الصهيونية في القدس وتتبعها عشرة فروع ، وتتبع الفرع الإسرائيلي حركة الكشافة الإسرائيلية ، ولا يزيد عدد اليهود الإصلاحيين في إسرائيل عن عشرين ألف ..
ولا تعترف المؤسسة الدينية الأرثوذكسية في إسرائيل باليهودية الإصلاحية، ولا بحاخاماتها، ولا بالزيجات التي يعقدونها، ولا بمراسم التهود التي يقومون بها، فهم يجعلونها سهلة يسيرة على عكس طقوس التهود الأرثوذكسية .. وتثار هذه القضية من آونة إلى أخرى، حينما يطرح قانون العودة للنقاش، فهو القانون الذي يتضمن محاولة تعريف الهوية اليهودية إذ تحاول المؤسسة الأرثوذكسية أن تضيف تعديلاً يستبعد اليهود الذين تهودوا على يد الحاخامات الإصلاحيين ، ويدعو زعماء اليهودية الإصلاحية إلى أن تكون المساعدات التي تُخصَّص للمؤسسات الإصلاحية في إسرائيل متناسبة مع حجم تبرعات اليهود الإصلاحيين، إذ أن معظم التبرعات يدفعها يهود غير أرثوذكس، ومع هذا يصب معظمها في المؤسسات الأرثوذكسية .. وقد بدأ بعض زعماء اليهودية الإصلاحية، مثل ألكسندر شندلر، في محاولة الاحتفاظ بمسافة بينهم وبين الدولة الصهيونية، وخصوصاً بعد حادثة بولارد وبعد الانتفاضة ، وهم يؤكدون مركزية الدياسبورا (الجماعات اليهودية خارج فلسطين) مقابل مركزية إسرائيل، كما يحاولون تغليب الجانب الديني على الجانب القومي ..

اليهـــودية المحافظــة ( المحافظون )

فرقة دينية يهودية حديثة نشأت في الولايات المتحدة، أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كمحاولة من جانب اليهودية للاستجابة لوضع اليهود في العصر الحديث في العالم الجديد وهي أهم وأكبر حركة دينية يهودية في العـالم، وأهـم مفكريها سولومون شـختر.. ولكن جذور الحركة تعود، مع هذا، إلى ما يُسـمَّى ( علم اليهودية ) وأقطـابها هم: نحمان كروكمال، وزكريا فرانكل، وهنريش جرايتس، وسولومون رابوبورت، وكلهم من المفكرين اليهود الأوربيين في القرن التاسع عشر .. واليهودية المحافظة جزء من الفكر الرومانسي الغربي، وخصوصاً الألماني .. وهي ليست مدرسة فكرية ولا حتى فرقة دينية محددة المعالم بقدر ما هي اتجاه ديني عام وإطار تنظيمي يضم أبرشيات وحاخامات، يسمون أنفسهم (محافظين ) ، ويسميهم الآخرون كذلك .. فالمفكرون المحافظون يختلفون فيما بينهم حول أمور مبدئية مثل الوحي وفكرة الإله، كما يختلفون بشأن الأمور الشعائرية، ولم ينجحوا في التوصل إلى برنامج محدَّد موحَّد .. وهم يرفضون ذلك بحجة أنهم ورثة اليهودية الحاخامية ككل، وبالتالي فلابد أن تُترَك الأمور لتتطور بشكل عضوي طبيعي ، وفكرة التطور العضوي من الداخل إحدى الأفكار الرومانسية الأساسية .. مع هذا، فإن ثمة أفكاراً أساسية تربط أعضاء هذه الفرقة التي تُشكِّل، على مستوى من المستويات، رد فعل لليهودية الإصلاحية أكثر من كونها رد فعل لليهودية الأرثوذكسية.. فقد اكتسحت اليهودية الإصلاحية يهود الولايات المتحدة ابتداءً من منتصف القرن التاسع حتى أنه، مع حلول عام 1881، كانت كل المعابد اليهودية (البالغ عددها مائتي معبد) معابد إصلاحية باستثناء أثنى عشر معبداً.. وقد اتخذ مؤتمر بتسبرج عام 1885 قراراته الإصلاحية الشاملة التي أعلن فيها أن كثيراً من الطقوس، ومن ذلك الطقوس الخاصة بالطعام، مسائل نسبية يمكن الاستغناء عنها .. وكان هناك شخصيات كثيرة معارضة للاتجاه الإصلاحي، وخصوصاً في صيغته المتطرفة، بينهم إسحق ليزر وألكسندر كوهوت. وقد أعلن الأخير معارضته لقرارات مؤتمر بتسبرج، وهاجم المفكر الإصلاحي كاوفمان كولر، وطالب بإنشاء مدرسة حاخامية لدراسة الممارسات التاريخية لليهودية .. وقد قام ساباتو موريه بتأسيس كلية اللاهوت اليهودية (عام 1887) التي أصبحت المنبر الأساسي للفكر المحافظ، ويُعَدُّ هذا التاريخ تاريخ ميلاد اليهودية المحافظة، خصوصاً وقد أعاد شختر تنظيمها عام 1902.. ثم تم تأسيس جمعية الحـاخامات الأمريكية التي ضـمت خريجي المدرسـة ، وتشكِّل هذه الجمعية، مع معبد أمريكا الموحَّد عام 1913، وكلية اللاهوت اليهودية، أهم عناصر الهيكل التنظيمي لليهودية المحافظة.. وقد أُضيف إلى كل ذلك كلية اليهودية في لوس أنجلوس .. ومن أهم مؤسسات اليهودية المحافظة الأخرى لجنة الشريعة والمعايير التي يدل اسمها على وظيفتها، فهي التي تحدِّد المعايير لأتباع اليهودية المحافظة وتفسِّر لهم الشريعة، وهي عملية مستمرة لا تتوقف من منظور اليهودية المحافظة .. وترى اليهودية المحافظة أن هدفها الأساسي هو الحفاظ على استمرارية التراث اليهودي، باعتباره الجوهر، أما ما عدا ذلك من العبادات والعقائد فهو يظهر بشكل عضوي وتلقائي متجدد ..
من هنا، فقد ظهرت اليهودية التجديدية من صلب اليهودية المحافظة، فهي ترى أن اليهـودية حضارة يُشـكِّل الدين جزءاً منها وحسـب ، ويبدو أن حاييم كابلان، مؤسس المدرسة التجديدية، يمارس في الوقت الحاضر تأثيراً عميقاً في اليهودية المحافظة ، ففي عام 1948، أُعيد تنظيم لجنة القانون اليهودي، كما أُعيد تحديد معايير المجلس الحاخامي وبدأ تَبنِّي معايير تختلف كثيراً عن معايير شختر مؤسِّس اليهودية المحافظة، حتى أنه يمكن القول بأن توجُّه اليهودية المحافظة في الوقت الحالي يختلف عن التوجه الذي حدده لها مؤسسوها إذ بدأت اليهودية المحافظة تتخذ كثيراً من المواقف التي لا تختلف كثيراً عن مواقف اليهودية الإصلاحية التي تقترب في الوقت نفسه من اليهودية التجديدية ، ولكن احتجاجاً على هذه الاتجاهات المتطرفة ظهرت فرقة جديدة تُسمَّى اتحاد اليهودية التقليدية (1984) تحاول قَدْر استطاعتها أن تحتفظ ببعض الأشكال التقليدية وألا تنجذب نحو اليهودية التجديدية والإصلاحية وأصبح لها مدرستها اللاهوتية الخاصة لتخريج الحاخامات عام 1990 .. وقد صدر عام 1988 كتاب بعنوان إيميت فأموناه (الحقيقة والاعتقاد): مبادئ اليهودية المحافظة وهو كتاب من 40 صفحة أصدره مؤتمر من مفكري اليهودية المحافظة حاولوا فيه تلخيص مبادئ اليهودية المحافظـة ومن أهمـها الاعتراف بالغيـب (ما وراء الطبيعة) ورفـض النسبية، وهو مجرد قول، لأن تطوُّر اليهودية المحافظة يبيِّن مدى محاولة تكيفها المستمر مع ما حولها وخضوعها المستمر له. كما أكدت الوثيقة أهمية إسرائيل في حياة الدياسبورا ولكنها أتبعت ذلك بتأكيد تعددية المراكز، أي أهمية الدياسبورا في ذاتها ..
وقد تزايد عدد اليهود المحافظين في أنحاء العالم، وخصوصاً في أمريكا اللاتينية ، ولكنها، مع هذا، تظل أساساً حركة أمريكية، ويبلغ عددهم الآن 33% من كل يهود الولايات المتحدة (مقابل 30% إصلاحيون و9% أرثوذكـس و26% لا علاقة لهم بأية فرقة دينية) ومع هذا تذهـب إحدى المراجـع إلى أن العدد هو 2 مليون ويبلغ عدد الأبراشيات المحافظة 800 أبراشية .. ومعظم اليهود المحافظين يأتون من بين صفوف اليهود الأمريكيين الذين أتوا من خلفيات دينية أرثوذكسية، ولذلك يجدون أن اليهودية الإصلاحية متطرفة .. وبهذا المعنى، فإن اليهودية المحافظة قد تكون محطة على طريق الانتقال من اليهودية الأرثوذكسية إلى اليهودية الإصلاحية أو العلمانية أو حتى الإلحادية .. وهناك عدد كبير من المحافظين من أصل ألماني، ولكن توجد في صفوفهم أعداد كبيرة أيضاً من شرق أوربا .. ويمكن القول بأن اليهود المحافظين هم يهود ابتعدوا عن أصولهم الإثنية الأوربية وأصبحوا أمريكيين، ولكنهم مع هذا يودون الاحتفاظ بهوية إثنية يهودية (وهذا اتجاه عام في المجتمع الأمريكي) على الأقل لبعض الوقت .. وتقوم اليهودية المحافظة بسد هذه الحاجة ، وحسب تعبير أحد الدارسين فإن المسافة الزمنية بين اليهودية المحافظة واليهودية الإصلاحية عشرة أعوام، ثم تلحق الأولى بالثانية .. وقد أخذ الإصلاحيون، في الآونة الأخيرة، في التشدد بشأن بعض الشعائر الدينية في حين أخذ المحافظون في التساهل في كثير منها، فقد عينوا مؤخراً امرأة في وظيفة حاخام. ولذا، فقد بدأت المسافة بين الفريقين في التناقص، واندمج كثير من الأبرشيات المحافظة والإصلاحية .. وقد لاحَظ الحاخام ملتون بولين (رئيس المجلس الحاخامي في أمريكا) أن ثمة فجـوة بين الأرثوذكـس من جهـة والمحافظين والإصلاحيين من جهة أخرى، وأنها آخذة في التزايد حتى أنهم أصبحـوا يشـكلون يهوديتين مختلفتين .. ومن أهم مفكري اليهودية المحافظة في الولايات المتحدة: لويس جنزبرج، ولويس فنكلشتاين، وشاؤول لايبرمان، وجيكوب آجوس، وجرسون كوهين ..
ورغم أن اليهودية المحافظة رد فعل لليهودية الإصلاحية، فإن ثمة عنصراً مشتركاً أساسياً بينهما، فهما يهدفان إلى حل إشكالية الحلول الإلهي في الشعب اليهودي ومؤسساته القومية.. والصيغة الحلولية التقليدية تجعل الشعب اليهودي مقدَّساً ومطلقاً يشير إلى ذاته، وهو أمر لا يمكن أن تقبله الدولة القومية الحديثة التي تجعل نفسها موضع الإطلاق والقداسة ولا العصر الحديث الذي جعل العلم موضع الإطلاق. وتحاول كلٌّ من اليهودية الإصلاحية واليهودية المحافظة أن تصل إلى صياغة حديثة لليهودية عن طريق تَبنِّي مُطلَق دنيوي يُسمَّى ( الروح ) (بالألمانية: جايست) فيضاف اسم لكلمة ( روح )، فيُقال في الفكر الأوربي الرومانسي مثلاً: ( روح العصر ) أو ( روح المكان ) أو ( روح الشعب ) أو ( روح الأمة ) والناتج شيء يعبِّر عن الإله أو يحل محله .. وقد آمن الإصلاحيون بروح العصر ( تسايت جاست ) ، وآمن المحافظون بروح الشعب العضوي ( الفولك ) ، وهي روح تجلت عبر التاريخ في أشكال مختلفة (وهذا الطرح لا يتعارض كثيراً مع العقد الاجتماعي الأمريكي الذي يسمح للأقليات المهاجرة بالاحتفاظ بشيء من هويتها ما دام هذا لا يتعارض مع المطلق الأكبر، مصلحة الولايات المتحدة ومنفعتها) .. ولكن الاختلاف الآنف الذكر، بين اليهودية الإصلاحية واليهودية المحافظة، يتبدَّى في الطريقة التي اتبعها كل منهما لتحديث اليهودية. فبينما قام الإصلاحيون باتباع النموذج الاندماجي، قام المحافظون بتحديث اليهودية عن طريق تَبنِّي النموذج الشعبي، أي تقديس الفولك وتاريخه وتراثه وأرضه (وهذا هو النموذج النازي) ..
والمحافظون يؤمنون على اختلاف اتجاهاتهم بأن الشعب اليهودي قد تطوَّر عبر تاريخه، وبأن اليهودية لم تتجمد أبداً، وأنها كانت قادرة على التكيف مع اللحظة التاريخية ومع روح العصر، ولهذا فهي ليست مجموعة ثابتة من العقائد وإنما هي تراث آخذ في التطور التاريخي الدائم، ومن هنا كان إطلاق اسم ( اليهودية التاريخية ) على هذه المدرسة وخصوصاً في أوربا.. ويرى المحافظون أن دراسة اليهودية بشكل تاريخي ونقدي (علم اليهودية) هو تطوُّر إيجابي يساعد اليهود على فهم أنفسهم، كما يساهم في جعل اليهودية نسقاً دينياً خلاقاً كما كان الحال في الماضي .. ومع هذا، فقد وقفت اليهودية المحافظة ضد التيار اليهودي الإصلاحي، فنادى زكريا فرانكل، شأنه في هذا شأن هيرش الأرثوذكسي وشأن الصهاينة، بأن يكون أي تغيير أو تطوير لليهودية نابعاً لا من خارج الروح اليهودية وإنما من أعماقها، أي من روح الشعب العضوي (المطلق الجديد) .. ورغم أن فرانكل والمحافظين كانوا من المؤمنين بأن التوراة أو الشريعة الشفوية خرافة ابتدعها الحاخامات لكي يضفوا مسحة من الشرعية على ما أقره الإجماع الشعبي، ورغم أنهم رأوا أيضاً أن التراث الديني اليهودي ليس مرسلاً من الإله، فإنهم لم يتخذوا موقفاً نقدياً من التوراة أو التراث اليهودي كما فعل الإصلاحيون، لأنهما كلاهما تعبير عن الشعب اليهودي وعبقريته .. وقد اقترح المحافظون، وبالذات الحاخام الصهيوني شختر عدم ترك الأمور في أيدي قلة من رجال الدين يقومون بتفسير الشريعة كيفما شاءوا، ودعا إلى وجوب أن يقوم متكلمون يمثلون الشعب اليهودي وينطقون باسـم الجماعة ، وتحاول هذه الجماعة التي تمثل كل أو عموم إسـرائيل أن تكتشف اليهودية بدراسة التراث والتقاليد والأدب اليهودي ..
وتطبيقاً لهـذا الموقف الوسـط بين اليهودية الإصلاحية والأرثوذكسية، يؤمن المحافظون بأن الأمل في العودة إلى صهيون فكرة أثيرة لدى اليهودي لابد من المحافظة عليها .. ومع هذا، لا يتنافى هذا الأمل، بأية حال، مع الولاء للوطن الذي يعيش فيه اليهودي .. وهم لا يؤمنون بالعودة الفعلية والشخصية للماشيَّح، ويطرحون بدلاً منها فكر العصر المشيحاني الذي سيتحقق بالتدريج ، ويصبح تأسيس الدولة اليهودية، داخل هذا الإطار، خطوةً أولى نحو تحقيق هذا العصر .. ويرى المحافظون أيضا أن تكون الصلوات اليهودية بالعبرية، وإن كانوا لا يمانعون في أن تُتلى باللغة المحلية إذا لزم الأمر، ويؤكدون أن الشريعة ملزمة لليهودي، وبالتالي ضرورية للحفاظ على شعائر اليهودية، فمُثُل اليهودية العليا يتم تفسيرها من خلال الشريعة. كما أن اليهودية تدور حول الأوامر والنواهي التي تغطي السلوك الإنساني وتحكم العلاقة بين اليهود من جهة، وبينهم وبين الإله من جهة أخرى .. ولكن، مع هذا، لابد أن تظل الشريعة مرنة مرونة كافية بحيث تترك مجالاً للتغيير والتعددية الفكرية التي تجعلها قادرة على مواكبة العصر الحديث، وعلى سد حاجة الإنسان اليهودي الحديث .. ولذا، لابد أن تتسم عملية تفسير الشريعة بقدر عال من الإبداع ، ويتضح هذا الموقف في أنهم لا يمانعون في إدخال بعض التعديلات على الشعائر الدينية (فيقيمون بعض طقوس السبت)، ولكنهم يسمحون باختلاط الجنسين (وأصبحت النساء جزءاً من النصاب المطلوب لإقامة صلاة الجماعة)، بل يسمحون بأن تكون هناك من الإناث حاخامات ومنشدات (حزان) .. وقد أبقوا على الختان وقوانين الطعام، وإن كانوا قد أدخلوا بعض التعديلات عليها ، وهم يقيمون الصلوات بشال الصلاة (طاليت) وتمائم الصلاة (تفيلِّين) ..
ورغم تماثُل الجذور الفكرية لليهودية الإصلاحية والمحافظة، فإن تشابه اليهودية المحافظة بنيوياً مع اليهودية الأرثوذكسية واضح وقوي. بل إن الفروق بينهما طفيفة وغير جوهرية، فكلتاهما تدور في إطار الحلولية التقليدية دون أن توسع نطاقها لتضم غير اليهود (كما فعلت اليهودية الإصلاحية) .. من هنا فان كلاًّ من اليهودية المحافظة واليهودية الأرثوذكسية تؤمنان بالثالوث الحلولي: الإله (أو التوراة)، والشعب، والأرض ، وفي حين يؤكد الأرثوذكس أهمية الإله والوحي والتوراة، نجد المحافظين يبرزون أهمية الشعب وتراثه وتاريخه، أي أن الاختلاف ينـصرف إلى تأكيد أحـد عناصر الثـالوث الحلولي على حساب عنصر آخـر .. ويُضفي كلا الفريقين هـالة من القداسـة على حياة اليهود وتاريخهم، وهي قداسة يُرجعها الأرثوذكس إلى أصول إلهية ويرجعها المحافظون إلى أصول قومية أو إلى روح الشعب ، ويصبح الدين اليهودي فلكلور الشعب اليهودي المعبِّر عن هويته الإثنية وسر بقائه، كما أنه يكتسب أهميته بمقدار مساهمته في الحفاظ على هذا الشعب المقدَّس .. وقد عادت اليهودية المحافظة، بتحويلها الشعب إلى مصدر للإطلاق وموضع للقداسة، إلى واحدة من أهم الطبقات في التركيب الجيولوجي اليهودي، وهي الطبقة الحلولية التي أدَّت إلى واقع أن الإله لم يتمتع قط بالمركزية التي يتمتع بها داخل الأنساق الدينية التوحيدية، فهو يمتزج بالشعب والأرض ويتساوى معهما .. و تميل الكفة داخل النسق الحلولي بالتدريج لصالح الشعب على حساب الإله حتى يصبح الشعب وتراثه (لا الإله) مصدر القداسة، وبالتالي يصبح جوهر اليهودية بقاء اليهود، ويظهر داخل اليهودية لاهوت البقاء أو لاهوت ما بعد أوشفيتس .. وقد عَرَّفت اليهودية المحافظة أهدافها بأنها الإصرار على وحدة إسرائيل ( الكاثوليكية ) العالمية، والإصرار على الحفاظ على استمرار التراث اليهودي والاهتمام بالدراسات اليهودية ، فهذا هو الجوهر، أما ما عدا ذلك من عبادات وعقائد، فإنه يظهر بشكل عضوي وتلقائي متجدد .. جدير بالذاكر أن هناك مصطلح ماسورتي يستخدم للإشارة إلى اليهود المحافظين وخاصة داخل إسرائيل .. وهذه الكلمة عبرية معناها ( محافظ ) أو ( تقليدي ) ، وحين ترد هذه الكلمة في أحد النصوص العربية، يظن القارئ العربي أن هذا اليهودي الذي يقال له (تقليدي) يتمسك بالشعائر وبأهداف دينه، ولكنه في الواقع يهودي إثني يتمسك ببعض الشعائر لأنها جزء من ميراث الأجداد ولأنها تعبِّر عن الذات القومية وروح الشعب (فولك) .. وهو في هذا مختلف عن اليهود العلمانيين الذي يرفضون كل التقاليد ويرون أنها تعوقهم عن التقدم واللحاق بركاب الحضارة الحديثة ، ولكنه رغم اختلافه عن اليهود العلمانيين إلا أن هذا لا يجعله محافظاً أو تقليدياً من المنظور الديني، فالشعائر بالنسبة له ليست جزءاً من نسق ديني أخلاقي يتمسـك به مهـما كان الثمن، وإنما هي فلكلور يمتع به نفسه.. ورغم أن المعنى المعجمي للفظ (ماسورتي) هو ( محافظ ) أو (تقليدي) ، فإن مجاله الدلالي مختلف تماماً عن هذين المعنيين في أية لغة أخرى أو أي سياق حضاري أو ديني آخر ..

اليهوديـــة المحافظـــة والصهيونيــة

لابد أن نذكر ابتداءً أن المذهب المسيطر على الحياة الدينية في إسرائيل هو اليهودية الأرثوذكسية ، ولكننا، رغم ذلك، نرى أن الفكر الصهيوني يشبه في كثير من الوجوه فكر اليهودية المحافظة، فكلاهما يتبنى مقولات اليهودية الأرثوذكسية الحلولية بعد أن علمنها كلٌّ منهما على طريقته .. فبينما يؤكد الأرثوذكس الأصول المقدَّسة الربانية للتراث اليهودي، يرى المحافظون أنه تراث مقدَّس، ولا يعنون كثيراً بمصدر القداسة .. وعلى حين يلغي الأرثوذكس التاريخ الزمني كليةً ولا يدورون إلا داخل إطار التاريخ المقدَّس، نجد أن المحافظين يتحدثون عن تاريخ يهودي لا يختلف كثيراً عن التاريخ المقدَّس .. وبينما يصر الأرثوذكس على مقولة أن الدين اليهودي هو القومية اليهودية وعلى أن القومية هي الدين، يحاول المحافظون تمويه هذه الحقيقة والتخفيف من حدتها بعض الشيء بالحديث عن الروح المقدَّسة للشعب، وجعلها مصدر القداسة بدلاً من الإله، وكذلك بالحديث عن اليهودية كخليط من العقيدة الدينية والهوية الإثنية، وهو خليط أخذ يتطور منذ القدم حتى الوقت الحاضر .. وهكذا نجد أن اليهودية المحافظة هي الحلولية اليهودية التقليدية، بعد أن تم ترجيح كفة الجانب البشري على الجانب الإلهي، وهذا هو جوهر الصهيونية أيضاً ..
وقد ارتبطت اليهودية المحافظة بالصهيونية منذ البداية، ويمكننا أن نعد الصهيونية الثقافية، التي كان يدعو لها آحاد هعام، ضرباً من ضـروب اليهـودية المحافظـة (وكذا تجديدية كابلان وحوارية بوبر) ، وبالفعل، تبنت اليهودية المحافظة رؤية آحاد هعام للجماعات اليهودية في العالم (الدياسبورا) ورفضت المفهوم الصهيوني الخاص بضرورة نفي الدياسبورا (أي محوها أو استغلالها)، وطالبت باحترامها واحترام تراثها التاريخي ، وكل ما يجمع هؤلاء المفكرين هو إيمانهم باختلاف التاريخ اليهودي عن تاريخ بقية الشعوب، فهو تاريخ مقدَّس يتضمن عناصر دينية، فهو موضع الحلول الإلهي، كما أن الدين اليهودي دين تاريخي يتضمن عناصر دنيوية (والواقع أن تداخل المقدَّس والدنيوي هو أساس بنية الفكر الصهيوني) ..
ولعل ذلك التقابل الواضح بين اليهودية المحافظة والصهيونية واضح تماماً في موقـف زكريا فرانكل وبن جـوريون مما يُسمَّى ( التراث اليهودي ) ، ففرانكل يرى أن الدين اليهودي هو التعبير الديني عن روح الأمة اليهودية، وهو بمنزلة إجماعها الشعبي العام. ولذا، يجب ألا تثار مسألة ما إذا كان القانون من أصل سماوي أو أرضي، فمادام القانون يعبِّر عن هذا الإجماع الشعبي العام فيجب أن يبقى ساري المفعول .. ويشبه هذا الموقف، في كثير من الوجوه، موقف بن غوريون من أسطورة العهد الذي قطعه الإله على نفسه بمنح اليهود أرض كنعان، فبالنسبة لبن غوريون لا يهم إن كانت هذه الواقعة حقيقةً إلهية أم لا، فالمهم هو أن تظل هذه الأسطورة مغروسةً في الوجدان اليهودي، ولذا يجب أن تبقى سارية المفعول حتى بعد أن ثبت أن الوعد المقطوع مجرد أسطورة شعبية ليس لها أي مصدر إلهي ، وقد بدأت اليهودية المحافظة تلعب دوراً تنظيمياً نشيطاً داخل الحركة الصهيونية، وتأسست منظمة محافظة صهيونية هي منظمة مركاز ( ومركاز يمثل الحروف الأولى لاسم المنظمة باللغة الانكليزية ) ومعناه ( حركة إعادة تأكيد الصهيونية المحافظة ) .. وقد أصدرت الجمعية الأمريكية للحاخامات قراراً للمعابد اليهودية المحافظة بالانضمام إلى المنظمة الصهيونية العالمية بشكل جماعي، ويُلاحَظ أن اليهودية المحافظة بدأت تحقق نجاحاً ملحوظاً في إسرائيل في الوقت الحاضر .. وقد أُسِّست أول أبرشية محافظة في فلسطين عام 1936، ولكن حتى أوائل السبعينيات، لم يكن في إسرائيل سوى عدة معابد يهودية محافظة، ومركز للطلبة اليهود الأمريكيين، نيفيه شختر، وهـو يُعَد الفـرع الصيفي لكلية اللاهـوت اليهـودية .. ولكن، بعد ذلك التاريخ، بدأت محاولات جادة لتوسيع نطاق الحركة ليشمل التجمع الصهيوني كله ، وباءت المحاولات بالفشل حتى أوائل الثمانينيات، حين ظهرت حركة ماسورتي (أي التقليدية) التي أسَّست عام 1984 معاهدها الأساسية ومنها المعهد العالي للدراسات اليهودية الذي يُعد الدارسين الإسرائيليين ليعملوا حاخامات محافظين، وحركة نوام الشبابية ومعسكرات صيفية ومدارس وكيبوتس وموشاف وفرق نحال .. ويتكون هيكل حركة ماسورتي التنظيمي من معبد إسرائيل المتحدة ويضم قيادات الأبرشيات، ومجمع إسرائيل الحاخامي ويضم حوالي 100 حاخامي ماسورتي ، ويبلغ عدد أعضاء الحركة حوالي عشرة آلاف ، ويوجد الآن نحو أربعين أبرشية محافظة .. كما نجحت الحركة في تأسيس مدارس تالي، وهي مدارس تعكس أيديولوجيا الحركة ، ولا تتلقى هذه المدارس أي عون من الحكومة الإسرائيلية بسبب عدم اعتراف المؤسسة الأرثوذكسية بها .. وقد أصدرت حركة ماسورتي بياناً رسمياً عام 1986 يحدد موقفها .. وبعد عامين، أصدر المجلس الحاخامي بياناً أكثر شمولاً يعكس اهتمامات الحركة في الولايات المتحدة ، وقد لوحظ وجود اختلافات مهمة بين ما جاء في هذا البيان وموقف حركة الماسورتي، وخصوصاً فيما يتعلق بدور إسرائيل بين يهود العالم .. ولا تعترف المؤسسة الأرثوذكسية المهيمنة في إسرائيل بالحاخامات المحافظين، كما لا تعترف بالزيجات التي يعقدونها أو مراسم الطلاق التي يقيمونها ، وعلاوة على ذلك، تحاول المؤسسة الأرثوذكسية أن تعدل قانون العودة فتضيف عبارة ( من تهوَّد حسب الشريعة ) ، أي على يد حاخام أرثوذكسي، وهو ما يعني استبعاد الحاخامات المحــافظين ، وتـوزع دار الحاخــامية منشـورات تحـذر النـاس من أن أداء الصلوات في المعابد التابعة لحركة ماسورتي محرم ..

اليهودية الأرثوذكسية

يشار إليها باعتبارها ( الأصولية اليهودية ) حينما تطبق داخل الدولة الصهيونية واليهودية الأرثوذكسية فرقة دينية يهودية حديثة ظهرت في أوائل القرن التاسع عشر، وجاءت كرد فعل للتيارت التنويرية والإصلاحية بين اليهود .. وتُعتبر الأرثوذكسية الامتداد الحديث لليهودية الحاخامية التلمودية ، ومصطلح ( أرثوذكس ) مصطلح مسيحي يعني ( الاعتقاد الصحيح) ، وقد اسـتُخدم لأول مرة في إحـدى المجلات الألمانية عام 1795، للإشارة إلى اليهود المتمسكين بالشريعة، وقد تزعَّم الحركة اليهودية الحاخام سمسون هيرش .. وثمة اختلاف بين الأرثوذكس في شرق أوربا، والأرثوذكس في ألمانيا وغرب أوربا، إذ يعارض الفريق الأول كل البدع والتجديدات، سواء في الزي أو في النظام التعليمي، في حين تَبنَّى الفريق الثاني سياسة الحفاظ على نمط الحياة التقليدية، ولكنه يقبل مع هذا الزي الحـديث والتعلـيم العلمـاني العام، ولذا يُشـار إليهم بـ ( الأرثوذكس الجدد ) . ويُعَدُّ الحسيديون من اليهود الأرثوذكس المتطرفين، كما أن فكرهم يعبِّر عن الحلولية اليهودية بشكل متبلور ..
وقد هاجرت اليهودية الأرثوذكسية مع المهاجرين من يهود اليديشية من شرق أوربا (من شتتلات روسيا وبولندا) الذين كانوا لا يتحدثون إلا اليديشية، والذين لم يكونوا قد تعرفوا إلى أفكار حركة التنوير والاستنارة .. وحينما حضر هؤلاء إلى أمريكا،وجدوا أن اليهودية السائدة فيها هي اليهودية الإصلاحية نتاج حركة الاستنارة،والتي يسيطر عليها العنصر الألماني المندمج الثري الذي كان يكن الاحتقار ليهود اليديشية،فأسس الأرثوذكس اتحاد الأبرشيات في أمريكا عام 1898،وأهم مؤسساتها العلمية جامعة يشيفاه .. وقد كانت تتبع الحركة الأرثوذكسية شبكة كبيرة من المدارس،إذ أن اليهودية الأرثوذكسيـة تولي اهتماماً خاصاً للتعليم يفوق اهتمام الفرق الأخرى .. وتوجد اختلافات داخل الحركة الأرثوذكسية، فهناك اتحاد للحاخامات المغالين في الحفاظ على التقاليد، وهو اتحاد الحاخامات الأرثوذكس في أمريكا وكندا (1902). أما الحاخامات الذين درسـوا في أمريكا، فقد أسـسوا مجلـس أمريكا الحاخامي عام 1923 ، ويحتفظ الحسيديون بقسط كبير من الاستقلال بعد أن أصبحوا من أهم أجنحة الأرثوذكسية، بعد الحرب العالمية الثانية ، وهناك أيضاً اتحاد الأبرشيات الأرثوذكسية في أمريكا، ويضم كل المعابد الأرثوذكسية .. ورغم التماسك العقائدي والعائلي للأرثوذكس، ورغم عزلة أعداد كبيرة منهم داخل جيتواتهم الاختيارية، فإنهم يواجهون كثيراً من المشاكل التي يواجهها أعضاء المجتمع الاستهلاكي من انصراف عن القيم الأخلاقية وانتشار ما يُسمَّى الجنس العرضي أو السريع، أي الذي لا يستند إلى حب، ولا ينبع من علاقة دائمة ولا يتبدَّى في شكل علاقة إنسانية تتسم بشيء من الاستمرار والثبات، فضلاً عن تعاطي المخدرات وزيادة نسبة الأطفال غير الشرعيين ..
ويُلاحَظ أن عدد اليهود الأرثوذكس في الولايات المتحدة ضئيل للغاية، إذ لا يزيد على 9% من يهود أمريكا (مقابل 65% إصلاحيون ومحافظون وتجديديون، و26% لا علاقة لهم بأية فرقة يهودية) حسب ما جاء في الكتاب اليهودي الأمريكي السنوي لعام 1992، ومع هذا أوردت إحدى المراجع غير اليهودية أن عددهم هو مليون، وهو رقم مُبالَغ فيه ، ويبلغ عدد الأبراشيات اليهودية الأرثوذكسية 1200 أبراشية ..
والأرثوذكس لا يؤمنون بالتبشير بين الأغيار ، ولكن عددهم، مع هذا، لا يتناقص (على خلاف الإصلاحيين والمحافظين) بسبب خصوبتهم المرتفعة، وبسبب انخفاض معدلات الزواج المُختلَط بينهم وإقبالهم على الزواج في سن مبكرة .. ينطلق هيرش والأرثوذكس من نقطة ثبات ميتافيزيقية تقع خارج نطاق الطبيعة، وهي أن الإله أوحى إلى موسى التوراة فوق جبل سيناء، وتمثل هذه النقطة بالنسـبة إليـهم حقـيقة لا يمكن مناقشتها أو الجدال فيها، وهي مسألة ثابتة ذات معنى عميق وثابت يلغي أي معنى آخر يختلف عنها، فهي ركيزة النسق الأساسية ومرجعيته المتجاوزة .. والتوراة، حسب تصوُّر الأرثوذكس، كلام الإله كتبها حرفاً حرفاً وأوحى بها إلى موسى، وهذه حقيقة يؤمن بها المؤمن إيمانه بأن الله خلق العالم من العدم، والمؤمن لا يعرف كيف خلق الله العالم ولا كيف كتب التوراة وأوحاها، أما كيف تم الوحي فمسألة مبهمة .. وهناك في صفوف الأرثوذكس من يعطي دوراً للعنصر الذاتي في التجربة الدينية ولكنهم جميعاً يؤمنون بعقيدة الوحي الإلهي وأن التوراة منزَّلة من الإله، ولذا فهـي وحـدها مصدر الشريعـة، قيمها خالدة أزلية تنطبق على كل العصور ، ولولا التوراة لما تحقَّق وجود جماعة يسرائيل، وعلى الشعب اليهودي اتّباع هذا الكتاب المقدَّس إلى أن يأتي وحي جديد ، وقد نادى الأرثوذكس بعدم التغيير أو التبديل أو التطوير، لأن عقل الإنسان ضعيف لا يمكنه أن يعلو على ما أرسله الإله، ولأن التطور سيودي حتماً باليهودية ..
ولكنهم مع هذا يختلفون حول تحديد أي أجزاء من التوراة هي التي أوحي بها الإله مباشرةً ، وثمة إجماع على أن أسفار موسى الخمسة مرسلة من الإله، وبعضهم يوسع نطاق القداسة لتشمل كتباً أخرى من العهد القديم وهناك من يوسع نطاق القداسة ليشمل كل كتب الشريعة الشفوية .. وهناك من الأرثوذكـس من يمـيل نحو تفسـير التوراة تفسيراً حرفياً، ومن يؤمن بأن التاريخ الذي ورد فيها تاريخ حقيقي بالمفهوم المادي، ولكن هناك من يرى أن ما ورد في التوراة ليس حقائق تاريخية، وإنما فلسفة تاريخ (ولذا نجد أن هناك من الأرثوذكس من يصر على أن عمر الأرض هو كما ورد في العهد القديم الحاخام مناحم شنيرسون) ، ولكن هناك من لا يجد أية صعوبة في قبول الحقائق العلمية (الحاخام مناحم منديل كاشير) .. أما فيما يتصل بالأجزاء القانونية (التشريعية) فهناك من الأرثوذكس من يرى أنها تشريعات أزلية ثابتة، ولكن هناك فريق يشير إلى أن التوراة الشفوية نفسها دليل على أن بعض القوانين الدينية ليس أزلياً .. ولكن الأرثوذكس لا يؤمنون بالتوراة وحدها باعتبارها مستودع الكشف الإلهي، وإنما يؤمنون أيضاً بالتوراة (أو الشريعة) الشفوية. وبكل كتب اليهودية الحاخامية، مثل التلمود والشولحان عاروخ بل وكتب القبَّالاه، أو على الأقل التفسيرات القبَّالية، وهي التفسيرات التي همَّشت النص التوراتي باعتبار أن الشريعة الشفوية تجعل الاجتهاد البشري (الحاخامي) أكثر أهمية وإلزاماً من النص الإلهي .. ويعتقـد الأرثوذكـس اعتقاداً حرفياً بصحـة العقائد اليهودية الحلولية، مثل: الإيمان بالعودة الشخصية للماشيَّح، وبالعودة إلى فلسطين، وبأن اليهود هم الشعب المختار الذي يجب أن يعيش منعزلاً عن الناس لتحقيق رسالته .. وبسبب قداسة هذا الشعب، نجد أن الأرثوذكس يعارضون أية أنشطة تبشيرية، فالاختيار هو نتيجة للحلول الإلهي، ومن ثم فهو أمر يُتوارث . من هنا، تتمسك اليهودية الأرثوذكسية بالتعريف الحاخامي لليهودي باعتبار أنه من وُلد لأم يهودية أو تهوَّد حسب الشريعة أي على يد حاخام أرثوذكسي ، وتعبِّر الحلولية عن نفسها دائماً من خلال تَزايُد مفرط في الشعائر التي تفصل الشعب المقدَّس عن الأغيار ، واليهودية الأرثوذكسية تؤمن بأن الأوامر والنواهي مُلزمة لليهودي الذي يجب أن يعيد صياغة حياته بحيث تُجسِّد هذه الأوامر والنواهي، وهي في إيمانها هذا لا تقبل أيَّ تمييز بين الشرائع الخاصة بالعقائد وتلك الخاصة بالشعائر ..
ومن هنا التزامها الكامل في التمسك بالشعائر، فبعض الأرثوذكس يطالبون بعدم تغيير الطريقة التي يرتدي بها اليهود ملابسهم أو يقصون شعرهم ، ولا تزال النساء في بعض الفرق الأرثوذكسية يحلقن شعورهن تماماً عند الزواج ويلبسن شعراً مستعاراً بدلاً منه ، وهناك من يستخدمون العبرية في صلواتهم، ولا يسمحون باختلاط الجنسين في العبادات ، ويحاول الأرثوذكس (كمجموعة دينية) الانفصال عن بقية الفرق اليهودية الأخرى حتى يمكنهم الحفاظ على جوهر اليهودية الحقيقي دون أن تشوبه شوائب ، ولكن هذا الموقف يتفاوت فهناك من يبغض غير الأرثوذكس ولكن هناك من يطالب بحبهم والدفاع عنهم .. ولكن ثمة نقاط التقاء كثيرة بين اليهودية الأرثوذكسية واليهودية المحافظة ، فكلتاهما تضفي هالة من القداسة على حياة اليهود وتاريخهم، وإن كانوا يختلفون في مصدر هذه القداسة، ويعود هذا إلى أن كلتيهما تَصدُران عن الطبقة الحلولية داخل التركيب الجيولوجي اليهودي، وهي طبقة تعادل بين الإله والشعب ، ومع هذا، يمكن التمييز بين اليهودية الإصلاحية واليهودية المحافظة من جهة واليهودية الأرثوذكسية من جهة أخرى، باعتبارهما تعبِّران الروحية (الإله ـ الأرض ـ الشعب) بحيث نجد أن الإله يكون في المركز أحياناً وفي الهامش أحياناً أخرى، نجد أن اليهودية الإصلاحية واليهودية المحافظة تعبِّران عن مرحلة بداية شحوب الإله ثم موته .. ففي إطار اليهودية المحافظة، نجد أن الإله قد شحب أو تلاشى تماماً وأصبح لا وجود له خارج التاريخ اليهودي، أما اليهودية الإصلاحية فترى أن الإله قد ذاب في التـاريخ الإنسـاني وفي فكرة التقدم ، ومن هنا نجد أن الموقف مختلف من التوراة والشريعة الشفوية والشـعائر ، ومع شحـوب الإلـه واختفائه، يصبح التمسك بالشعائر أمراً لا ضرورة له على الإطلاق أو تكون له قيمة رمزية شكلية محضة ..

اليهودية الأرثوذكسية والصهيونية

يمكن تفسير الفكر اليهودي الأرثوذكسي تفسيراً معادياً تماماً للصهيونية .. فالإيمان بالعودة الشخصية للماشيَّح يعني الانتظار في صبر وأناة إلى أن يأذن الإله بالعـودة ، وعلى المؤمـن الحـق أن يقبل المنفى، إما عقاباً على ذنوب يسرائيل أو كجزء من التكليف الإلهي، وعليه ألا يحاول التعجيل بالنهاية ( דחיקת הקץ ) (دحيكات هاكتس) .. كانت الفرق الأرثوذكسية معادية للصهيونية في بادئ الأمر ، ولكن هذه الأرثوذكسية تمت صهينتها على يد بعض الحاخامات الأرثوذكس، وخصوصاً الحاخام كوك (ومن قبله كاليشر والقالي) ، وكانت متتالية الخلاص في الماضي تأخذ الشكل التالي : نفي – انتظار – عودة الشعب .. أما اليوم ، فإن المتتالية الجديدة المقترحة هي: نفي ـ عودة أعداد من اليهـود للتمهـيد لوصـول الماشـيَّح ـ عودة الماشيَّح مع بقية الشعب .. من هنا، تمت صهينة الأرثوذكسية، ولم يبق سوى فريق الناطوري كارتا الذي يدافع عن الرؤية الأرثوذكسية التقليدية قبل صهينتها ، وعملية الصهينة هذه ليست أمراً غريباً، فالرؤية الحلولية، في إحدى مراحلها، تخلع القداسة على الشعب وإرادته ، ولذا تبهت الإرادة الإلهية وتتراجع ويصبح من حق اليهود أن يعجلوا بالنهاية ، وعلى كلٍّ، فإن المنظومة القبَّالية التي يؤمن بها الأرثوذكس تجعل تَوحُّد الذات الإلهية واكتمالها مرهوناً بأفعال اليهود ومدى إقامتهم الشعائر .. وتستمدُّ اليهودية الأرثوذكسية قوتها من قوة اليهودية الأرثوذكسية في إسرائيل ومؤسساتها، فهم الفريق الوحيد المُعترَف به في الدولة الصهيونية ، ومعظم اليهود الأرثوذكس أعضاء في جمعية أغودات إسرائيل، أو في حركة مزراحي .. والأولى لا تؤيد الصهيونية وغير مُمثَّلة في المنظمة الصهيونية العالمية، ومع هذا فلها أحزابها في إسرائيل، وممثلوها في الكنيست .. أما حركة المزراحي، فقد ساهمت منذ البداية في النشاط الصهيوني ، وقد كُشف النقاب مؤخراً عن أن هرتزل (اللاديني) كان وراء تأسيس حركة المزراحي، وأنه دفع نفقات مؤتمر المزراحي الأول من جيبه .. ومن أهم الشخصيات اليهودية الأرثوذكسية، سولوفايتشيك رئيس شرف حركة مزراحي، وإليعازر بركوفيتس الذي يرى أن إنشاء دولة إسرائيل له دلالات أخروية عميقة .. وتسيطر اليهودية الأرثوذكسية على الحياة الدينية في إسرائيل، فهي تسيطر على دار الحاخامية الرئيسية، وعلى وزارة الشئون الدينية، وعلى الأحزاب الدينية، مثل: مزراحي، وعمال مزراحي، وأغودات إسرائيل، وعمال أغودات إسرائيل، وساش .. وهي أحزاب تمارس سلطة لا تتناسب بأية حال مع أحجامها الحقيقية، وذلك لأن الحزب الحاكم يدخلها الائتلافات الوزارية التي تمكِّنه من البقاء في الحكم ، وهو يقدم لها، نظير ذلك، كثيراً من التنازلات التي تطالب بها.. ومن أهم هذه التنازلات، عدم اعتراف الدولة حتى الآن بالزيجات المُختلَطة، أو الزيجات التي لم يشرف على عقدها حاخامات أرثوذكس ..

اليهودية الليبرالية

بدأت الحركة اليهودية الليبرالية في إنكلترا في السنوات الأولى من القرن العشرين نتيجة الجهود المشتركة لليلي مونتاجو (1873 ـ 1963) وكلود مونتيفيوري (1851 ـ 1938) حين أسسا الاتحاد الديني اليهودي (1902) ، وتنطلق اليهودية الليبرالية من أن اليهودية الإصلاحية لم تصل بالإصلاح إلى نتيجته المنطقية ولم تواجه القضايا الحقيقية، وأن اليهودية لابد أن يدخل عليها المزيد من الإصلاحات حتى لا تظل عبئاً على اليهود .. ونقطة الانطلاق بالنسبة لليهودية الليبرالية هي الإنسان (واحتياجاته النفسية) لا العقيدة الدينية (فالعهد القديم في تصوُّرها اجتهاد بشري وليس وحياً إلهياً) ولذا طرحت الليبرالية مفهوم الضمير الشخصي و( الوعي المستنير) ، وجعلت من حق كل يهودي أن يدرس العقائد والممارسات اليهودية، ثم يختار ما يحلو له منها، إذ أن من حق كل يهودي أن يقرر شكل اليهودية التي يؤمن بها، ويحدد مكوناتها (ولابد أن الإله سيسدد خطاه بطريقة ما)، أي أنها عملية علمنة من الداخل .. ولذا يذهب الفكر الديني الليبرالي إلى أن الأوامر والنواهي (متسفوت) مسألة اختيارية، قد يحتاج لها بعض الناس ليحققوا تطورهم الأخلاقي، ولكن الآخرين قد لا يحتاجون لها على الإطلاق .. فالطعام المباح شرعاً يعتبر شكلاً من أشكال الانضباط الأخلاقي بالنسبة لمن يرون ذلك، أما من يودون تحقيق هذا الانضباط بطريقة أخرى، فهم في حلٍّ من أمرهم. وكلاهما له شرعيته من وجهة النظر الليبرالية .. ورغم هذا الانفتاح الكامل (الذي يقترب باليهودية الليبرالية من يهودية عصر ما بعد الحداثة) إلا أن ثمة طقوساً معينة فرضت نفسها على أتباع هذه الفرقة ، فالصلاة في المعبد الليبرالي تشبه الصلوات في المعابد الإصلاحية فيجلس الرجال والنساء سوياً، ويجلس الرجال دون غطاء للرأس إن أرادوا .. كما أبقى الليبراليون بعض الطقوس مثل النفخ في البوق (شوفار) في رأس السنة والصيام في يوم الغفران (يوم كيبور) وأكل خبز الماتساه غير المخمر في عيد الفصح .. ويُلاحَظ أن الشعائر التي اختارها اليهود الليبراليون ذات طابع احتفالي، ولا تتطلب مشقة كبيرة، كما يمكن تطويعها لتتفق مع إيقاع العصر، فبالنسبة لشعائر السبت لا يمتنع اليهودي الليبرالي عن العمل ولكنه قد يوقد الشموع ، ولكن حتى هذه الشموع يمكنه أن يوقدها بعد غروب الشمس، وليس قبله كما تنص الشريعة، إن وجد أن الالتزام بالشريعة سيسبب له ضيقاً .. وقد أسقط الليبراليون صوم التاسع من آب وغيره من أيام الصوم وهم لا يعتبرون عيد الأسابيع (شفوعوت) عيداً حيث إنهم لا يؤمنون بأن التوراة قد نزلت على موسى في سيناء ، وتذهب اليهودية الليبرالية إلى أن اليهودي من وُلد لأم يهودية أو لأب يهودي أو رُبِّي تربية يهودية ..

النيـولـوج

( نيولوج ) هو الاسم العرفي (غير الرسمي) الذي كان يُطلَق على أعضاء الجماعة اليهودية في المجر والمنتمين إلى اليهودية الإصلاحية ، وقد ظهرت الاتجاهات الإصلاحية بين الجماعات اليهودية في المجر في أوائل القرن التاسع عشر والتي واجهت مساعيها وأنشطتها التنظيمية معارضة المؤسسة الأرثوذكسية.. وبعد أن مُنح يهود المجر حقوقهم المدنية كاملة عام 1867، قدَّم زعماء طائفة النيولوج في مدينة بست، التي كانت تُعَدُّ مركز أقوى تجمُّع نيولوجي في المجر، مذكرة إلى وزير التعليم والشئون الدينية المجري بشأن الهيكل التنظيمي للجماعة اليهودية المجرية مقترحين عقد مؤتمر لممثلي يهود المجر دون إشراك الحاخامات، وذلك تفادياً لتَفجُّر الجدل حول المسائل العقائدية، وكذلك منعاً لتَدخُّلهم في الشئون التي تتعدى وظائفهم ومهامهم .. وقد أصبح هذه الاتجاه، وهو اتجاه عارضه الأرثوذكس وكذلك بعض النيولوجيين، إحدى الركائز الأساسية في تنظيم الطائفة النيولوجية وتجمعاتها ، وقد سُمح للحاخامات فيما بعد بحضور المؤتمر .. وفي الانتخابات التي جرت داخل الجماعة، حقق النيولوجيون أغلبية في الأصوات إذ حصلوا على 57.5% مقابل 42.5% للأرثوذكس. وفي نهاية عام 1868، تم افتتاح المؤتمر اليهودي العام الذي كانت قضيته الأساسية مناقشة الهيكل التنظيمي للجماعة ، وقد سادت المؤتمر خلافات حادة وجدل عنيف، وخصوصاً حول تحديد طبيعة أو ماهية الجماعة اليهودية في المجر، إذ أن النيولوجيين قد اعتبروا الجماعة ( جماعة تعمل على تلبية الاحتياجات الدينية ) في حين أصر الأرثوذكس على اعتبارها (جماعة من أتباع العقيدة الموسوية الحاخامية والأوامر التي تم وضعها وتصنيفها في الشولحان عاروخ ) ، ومن القضايا الأخرى التي أثارت الخلاف، المدرسة اللاهوتية للحاخامات التي كان من المزمع إقامتها بتمويل صندوق المدارس الذي أسسه الإمبراطور فرانسيس جوزيف الثاني من أموال الغرامة التي فُرضت على يهود المجر في أعقاب ثورة 1848. وفي النهاية، انسحب ثمانية وأربعون مندوباً أرثوذكسياً من المؤتمر، وتم التصديق على قرارات المؤتمر .. وقد نجح الأرثوذكس فيما بعد في تنظيم إطار خاص بهم، وذلك بعد حصولهم على تصريح بذلك من الإمبراطور ..
وقد سعى النيولوجيون إلى توحيد الطائفتين النيولوجية والأرثوذكسية ولكن دون جدوى، ومع ذلك، كان لسعيهم في هذا الاتجاه أثر في عدم تطبيقهم أية إصلاحات راديكالية في الطقوس الدينية وتَبنِّيهم توجهاً محافظاً .. وإلى جانب ذلك، ظل هناك خلاف داخل المعسكر النيولوجي نفسه، فمنذ عام 1848 سعى بعض أعضاء الطائفة إلى تأسيس معبد إصلاحي، ولكن المخاوف داخل الطائفة من أن تتسبب هذه الخطوة في إحداث انشقاق نهائي بين الجماعة اليهودية، أدَّت إلى حصولها على أمر من السلطات بتصفية هذه المنظمة الإصلاحية الصغيرة عام 1852، وفي عام 1884، حاولت مجموعة أخرى تأسيس جماعة إصلاحية ولكن المكتب القومي للنيولوجيين تَدخَّل مرة أخرى لمنعهم .. أما بعد الحرب العالمية الأولى، فقد شكلت الطائفة النيولوجية نقطة جذب ليهود المجر الذين تباعدوا تماماً عن العقيدة اليهودية ولكنهم لم يجدوا قبولاً بعد داخل المجتمع المجري المحيط ، وخلال الفترة التي عاش فيها يهود المجر في عزلة اجتماعية واقتصادية (1938ـ 1944)، نشطت الطائفة النيولوجية، وخصوصاً في المجالات التعليمية والخيرية، كما انضمت إليهـم بعـض العـناصر الصهيونية بعد الحرب العالمية الثانية ، ولكن هذا التطور لم يستمر حيث تم مَنْع النشاط الصهيوني عام 1949 ، وفي عام 1950، تم توحيد الطائفتين النيولوجية والأرثوذكسية بقرار من النظام الشيوعي ..

فرقة اليهودية البشرية

وهي من الفرق اليهودية التي ظهرت حديثا ، وربما لم يسمع القارئ بها من قبل - كما يقول د.جعفر هادي حسن – ولكون هذه الفرقة غير معروفة للكثيرين فإننا سنتوسع في الحديث عنها قليلا .. كانت هذه الفرقة قد ظهرت في الولايات المتحدة ألأمريكية عام 1963 عندما بدأ الحاخام شيروين واين (توفي عام 2007) بإنشاء أحد المعابد في مدينة ديترويت لنشر الدعوة إلى اليهودية البشرية ( أو فرقة اليهودية الإنسانية حسب التسمية الانكليزية ) ، وفي عام 1966 تكونت لجنة خاصة في نفس المعبد لمشاركة الناس العاديين مع الحاخامين في العبادة وفي مجال التربية أيضا، وفي عام 1967 اجتمع عدة زعماء لهذه الحركة في ديترويت أيضاً ، وأصدروا بياناً أكدوا فيه على أن اليهودية يجب أن تكون محكومة بالتجربة العقلية والحاجة الإنسانية ، وبعد سنتين أنشئ كنيس ، وفي عام 1969 أنشئت جمعية باسم ( اليهودية البشرية ) من أجل إقامة التعاون والالتقاء بين اليهود البشريين
( أو الإنسانيين ) وفي عام 1970 عقدت هذه الجمعية مؤتمرها السنوي الأول في ديترويت وبعد عشر سنوات من هذا التاريخ أنشئت كنس عدة في الولايات المتحدة وكندا ثم بعد ذلك أصبحت اليهودية العلمانية البشرية حركة عالمية ولها مؤيدون في أكثر من قارة، وأصبحت لها تسع جمعيات عامة في كندا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا واستراليا والأرجنتين والأورغواي وإسرائيل ، ويضم هذه الجمعيات اتحاد اسمه الرسمي هو ( الاتحاد العالمي لليهودية البشرية العلمانية) ..
في عام 1986 أصدر الاتحاد بياناً حول معتقدات هذه الفرقة وأهدافها جاء فيه : إننا نؤمن بقيمة العقل الإنساني وفي واقعية العالم التي يكشفها العقل ، وان الكون الطبيعي يقف وحده دون تدخل من عالم الميتافيزيقيا ونحن نؤمن بقيمة الوجود الإنساني ونؤمن بقدرة الإنسان على حل المشاكل بشكل فردي وجماعي وان الحياة يجب أن توجه من أجل إرضاء الحاجات الإنسانية ، وكل إنسان له الحق في الحياة والكرامة والحرية، ونحن نؤمن بقيمة الهوية اليهودية ونؤمن كذلك ببقاء الشعب اليهودي، وان التاريخ اليهودي هو قضية إنسانية ، واليهودية كحضارة لليهود هي من خلق البشر، والهوية اليهودية هي حقيقية عرقية، وان الحياة اليهودية تشمل كل مظاهر الحياة اليهودية ومن ضمنها اللغات اليهودية والأخلاق والذكريات التاريخية والتراث الثقافي خاصة ظهور ( دولة إسرائيل ) في العصر الحديث ، واليهودية كذلك تشمل عدة معتقدات وسلوك حياتي ، ولما كانت اليهودية هي من خلق اليهود أنفسهم : ما يقول هؤلاء فإنها دائماً تتغير ، ويقولون نحن نؤمن بقيمة البشرية العلمانية والديمقراطية لإسرائيل ولكل شعوب العالم .. كما أن الدين والدولة يجب أن ينفصلا، ويجب أن يضمن لكل شخص الخصوصية والاستقلالية وكل إنسان مع غض النظر عن جنسه وعرقه ودينه له حقوق متساوية والبشريون ( الإنسانيون ) لهم معهد كبير في إسرائيل يتخرج منه حاخاميهم ويمنحونهم شهادات منه ..
أما نظرة هذه الفرقة إلى التوراة والتلمود والأنبياء والمناسبات الدينية ، فهي ترى بأن التوراة تثير الارتباك والتشوش عند الإنسان كما أن النقد العلمي قد كشف أنها لم تكن قد كتبت من قبل موسى (كما يقول الحاخامون) ولكنها في الواقع مكونة من أربع وثائق رئيسة على الأقل وهي وثائق كتبت منفصلة .. فضلا أن الكثير من قصصها متناقضة كما في الإصحاح الأول والثاني من سفر التكوين ، (وربما هم يشيرون هنا إلى قضية خلق الإنسان) والكثير من الحوداث إما أنها لم تحدث أو أنها لم تحدث بالطريقة التي تحدثت عنها التوراة ، كما أن عدداً كبيراً من هذه القصص كتبت بعد قرون من افتراض حصولها ، وترى هذه الفرقة أن التوراة تكشف أشياء أخرى من خلال التناقضات والإدانات وأنها إذا قرئت بتعمق فإنها ستكشف عن وجود آراء يهودية أخرى غير الآراء المعروفة ونحن ليس علينا أن نقبل ما يكتبه محررو التوراة ..
ويرى هؤلاء أيضاً بأن التوراة وثيقة شوفينية، إذ أنها تعتبر اليهود شعباً مختاراً متميزاً حيث لهم حقوق خاصة بهم دون غيرهم، إضافة إلى أنهم مفضلون، لا لأن لهم فضائل فطرية خاصة بهم، بل لأنهم أبناء يهوه المفضلون .. كما أنه ليس هناك دور للناس الآخرين عدا اليهود وكلام كثير عما يعمل يهوه من أجلهم وماذا يتوقع منهم هو، فرب العالم وإلهه يسلك سلوك رب عشائري .. ومن وجهة نظر الفرقة فان التوراة تعتبر وثيقة رجعية تشجع على اهانة اليهود المعاصرين أخلاقيا ، وان الحياة التي تعرضها التوراة هي حياة العائلة الدكتاتورية وعدم المساواة بين الرجل والمرأة وحكومتها حكومة ثيوقراطية وتركز على الخصوصية العشائرية كما أنها تركز على الأضاحي ، وأساطير التوراة تحمل في طياتها اهانة للأنثى وعداء عشائرياً، كما أن ثلثي التوراة هي وثيقة محرجة ولذلك فإنها لا يمكن أن تجعل أساساً لشريعة علمانية من دون أن يكون الإنسان غير صادق مع نفسه ..
ويقول أصحاب هذه الفرقة : إن التوراة لا تناسب وجهة نظرنا ، إنها شعار يناسب اليهود الذين يؤمنون بالحاخامين وهي تناسب طموحهم وحياتهم التي يرغبونها ولكنها بالنسبة إلى اليهودية البشرية هي كذب لأنها تتحدث عن تقاليد غير صحيحة ، واليهودية البشرية لم تخرج من الوثيقة الرسمية لليهودية الكهنوتية والحاخامية، بل إنها وليدة التجربة اليهودية وأن التاريخ اليهودي من وجهة نظر اليهودية البشرية يختلف عما ينظر إليه الحاخامون والكهنة .. فالشخصية اليهودية هي نتاج التاريخ اليهودي وليس نتاج التوراة ..
ويرى أصحابها أيضا إن محررين من القرن السادس قبل الميلاد قد وضعوا مبادئهم وقناعاتهم على لسان الآباء (أبراهام واسحق ويعقوب) وعلى لسان موسى، وان التوراة إذا درست بشكل علمي فإنها ستظهر حقيقة الأحداث خلف الأساطير ، وان هؤلاء المحررين نظروا إلى الماضي من خلال أفكارهم السياسية ومعتقداتهم الدينية، كما أن التاريخ اليهودي هو بالضرورة ذلك الذي رآه الحاخامون والكهنة .. وترى هذه الفرقة أن يهوه لم يكتب التوراة ولكن الاعتقاد بأنه هو الذي كتبها يؤثر على الشخص في تعامله مع الأفكار ، وأصحابها يعتقدون بأن السلوك العملي لليهود قد جاء من أفكار التوراة وشروحها وان دراسة هذه الأفكار هي دراسة للتاريخ اليهودي، كما أن دراسة الحالات التي تناقض تلك هي أيضاً جزء من التاريخ اليهودي ، وإذا كانت هناك أفكار تتفق بها اليهودية البشرية مع اليهودية الحاخامية، فإن ذلك قد جاء من خلال وعي التجربة الإنسانية – على حد زعمهم – وهي التجربة التي تجعل مثل هذا شيئاً مهماً حتى لو لم يكن ذلك في التوراة .. كما أن التأكيد على أن اليهود يجب أن يتذكروا اعتمادهم على التدخل الإلهي هو مخالف للاعتماد على النفس ، وان السلوك الأخلاقي لليهود لم يأت من الوصايا العشر، ولكنه جاء من التجربة اليهودية ..
وخلاصة موقف هذه الفرقة من التوراة ، هي إن التوراة كتاب أدبي وحقها أن توضع في مكان مشرف في متحف الكتب اليهودية يتحدث عنها المعلمون وعن أهميتها التاريخية وقوتها ولكن لا يجوز لمن يؤمن باليهودية البشرية أن يعبدها ويعتقد بأن الهوية اليهودية والسلوك الأخلاقي يتوقف عليها .. وبالنسبة للتلمود فان اليهود البشريين لا يعترفون به لأنهم يرون فيه نتاجا من نتاجات اختلاف الحاخامين، فالحاخامون قالوا بأن تعاليم التوراة هي تعاليم غير كاملة، وان هناك تعاليم ربانية أخرى بها تكتمل التوراة وهذه التعاليم هي شفوية (ويطلق عليها بين اليهود التوراة الشفوية) وهي مهمة كأهمية التوراة المكتوبة ، وقد سميت هذه التعاليم المكتوبة بالتلمود وقد أصبح التلمود هو الأساس لليهود الحاخامية، وقد جعل الحاخامون يهوه مركز أفكارهم فهم يقولون بأن يهوه قد اختار أبراهام (إبراهيم) الذي اعتبروه جداً لشعب خاص ومختار وهو قد أقام عهداً معه ، وإذا ما حاول أحفاد أبراهام وجاهدوا من أجل أن يتبعوا تعاليم يهوه ويصبحوا قريبين إليه فهو سيجازيهم بجزاء خاص وستصبح القدس التي يعتبرها اليهود عاصمة لهم، سكناً خاصاً به، وسيكون لليهود الشرف في السكن قرب قصره وحضوره الأرضي .. وتعتقد هذه الفرقة انه بعد ظهور المسيح اليهودي المخلص ممثل يهوه سيهزم الأشرار وسيجعل القدس عاصمة العالم ، وفي يوم القيامة سيكون اليهود أفضل الشعوب وسيجد اليهود الدخول إلى الجنة أسهل من بقية الشعوب الأخرى وهم سيكونون سعداء برؤية أعدائهم يذلون ويحكمون لكن على اليهود أن يلتزموا بالهالاخاه الشريعة التي عرضت في التلمود والتوراة ..
كما أن اليهود عندما يعاقبهم يهوه فهو عقاب خاص إذ هو ليس بغرض الاهانة والإذلال ، وإنما هو عبارة عن معاملة خاصة، كما أن الحاخامين جعلوا من هزيمة اليهود وإذلالهم رمزاً لرضا يهوه عنهم ، وجعلوه رمزاً للشرف وتخفيفا من الذنوب وجزاءً في المستقبل، ويؤكد الحاخامون على أن يهوه لا يقبل التعددية وإنما اليهودية هي وحدها المقبولة ، وترى هذه الفرقة بأن الحاخامين قد جعلوا من قصة يهوه دافعاً قوياً ومحركاً ، وقد كانت هذه القصة – قصة يهوه – مقنعة لليهود إلى العصر الحديث، ولكن في الوقت الحاضر فإن أكثر اليهود قد تركوا ما قرره لهم الحاخامون بالنسبة إلى يهوه.. أما نظرتهم إلى الأنبياء ، فان أصحاب هذه الفرقة يقولون إن أنبياء اليهود مثل عاموس واشعيا وميخا يعتبرون شخصيات مهمة في العهد القديم لدفاعهم الشديد عن الفقراء والمحتاجين حتى أصبح هؤلاء نماذج عليا لبعض اليهود في العصر الحاضر، ولكن كان لهؤلاء الأنبياء مشكلات جدية، إذ أنهم كانوا يعرضوا أنفسهم كملتزمين وقديسين ، ولكنهم أيضاً في نفس الوقت كانوا ديكتاتوريين ولم يكونوا يسمحون بالرأي الآخر وكانوا دائماً يأمرون بدون مناقشة ، ولما كان هؤلاء صوت يهوه فهم كانوا معصومين ، ولا شك أن هناك بعض الفقرات في العهد القديم التي تصل إلى ثلاثين أو أربعين والتي تدين استغلال الفقير ولكن الناس لا يعرفون بأن هناك مئات الأنبياء الذين تنبؤا لتدمير العدو بشكل لا إنساني ، ويقولون أنهم عندما يقرأون كتب الأنبياء فإنهم يقرأون كتباً مليئة بصفحات من الدم والقتل قبل أن يعثرون على القليل من الإحساس الإنساني ، والواقع أن أنبياء يهوه الذين اختيروا من أجل إشاعة النص المقدس يُظهرون سلوكاً أخلاقياً غير متجانس وان كلامهم لم يحفظ من أجل سبب أنساني وإنما حفظ من أجل أن يعطي ثقة لليهود بمستقبلهم ولتوضيح لماذا أن الحاضر هو سيئ ، ولذلك فإن ما كتبه الأنبياء كان يقرأ في الاجتماعات العامة لإعطاء أمل وتعبير عن التأثر لحالة الضعفاء وعدا عن ذلك فإن كتب الأنبياء مثل التوراة لا يمكن أن تؤخذ على أنها قواعد أخلاقية ، ولا يعتقد هؤلاء بأن النبي موسى( عليه السلام ) كان قد قاد الإسرائيليين الأوائل .. وعن موقفهم من المناسبات الدينية يصر ( البشريون ) على أن الأعياد والمناسبات اليهودية تعطيهم كرامة وإن الصلوات والقصص التي تحول التجربة اليهودية إلى شهادة للاعتماد على الغيب ليس لها مكان في احتفال المناسبة، وان مدح يهوه في الفصح يقلل من جهد الإنسان وإبداعه ، ولذلك لا بد أن يكون هناك طريق لتقديم القصص التي تؤكد على العقل الإنساني والكرامة الإنسانية، وانه ليس هناك خطة غيبية تجعل العبودية ممكنة .. ويدعي ( البشريون ) ( أصحاب هذه الفرقة ) بان مقاربة اليهودية البشرية للتقويم اليهودي لا بد وأن تكون عملية ولذلك فإن التواريخ التي وضعها الحاخامون للمناسبات لا بد من قبولها لأن اليهود متعودون عليها وهم يصبحون أكثر وعياً لهويتهم أثناءها ، وإذا كان من الصعب تغيير أوقاتها فلا بد إذن أن تقام بشكل مختلف حتى تتحقق الكرامة مع الهوية ، ويقولولون كذلك بأن لهم الحق في وضع مناسبات جديدة كما كان لأجدادهم ، فالمناسبات القديمة تربطهم بكل أولئك الذين يشاركونهم بالهوية وان المناسبة الجديدة التي تنشئها اليهودية البشرية تدعم تفرد فكرتهم الإنسانية فمثلاً الاحتفال في شهر مارس بميلاد اينشتاين يكون مناسبة إضافية ذات معنى حتى لو لم يرد الحاخامون الاحتفال بها ، وقد تسقط بعض المناسبات القديمة التي لا تستحق بذل الجهود لإعادة تفسيرها وإعطاءها معنى مثل صوم استير في 17 تموز وكذلك صيام 9 آب(وهو اليوم الذي يفترض فيه أن الهيكل اليهودي قد هدم فيه مرتين)، إذ ليس هناك سبب جيد لاستمرارها ، فإن مثل هذه المناسبات تحول طاقتهم – كما يدعون - من مناسبة أكثر أهمية فمثلاً تهديم المعبد في أورشليم الذي بسببه يصوم اليهود في التاسع من آب كان كارثة قومية لليهود، ولكن الهولوكست يعطي هذه الفكرة بشكل أوضح ، ولذلك فإن قرار اليهودية البشرية لبعث المناسبات القديمة وإعادة تفسير الحالي منها واختراع أخرى هو جزء من خطة لبرنامج واضح جداً لأن المناسبات هي أفضل طريق لتعليم التاريخ اليهودي وأهمية الهوية لبشر مشغولين في الحياة ..وهم يرون أن يهودية الحاخامين تطغي عليها النشاطات الدينية والصلوات وقراءة التوراة، كما أنهم أضافوا قصصاً جديدة لتضفى على المناسبات علاقة وارتباط بيهوه وقد حاول الحاخامون أن يكون الحديث عن موسى والخروج من مصر جزءاً في أكثر المناسبات ، وهم يرون بان هذه المناسبات يجب أن تتخلص من دكتاتورية الحاخامين ويجب أن تعطى لغة علمانية وقصصاً غير دينية وليس من الصحيح إجراء تعديلات شكلية عليها، وان البشريين يجب أن يكونوا جريئين كجرأة الكهنة والحاخامين الذين نسبوا الكثير من هذه المناسبات إلى موسى ويهوه ولا بد من النظر إلى الجانب الآخر من التاريخ اليهودي
في هذه المناسبة..
ولهذه الفرقة مواقف من مسائل أخرى في الديانة والمعتقدات اليهودية كيوم السبت والختان وتعريف من هو اليهودي والزواج المختلط وعلاقة إسرائيل بالشتات ..
فهي ترى أن السبت هو من أكثر المناسبات الدينية تكراراً ولكن أصل السبت مجهول ويعود الاحتفال به إلى ما ذكر في سفر التكوين أن الإله يهوه استراح في اليوم السابع ويقول اليهود إننا أيضاً يجب أن نستريح كذلك في اليوم السابع، ولكنهم يفسرون كلمة ( שבת ) ( شبت )
العبرية ليس بمعنى راحة ولكن بمعنى توقف عن النشاطات، وان يوماً ليس فيه نشاط هو يوم مختلف عن يوم الراحة ، ويقول هؤلاء إن يوم السبت يتسم بالخوف عندما تكون كل أنواع الحركة محظورة وخطرة، وان الكهنة نقلوا هذا اليوم إلى اليوم السابع من الأسبوع وأعطوه أهمية قصوى، وأنه يوم خاص ليهوه وأكده أولئك الذين يؤمنون بالرقم 7 ، وأصبح يوم السبت مع الختان علامتين رئيسيتين للهوية اليهودية وبما أنه مناسبة وضع أساسها الكهنة، فإنه جعل يوماً مخيفاً ، فالتوراة قد حددت حركة الناس وجعلتهم يجلسون في بيوتهم كل اليوم وبدون ضياء كل الليل والخوف من السبت وتخويف الحاخامين منه هو انعكاس لخوف الوجود اليهودي، وان اختيار يوم معين للابتعاد عن كل أنواع اللذات والنشاطات هو أقرب إلى الإرهاب منه إلى الراحة والاستجمام ، ولكن الحاخامين فيما بعد خففوا من قساوة هذا اليوم بأن سمحوا بإشعال الشموع وشرب النبيذ واجتماع عام وقراءة التوراة وقد أجازوا للناس الذهاب إلى الكنيس والصلاة فيه ولكنهم في الوقت نفسه يمنعون أكثر النشاطات ومع ذلك ليس من السهولة بأن يوصف بأنه يوم راحة ..
ويقول أتباع اليهودية البشرية أنهم يعتبرون يوم السبت رمزا للإنسانية، وهو شاهد على الأواصر والعلاقات الإنسانية والتي هي وحدها تجعل البقاء ممكناً ، واجتماع العائلة يوم السبت عند العشاء يمثل القوة الرئيسة للبقاء الإنساني وإذا كان العالم يجعل الإنسان قلقاً، فإن عائلته تعطيه الإسناد والرعاية ، ويقولون إن عشاءنا يوم السبت هو اعتراف للعائلة التي تجلس حول المائدة، وان ما نقدمه في السبت من شعائر هو اعتراف للعائلة اليهودية الكبيرة التي تشترك معنا في التاريخ وفي قدرنا الاجتماعي ..
وبالنسبة للختان فأنهم يرون انه كان يمارس في السابق بين الساميين وغيرهم ولم يكن خاصاً باليهود ، ولكن اليهودية الكهنوتية قد عظمت كثيراً من قضية الختان وفسرته على أنه علاقة على كثرة النسل الذي وعد به يهوه أبراهام ونسله وقد نص في التوراة على الختان في سفر التكوين ( 17-9-14) ، ويذكر أفراد الفرقة البشرية بان الكهنة يقولون للناس إذا لم يقم الأب بعملية الختان في اليوم الثامن، فإن مصائب خطيرة ستصيب الطفل واليهود وما زال الخوف موجوداً إلى هذا اليوم ، وأصبح الاحتفال بأداء الختان احتفالاً محكماً للذكر، أما الأنثى فلم يكن نصيبها سوى وضع التمائم وقراءة البركات ..
أما اليهودية البشرية فإنها لا توافق على مثل هذا النوع من التفرقة حيث يقام الاحتفال للذكور فقط، كما أن الختان بطبيعته لا يتفق مع قيم اليهودية البشرية وهي وإن كانت لا تمانع في إجراء ذلك بسبب صحي ولكنها لا توافق على أن يكون موضوعاً لاحتفال بين الناس ، وهي
تقترح أن يكون هناك احتفال على مستوى العائلة أو الجماعة اليهودية لكل من الذكر والأنثى وبمستوى واحد ويُبرز الاحتفال ارتباط الطفل ذكراً وأنثى بمستقبل العائلة وباليهود وبالإنسانية عامة وإعطاء الطفل الاسم العبري بهذه المناسبة يكون رمزاً للارتباط باليهود ..
وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من اليهود يمارسون عملية الختان لأبنائهم، إلا أن بعض المذاهب اليهودية غير الارثوذكسية أخذت تتهاون في قضية الختان للأطفال خاصة إذا كان أحد الأبوين غير يهودي ، واليوم برزت بين اليهود ظاهرة عدم ختان الأطفال - وإن كانت على نطاق محدود- وأخذت هذه الظاهرة تتشكل منذ بضع سنوات على اعتبار أن عملية الختان هي عملية وحشية أو بدائية أو مؤذية نفسياً للطفل إلى غير ذلك من أسباب ..
وفيما يخص تعريف من هو اليهودي ، فقد جاء في بيان للفرقة ما نصه ( إننا نحن أعضاء الاتحاد العالمي لليهودية البشرية العلمانية نعتقد بأن حياة اليهود تتوقف على نظرة أوسع للهوية اليهودية، ونحن نرحب بكل الرجال والنساء من الذين يريدون أن يشاركوا بإخلاص التجربة اليهودية مع غض النظر عن أصلهم أن يدخلوا في الشعب اليهودي ، ونحن نرفض الاعتقاد بأن اليهود هم أصلاً بشكل خاص مجتمع ديني، وان الاعتقاد أو السلوك الديني هو شيء أساسي من أجل أن يكون الإنسان عضواً كاملاً في المجتمع اليهودي .. إن الشعب اليهودي هم أناس عالميون لهم ثقافات متعددة وحضارات متعددة وان اليهودية كثقافة لليهود هي أكثر من كونها التزام ديني وهي تضم لغات كثيرة وآداب متعددة وتقاليد تاريخية مختلفة وفي وقتنا الحاضر، فإن الهولوكست وظهور إسرائيل مرة أخرى جزء رئيس من الوعي اليهودي ، ونحن كيهود علينا مسؤولية أخلاقية كي نرحب بكل الذين يريدون أن ينتموا إلى ثقافتنا وقدرنا وان الأطفال والزوجات والأزواج من غير اليهود الذين يرغبون أن يكونوا جزءاً من الشعب اليهودي يجب أن لا يرفضوا بسبب أن أمهاتهم لسن يهوديات ولا يريدون أن يخضعوا لطريقة التهود الدينية ، وان مهمة تعريف "من هو اليهودي" تتعلق بكل اليهود ولا يمكن أن تختطف من قبل أي مجموعة من اليهود .. إن الجواب على سؤال من هو اليهودي الذي تدعيه بعض الاتجاهات الارثوذكسية والتي تدعي على أساس من التجربة التاريخية لليهود هو تعريف مؤذ ، وإننا نؤكد بأن اليهودي هو ذلك الشخص الذي ينحدر من أصل يهودي أو يعلن عن نفسه أو تعلن عن نفسها بأنه أو أنها يهودية ويشخص نفسه أو تشخص نفسها مع القيم الأخلاقية والثقافة والحضارة والجماعة اليهودية والقدر اليهودي ) ..
ويقول الحاخام ( واين ) إن الهوية اليهودية هي التزام مهم ولكنها ليست الالتزام الوحيد والمثل الرئيسي وان إعطاء الهوية اليهودية الوضع الأكبر والأفضل هو خرق للأخلاق الإنسانية، وانه انتزاع للهوية الشخصية للأفراد وتضييق مجال الاكتشاف الأوسع لكرامة الإنسان .. أما بالنسبة للزواج المختلط فمعروف أن اليهود الأرثودكس لا يجيزون الزواج من غير اليهودي أو اليهودية لأنهم يعتبرون ذلك مخالفا للشريعة اليهودية ، بل إنهم يقيمون عزاء لفترة من الزمن إذا تزوج ابن لهؤلاء من امرأة غير يهودية ، وبقية المذاهب غير الأرثودوكسية تجيز ذلك بصورة عامة .. أما أتباع الفرقة البشرية فيرون إن اليهود الذين يتزوجون من غير اليهود لا يعني أنهم يتخلون عن يهوديتهم ويرفضونها وإنما ذلك هو تعبير عن قوة الحب عند الإنسان لشخص آخر يشاركه في الأفكار والمثل حتى لو كان هؤلاء غير يهود ، ويقولون إنه إذا كان الحفاظ على الهوية اليهودية هو أهم شيء فإن منع الزواج المختلط يكون شيئاً عقلانياً تماماً كي يوضع حد له ويكون القول بأن الزواج المختلط منافياً للأخلاق شيئاً منطقياً ، ولكن من جانب آخر إذا كان الهدف الرئيس للحياة السماح لليهود بتحقيق سعادتهم وكرامتهم فإن منع الزواج المختلط يكون تدخلاً لا أخلاقيا ويكون رفض الحاخامين للزواج المخــتلط منافياً للأخلاق لأنهم يضعون الهوية اليهودية فوق الحب الشخصي . إن اليهودية البشرية – كما يقول أتباعها - تحترم حق الأفراد في اختيار طريق كرامتهم واحترام رغباتهم الشخصية شرط أن لا تؤذي كرامة الآخرين ولذلك فإن اليهودية البشرية تعطي الحق لكل اليهود في الزواج من أي شخص يختارون وهي مستعدة لمساعدتهم ، والزواج المختلط لا يصح أن يكون مانعاً ليهودية الشخص الذي تكون أمه أو يكون أبوه من اليهود ، وتعترف ايهودية البشرية بالأطفال سواء أقام الأبوان بعمل شيء نحو الهوية اليهودية أم لم يعملا لأن يهودية الشخص يحكم عليها بعلاقة النسب اليهودية خاصة في عيون غير اليهود ، وهم ينتقدون اليهود الارثوذكس وغيرهم من اليهود الآخرين الذين يقولون إن يهودية الأم ضرورية لتحقيق يهودية الشخص ويعتبرون ذلك ضد ممارسة الواقع الاجتماعي، فكما أن الشخص الأسود لا يحدده الأشخاص السود فقط، بل البيض أيضاً ، كذلك اليهودي فإنه لا يحدد من قبل اليهود وحدهم ولكنه أيضاً يحدد من قبل الأغراب، ففي نظر أكثر اليهود وفي نظر الأغراب فإن انحدار الشخص من أصل يهودي يكفي في إعطائه الهوية اليهودية ..
وهذه الفرقة اليهودية تختلف عن غيرها من الفرق في أنها لا تطلب من غير اليهودي المتزوج من يهودية أن يتحول إلى اليهودية ويقوم بعملية الشهود التي تطلبها بعض الفرق كي يكون رفضاً لمعتقد السابق لأنه في نظر البشرية ، فإن الهوية اليهودية هي إضافة وليست سبباً في رفض معتقد آخر، فاليهود البشريون هم أصلاً بشريون وتبني الهوية اليهودية إلى معتقدهم لا ينفي معتقدهم بل إنما تأكيد له ، ويقولون كذلك إن الزواج المختلط يجعل الهوية اليهودية أقل حدة وقوة ، وفي الوقت نفسه يجعلها أكثر انتشاراً وهي في هذه الحالة تكون أكثر أهمية للعلمانيين في عالم علماني ، وهذا التغيير لا بد أن يكون مرحباً به لأن الانفصال الذي يعمل عليه الحاخامون يقود إلى تعصب أعمى وإلى رفض العالم غير اليهودي ولا بد للهوية اليهودية أن تكون خياراً لمن ولد من اليهود الذين يختارون الزواج من غير اليهود ولذلك سوف لا تصبح الهوية اليهودية مقتصرة في المستقبل على أولئك الذين يولدون لأمهات يهوديات وأيضاً فإن يهود المستقبل سيكونون مختلفين عن يهود السابق ..
وعن علاقة يهود الشتات بإسرائيل يقول أتباع هذا المذهب بأن إسرائيل مهمة جداً لليهود خارجها وليس هناك ما يثير الحماس والعاطفة لديهم أكثر مما تثيره إسرائيل، فهم يفكرون بها ويقلقون حولها ويعملون من أجلها ، إضافة إلى أنهم يعتقدون بأن ذلك يحقق يهوديتهم. ففي الوقت الحاضر ليس هناك صلاة في الكنيس تقام إلا وتذكر فيها إسرائيل وليس هناك مشروع ثقافي يثير ما تثيره إسرائيل بل حتى برامج الكنس قد جعلت إسرائيل مركزية لبرامجها ، ويقول هؤلاء لقد جعلت الصهيونية إنشاء الدولة حلاً لمشكلة الشتات واعتقدت بأن الشتات سينتهي بإنشائها وأن الهوية الإسرائيلية والهوية اليهودية سيصبحان شيئاً واحداً ، ولكن الذي حصل هو أن الشتات لم ينته، وأن الهويتين لم يتحدا وان قسماً فقط من مجموع يهود العالم يعيشون في إسرائيل وسيبقى أكثر من نصف اليهود يعيش خارج إسرائيل خاصة في أمريكا الشمالية ، وان العلاقة اليوم بين إسرائيل والجماعات اليهودية خارجها هي علاقة مضطربة، لأن إسرائيل هي من صنع الشتات ، إذ الحركة القومية اليهودية هي حركة أوربية وهي رد فعل على المشاكل التي مرّ بها اليهود في أوربا فانشأ الشتات إسرائيل..
كما أن هذا الاضطراب يتمثل في أن إسرائيل تمنع هؤلاء اليهود من أن يقدموا أنفسهم على أنهم جماعة دينية مقابل المسيحية في العالم الغربي وهم يرفضون أن يتخلوا عن حالتهم الدينية .. من جانب آخر، فإن اليهود خارج إسرائيل ينظرون إلى الإسرائيليين على أنهم أكثر يهودية منهم لان لهم ثقافة لغتها العبرية فهم أكثر يهودية ممن يعيش في مجتمع انكليزي مثلاً ، ولكن البشريين يناقشون هذا الرأي ويقولون إن الواقع ليس كذلك، لأن الكثير من سكان إسرائيل الذين هم من غير اليهود يتكلمون العبرية أفضل من اليهودي الذي يزور إسرائيل (ويشير هؤلاء هنا إلى فلسطيني 48الذين يعيشون داخل إسرائيل بل والأراضي المحتلة) ويقولون مع أن أكثر الشعوب تجعل الإنسان الذي يتكلم لغتها جزءاً منها، لكن إسرائيل ليست كذلك، إذ أن العرب الذين يتكلمون العبرية لم يصبحوا جزءاً منها، والإسرائيلي اليهودي يشعر بعلاقة ارتباط مع يهود الشتات أكثر مما يشعر بعلاقة مع العرب الذين هم مواطنون معه ، والحقيقة فإن العلاقة مع العرب تؤكد أن إسرائيل هي دولة ذات قوميتين وهي دولة ذات شعبين ولولا الهجرة المتزايدة إلى إسرائيل لأصبح العرب هم الأغلبية..
ويرى البشريون إن هناك أمراً ملحاً على إسرائيل وهو أن تمنح العرب حقوقاً متساوية، وهذه تحتاج إلى معالجة سريعة ، ويرون أن الصهيونية كحركة لتحرير اليهود لم يبدأها مجموعة مضطهدة تعيش في وطنها ورواد الصهيونية قبل أن يحرروا شعبهم كان لا بد عليهم أن يقوموا بصنع البلد وان القرار لصنع شعب في فلسطين سبق وصول هذا الشعب وأصبح الشتات هو الحافظ لهذا البلد والمخزون له .. كما أن إسرائيل تختلف عن بقية الدول بالنسبة إلى اليهود خارجها عما يتعلق بالجذور.. فالجماعات الاثنية التي هي خارج موطنها الأصلي مثل الايطاليين والايرلنديين والبولنديين لهم جذورهم وذكرياتهم في أوطانهم الأصلية، كما أنهم يتكلمون لغة البلد الأصلي وهذه تجعلهم يتطلعون إلى هذا البلد الذي هاجروا منه أو هاجر منه آباؤهم أو أجدادهم ويرتبطون به، واليهود خارج إسرائيل ليس لهم جذور في إسرائيل فهم لم يهاجروا منها وليس لهم ذكريات فيها ولا يتكلمون لغتها .. فاليهود في أمريكا الشمالية تثير ذكرياتهم روسيا واللغة اليديشية ، وان إسرائيل واللغة العبرية كانتا نوعاً من الفنتازيا لهؤلاء اليهود ، ويضاف إلى ذلك إن الإسرائيليين والصهاينة بصورة عامة ينظرون إلى يهود الشتات نظرة سلبية.. إذ الصهاينة الأوائل (مثل بن غوريون) اعتقدوا بأن اليهود خارج إسرائيل لا مستقبل لهويتهم، وقالوا إنهم سيختفون إما بسبب الاندماج أو بسبب العداء لليهود، ولذلك فإنه فقط بالهجرة إلى إسرائيل يمكن لليهود أن يحفظوا الهوية اليهودية وان واجب كل شخص يهودي خارجها أن يقوم بالعالياه (الهجرة) إلى إسرائيل، ولذلك فإن اليهودي – خاصة الصهيوني – الذي يعيش خارج إسرائيل عليه دائماً أن يبرر وجوده وان الشعور بالدونية والذنب يطغى على الحوار بين الاثنين ..
ولأن النظرة إلى هؤلاء سلبية، فإن إسرائيل لا تتمكن أن تتعامل مع هؤلاء بشكل صادق وواقعي، وان الصهيونيين لم يتمكنوا أبداً أن ينظروا إلى الشتات على أنه وطن تاريخي تكونت فيه ثقافتهم وشخصيتهم بصورة عامة.. إن الحقيقية هي أن الشخصية التي وضعت المشروع الصهيوني قد تكونت في الشتات، كما أن وجود اليهود تكون في الشتات ، وقد بدأ الإسرائيليون يشعرون بأهمية العلاقة مع الشتات وأنها أبعد من جلب المهاجرين ..
كما أن إسرائيل كثيراً ما يطلق عليها مركز العالم اليهودي، ولذلك فإنها مصب المساعدات اليهودية وتحظى بالتأييد السياسي، وعلى الرغم من ذلك، فإنها لا تعتقد بأن عليها أن تستورد شيئاً من ثقافة الشتات أو أن هناك شيئاً يمكن أن تتعلمه من الخارج، لأنها تعتقد أن الثقافة اليهودية تصدر ولا تستورد ، وهم يغضون النظر على أن الخارج هو الوطن الأصلي وان الشخصية اليهودية قد صنعت خارج إسرائيل وليس في مكان آخر، إذ اليهود هم الذين اخترعوا إسرائيل ..
كذلك إن العلاقة مع الشتات تمثل للإسرائيليين مشكلة أيديولوجية وعاطفية وهناك أيضاً مشكلة الجذور، فالصهاينة الأوائل ادعوا بأن جذور الدولة اليهودية الحديثة هي في دولة اليهود القديمة دولة داود ودولة المكابيين وإن للعهد القديم موقعاً سياسياً مهماً ، كما أن هذا الكتاب يؤكد على علاقة تاريخية لليهود بفلسطين بينما تجاهل الشتات ..
إن الجذور الحقيقية للشتات هي في الشتات، كما أن جذور اليهود الإسرائيليين هي أيضاً تضرب في الشتات وهم واعون دائماً إلى أن آباءهم وأجدادهم قد هاجروا من أماكن أخرى وهم ليسوا سكاناً محليين كالفلاحين الايطاليين في ايطاليا أو الدنماركيين .. إن التوتر بين الاشكنازيم والسفارديم والصراع بينهم هو دليل واضح على أنه نموذج للتوتر الذي يحصل في الشتات ، وعلى الرغم من آمال الصهيونيين الرواد في أن تصبح إسرائيل دولة عادية تماماً، فإن ذلك لن يكون لأن الشتات لم يكن عادياً ومهما أراد الإسرائيليون أن يصبحوا إسرائيليين دون أن يكونوا يهود، فإنهم يفشلون لأن العالم ينظر إلى إسرائيل على أنها دولة يهودية لها علاقات أساسية ومهمة مع يهود العالم وكذلك الرأي العالمي يربط اليهود في العالم بإسرائيل ، والمهاجرون اليهود الذين هم أغلب السكان سيفرضون على العلمانيين التعامل مع حقيقة أن الهوية الإسرائيلية هي ليست نفسها الهوية اليهودية ، وقد أخذ العلمانيون الإسرائيليون يشعرون بأن أهمية العلاقة مع الشتات هي أبعد من الحاجة لجلب المهاجرين وكما أن اليهود تعلموا كي يجعلوا إسرائيل مركزا، فكذلك يجب الاعتراف بالشتات على أنه الأصل والجذر ..









عرض البوم صور ابو فتحي   رد مع اقتباس
قديم 02-07-2012, 12:52 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
الخبير العربي
اللقب:
عضو
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية الخبير العربي


البيانات
التسجيل: Apr 2012
العضوية: 9753
المشاركات: 859 [+]
بمعدل : 0.20 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
الخبير العربي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ابو فتحي المنتدى : الحضارة اليهودية
افتراضي

يعجز اللسان عن وصف ماقدمته من معلومات يا أبافتحي









عرض البوم صور الخبير العربي   رد مع اقتباس
قديم 02-07-2012, 03:55 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
عبد الواهب
اللقب:
موقوف
الرتبة


البيانات
التسجيل: Dec 2011
العضوية: 8444
المشاركات: 5,335 [+]
بمعدل : 1.19 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
عبد الواهب غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ابو فتحي المنتدى : الحضارة اليهودية
افتراضي

http://www.al-7up.com/vb/imgcache/2/7318love.gif

لهزم اليهود يجب معرفة معتقداتهم وتفكيرهم

http://img250.imageshack.us/img250/1...egnaredxi0.gif









عرض البوم صور عبد الواهب   رد مع اقتباس
قديم 02-07-2012, 10:24 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
علوووش
اللقب:
عضو فخري
الرتبة


البيانات
التسجيل: Apr 2012
العضوية: 9619
المشاركات: 539 [+]
بمعدل : 0.12 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
علوووش غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ابو فتحي المنتدى : الحضارة اليهودية
افتراضي

موضوع غايه في الروعه والاهميه
انت مميز اخي ابو فتحي انت مهمتم جدا بالدراسات اليهوديه وخاصه المنقوله والتي لا تكتب وتتناقل من جيل لجيل
وهي اقرب من اي وصف ومن اي بحث لانها تصدر عن اشخاص عاديين لم يتقنو فن التموهيه والتلميع والدسيه وتحسن الصوره
وهي بالتاكيد الوجه الحقيقي لهذا الشعب









عرض البوم صور علوووش   رد مع اقتباس
قديم 02-07-2012, 10:29 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
ابو ضياء
اللقب:
مدير عام سابق
الرتبة


البيانات
التسجيل: Jan 2012
العضوية: 8796
المشاركات: 959 [+]
بمعدل : 0.21 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
ابو ضياء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ابو فتحي المنتدى : الحضارة اليهودية
افتراضي

مشكووور اخي ابو فتحي في ميزان حسناتك ان شاء الله









عرض البوم صور ابو ضياء   رد مع اقتباس
قديم 03-07-2012, 03:32 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
ابو فتحي
اللقب:
مدير عام سابق
الرتبة


البيانات
التسجيل: Jun 2010
العضوية: 2821
المشاركات: 531 [+]
بمعدل : 0.10 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
ابو فتحي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
إرسال رسالة عبر Skype إلى ابو فتحي

كاتب الموضوع : ابو فتحي المنتدى : الحضارة اليهودية
افتراضي

شكرا جميعا على مروركم









عرض البوم صور ابو فتحي   رد مع اقتباس
قديم 05-07-2012, 07:46 AM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
التركي الجبلي
اللقب:
مشرف عام قسم الإشارات العثمانية
الرتبة


البيانات
التسجيل: Jun 2011
العضوية: 6169
المشاركات: 2,184 [+]
بمعدل : 0.46 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
التركي الجبلي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ابو فتحي المنتدى : الحضارة اليهودية
افتراضي

بارك الله بك
وزادك هدى وعلما
وأضيف بأن كلمة الدونمة
تعني المرتد وأيضا العائدفي اللغة التركية









توقيع : التركي الجبلي

ابحث ولكن بفهم وعلم وتزودبالآمال والمال

عرض البوم صور التركي الجبلي   رد مع اقتباس
قديم 06-07-2012, 04:00 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
ابو فتحي
اللقب:
مدير عام سابق
الرتبة


البيانات
التسجيل: Jun 2010
العضوية: 2821
المشاركات: 531 [+]
بمعدل : 0.10 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
ابو فتحي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
إرسال رسالة عبر Skype إلى ابو فتحي

كاتب الموضوع : ابو فتحي المنتدى : الحضارة اليهودية
افتراضي

مشكور اخي التركي الجبلي









عرض البوم صور ابو فتحي   رد مع اقتباس
قديم 31-07-2012, 10:40 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
أبو فيصل
اللقب:
عضو مجتهد
الرتبة


البيانات
التسجيل: Jul 2012
العضوية: 11227
المشاركات: 129 [+]
بمعدل : 0.03 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
أبو فيصل غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ابو فتحي المنتدى : الحضارة اليهودية
افتراضي

مشكور على الموضوع









عرض البوم صور أبو فيصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
والمعاصرة, اليهودية, الدينية, الفرق, القديمة, دراسة, شاملة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الكتب الدينية اليهودية-التوراة – التلمود ابو فتحي الحضارة اليهودية 5 20-09-2012 08:06 PM
سيرة حياة حنبعل كاملة و شاملة جلال 2 قسم الفيديوهات العامة 14 20-04-2011 12:52 PM
الثقافة العربية بين الأصالة والمعاصرة (1) جنون الحق منتدى المواضيع العامة 5 30-07-2009 02:00 AM
الثقافة العربية بين الأصالة والمعاصرة (1) جنون الحق منتدى المواضيع العامة 7 30-07-2009 01:58 AM
موسوعة شاملة عن الصلاة ابن السلطان الاسلاميات العامة 2 02-07-2009 12:21 PM


الساعة الآن 12:24 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir