لمن يريد اقتناء الموسوعة العلمية للرموز الاثريه من تأليف الدكتور غالينوس ان يبادر الى مراسلة الدكتور غالينوس على الخاص


استرجاع كلمة المرور طلب كود تفعيل العضوية تفعيل العضوية قوانين المنتدى
العودة   منتدى كنوز ودفائن الوطن > منتدى الحضارات > منتدى الحضارات > الحضارة الاسلامية

اعلانات

  انشر الموضوع
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 18-12-2009, 02:30 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
روزا
اللقب:
عضو فضي
الرتبة


البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 549
المشاركات: 1,965 [+]
بمعدل : 0.37 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
روزا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : الحضارة الاسلامية
يتناول هذا المبحث ملامحمن العناصر الحضارية الإسلامية التي أسهمت في تكوين وبلورة وحدة فكرية وروحيةوعقدية بين المسلمين علي امتداد أقطار العالم وقاراته ، ولكنه يركز علي إفريقيابوجه خاص . يتضح من متابعة الدراسات الإفريقية أن قدراً لايستهان به من الدراساتالسابقة الخاصة ببعض المناطق الثقافية في إفريقيا مثل حزام بلاد السودان ، أوالمعنية ببعض الاقطار مثل جمهورية السودان اهتمت بتداخل الثقافة العربية والتراثالعربي بالثقافات الإفريقية ، كما أن دراسة حديثة متعمقة أشارت إلي أن تداخلالثقافات الإفريقية بالثقافة العربية علي امتداد القرون أسهم في خلق كيان ثقافيسياسي جديد ، إلا أن الحضارة الإسلامية والمد الإسلامي في إفريقيا يبقيان الدعامةالرئيسية في خلق وحدة فكرية وعقدية وفي بلورة كيان ثقافي واجتماعي لايخلو من أبعادسياسته(1)ليس ذلك بالنسبة لإفريقيا فقط ، بل بالنسبة للقارات المعروفةقديما ، لاسيما إفريقيا وآسيا . علماً بأن الوحدة الفكرية والعقدية لاتستبعدالقارات الأخري ، ولكنها تحتاج إلي دراسات منفصلة وموسعة في ظل تزايد الهجراتالحديثة للمسلمين وتفاقم ظاهرة استيطانهم في تلك القارات .

قبل الخوض في فروض البحثوتحليل معطياتها، أقف وقفة قصيرة عند الاسماء والمدلولات التي وردت في عنوانالدراسة للتعريف بها في شيء من الإيجاز ، وذلك قبل العودة اليها في شيء من التفصيللاحقا . فحسن بن الوزان ولد في غرناطة من أبوين مغربيين في عام 1493م وتعلم فيفاس ، وكان يتمتع بذكاء خارق ومعرفة فائقة بإفريقيا ، لاسيما المناطق التي كان يصعبالوصول إليها ومعرفة أخبارها في زمانه ، وقد تم أسره بعد أن أستولي القراصنةالمسيحيون علي سفينة عربية بالقرب من الساحل التونسي . اعجب البابا ليو العاشربذكائه وعلمه المدهش بإفريقيا ، فاحتضنه وضمه إلي حاشيته وأعطاه أسم جيوفاني ليوني. (2) واشتهر باسم ليو الإفريقي Leo Africanos ومنه أخذت القارةالسمراء اسمها . وتحفة ابن بطوطة المشار إليها في العنوان تشير إلي كتاب أبن بطوطةالذي وصف فيه رحلاته في إفريقيا والبلاد العربية والأقطار الآسيوية. علما بأن جلهذه الاقطار عرفت الحضارة الإسلامية وتأثرت بها ، بل إن بعضها كانت مولداً ومهداًلعدد من رموز الحضارة الإسلامية ، ورقعة لانتشارها واعتناق أفكارها ومبادئهاالروحية والعقدية والعنوان الكامل للكتاب هو" تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائبالأسفار " أما تشين خه فهو البحار الصيني المسلم الذي قاد أساطيل الصين ومخر بهاالبحار ، ولقد اشتهر بقيادته لأسطول بحري كبير إلي بلاد العرب في عام 1417م . وأماسفالية أحمد بن ماجد " فهي أطول وأهم أراجيز الملاح العربي – الخليجي المسلم أحمدبن ماجد الذي عاش في النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي وبضع سنوات فيالسادس عشر وقد سماها مؤلفها " الأرجوزة السفالية إشارة إلي ثغر سفالة في موزمبيق .



فروض الدراسة :

انطلقت هذه الدراسة منالفروض التالية :

أ‌- ان الحضارة الإسلامية كانت عنصرا فاعلا في توحيد غالبية شعوب القارة الإفريقية ، تلاها في ذلك الامر التراث العربي ثم بعض المؤثرات الثقافية الآسيوية، وأنه نتيجة لتفاعل تلك العناصر مع الثقافات الإفريقية المحلية تبلور كيان اجتماعي وفكري وسياسي لايستهان به.

ب‌- أنه ، وعلي الرغم من أن بعض تلك المؤثرات العربية وصلت إلي إفريقيا قبل ظهور الإسلام ، وأن بعض الجماعات المسلمة وصلت إلي إفريقيا بفكرها وعقيدتها منذ القرن الهجري الأول ، إلا أن الكيانات السياسية والإسلامية والممالك والدويلات تبلورت خلال الفترة مابين القرن الثالث عشر الميلادي إلي السابع عشر الميلادي وذلك علي الرغم من أن هذه الفترة لم تكن فترة ازدهار حضاري في العالم الإسلامي ، بل كانت في أغلب الأحيان علي العكس من ذلك .

ج – أن عناصر الحضارةالإسلامية التي وصلت إلي إفريقيا وإنتشرت في بعض أقاليمها ومناطقها ، سواء كان ذلكمن الجزيرة العربية أو الأقطار الآسيوية الأخري أو أوروبا انتقلت عبر الأسفارالبرية والبحرية بواسطة القوافل والسفن وبفضل الربابنة والرحالة المسلمين الذينأرشدوا قوافل التجارة والحجيج وقادوا السفن البحرية حاملين معهم مقومات الحضارةالإسلامية من لغة وآداب ونظم عقدية واجتماعية. وفي المقابل نفذت إلي الجزيرةالعربية والخليج العربي بعض العناصر الثقافية الإفريقية عبر ذات الوسائل وشكلتخيوطا هامة من نسيج الوحدة الحضارية .

د- إن العلوم والمعارفالإسلامية ممثلة في دراسات علماء الجغرافيا والفلك (علم الهيئة ) وخبرات البلدانيينوملاحظاتهم ، ومؤلفات علماء البحار وربابنته ، ومعرفتهم بأحوال المناخ ، ومجاريالسفن وطبيعة السواحل ، أسهمت في تحقيق التفوق البحري . وكذلك استفاد خبراء قيادةالقوافل وارشادها من بعض هذه العلوم والخبرات التي عرفت باسم " العلوم الإسلامية Islamic Science والتي تترجم حرفيا بعبارة " العلمالإسلامي "

يتناول الجزء التالي منالبحث الفروض التي وردت في الفقرات السابقة بالعرض والمناقشة ، ولعله يركز عليالفروض (أ ) و(ب)و(ج) نسبة لأهميتها ، وأولهما هو محور الدراسة ويعني الثانيبالفترة الزمنية التي تبلورت فيها وحدة الحضارة الإسلامية في إفريقيا من خلالتداخل وتوافق عناصرها المتعددة ، ويسعي ثالثها إلي تحديد الوسيلة والتي تمت بهاحركة المسلمين من عرب وآسيويين وأوروبيين وأفارقة التي تم بموجبها نقل المؤثراتالحضارية المختلفة من وإلي القارة الإفريقية.

شمولية الحضارة الإسلاميةوقدرتها علي توحيد الشعوب :

يتمتع النسيج الحضاريالإسلامي بالوحدة الروحية والعقدية ، ويرتكز علي التراث الإسلامي ممثلا في الحديثالنبوي الشريف والسير والمغازي واللغة والتاريخ المشترك والقيم الدينية والإنسانيةالنبيلة ، كما ينعكس في الشعائر وفي مناقب الأولياء والتراث المادي وفنون الأداء ،وتزخر كتب التراث ودواوينه بالمعارف والعلوم الإسلامية التي توضح الابعاد المختلفةللوحدة الحضارية .من الواضح أن معطيات هذا الواقع الحضاري تتخطي الأقاليم والأقطارفتشمل جميع قارات العالم حيث أن الدين الإسلامي الحنيف أنزل لكافة بني الإنسان ،واينما وجد المسلم وجدت عناصر الحضارة الإسلامية .وتلك العناصر تؤسس لوحدة روحيةوثقافية تربط الفرد المسلم والجماعة المسلمة بالمسلمين في الاقطار والقارات الأخريوتحقق بذلك رباطا أفقيا وجغرافيا . وفضلا عن ذلك فهي تتجذر عن الماضي وتخلق رباطاراسيا ووشائج ممتدة عبر الاجيال .

ينبغي أن نفرق هنا بينأمرين هامين وهما : الوحي الإلهي والإبداع البشري ، فبينما يبقي الوحي الإلهي ،كما كان منذ بدء الديانات السماوية شأناً مقدساً من عند المولي سبحانه وتعالي ، نجدأن الإبداع البشري هو أساس الثقافة والحضارة علما بأن الحضارة ترتبط أساسا بالرقيوالتقدم ، فليست هناك جماعة بدون ثقافة ، ولكن لانستطيع القول أن جميع ثقافاتالعالم وصلت إلي مدارج الحضارة .

عندما نتحدث عن القارةالإفريقية ككل ، وليس فقط عن الدول العربية في إفريقيا، نجد أن الحضارة الإسلاميةأشمل وأعمق وأوسع إنتشارا وأكثر تأثيرا من التراث العربي والثقافة العربية . علمابأنه يصعب في كثير من الأحيان الفصل بين بعض عناصر الحضارة الإسلامية والثقافةالعربية ( أو الإفريقية ) ولكن في ظل الأطر الإقليمية والقارية المختلفة اتخذتعناصر الحضارة الإسلامية اشكالا مختلفة ، فإذا أخذنا علي سبيل المثال إحدي أهممقومات الحضارة الإسلامية ، وهي اللغة العربية ، لغة الدين الإسلامي الحنيف ، نجدأنه علي الرغم من أن الحضارة الإسلامية ارتبطت بها ارتباطا وثيقا ، إلا أنها لمتقتصر عليها ، فاللغة الفارسية ظلت من أهم اللغات الإسلامية في آسيا ، وكذلك لغةالهوسة واللغة السواحيلية ، أصبحتا من أهم اللغات الإسلامية في إفريقيا .

لتوضيح مدي شموليةالحضارة الإسلامية المرتكزة أساساً علي الدين الإسلامي الحنيف ، والمرتبطة بالدينوالدنيا ، أشير إلي أنها تتناول المجالات التالية :

أ‌- العقيدة التي تسمو بالروح

ب‌- العبادات والمعاملات التي تنظم علاقة الفرد بالمجتمع وصلة المخلوق بالخالق.

ج- الأحوال الشخصية ( كلمايتصل بالزواج والطلاق والميراث .. الخ )

د- الشأن الاجتماعي ( الأسرة ، التكافل الاجتماعي ، حقوق الجوار ، حقوق المواطنة ، التعايش الديني )

هـ - الشأنالسياسي

و – المعاملاتالاقتصادية

ز- القيمالإنسانية

ح – القيم الفنيةوالجمالية

ط- رؤي الكون وتتضمن رؤيةالمجتمع المسلم للحياة الدنيا والدار الآخرة ، والفناء والخلود . ويضاف إلي ذلكمايزخر به الكون من إنسان وحيوان ، وإنس وجن ، وبحار وأنهار وجبال .. الخ .

ي – تاريخ الأمم والملوكوالحضارات التي سبقت الإسلام .

تتضح معاني الحضارةالإسلامية ومفهوماتها المضمنة في المجالات السابقة في القرآن الكريم ، وفي الحديثالنبوي الشريف ، وفي السيرة النبوية ، وفي الآداب الرسمية المدونة والمقيدةبالكتابة ، وفي الآداب الشعبية المتداولة شفاهة. وتنعكس كذلك في المعارف والعلومالإسلامية. ولكنها فوق هذا وذاك تعيش في سلوك المسلمين وفي عاداتهموأعرافهم.

كمثال لشمولية الحضارةالإسلامية وموسوعية دائرة اهتمامها ، وسعة افق صناعها ورموزها ، أشير إلي مؤلفاتابويوسف يعقوب بن اسحق الكندي ، فلقد تمكن الكندي من اعداد وكتابة أكثر من مائتيمؤلف شملت شتي مجالات الحضارة الإسلامية ، فبجانب الفلسفة والمنطق تناولت مؤلفاتالكندي النجوم والفلك والموسيقي والهندسة والطب والسياسة وغيرها من العلوموالمعارف. وأما بالنسبة لسعة دائرة انتشار الحضارة الإسلامية فهي تشمل رقعة جغرافيةتمتد من جنوب إفريقيا وموزمبيق جنوبا إلي جمهوريات الإتحاد السوفيتي (سابقا) شمالا، ومن الصين شرقا إلي السنغال غربا . ولقد شملت هذه الرقعة قارات العالم القديمالمعروفة وهي إفريقيا وآسيا وأوروبا . وحديثا انتشر المسلمون حاملين معهم معالمالحضارة الإسلامية في الأمريكتين واستراليا. وذلك أمر هام يحتاج لمزيد من الدراساتالمتأنية ، وإذا كانت الجزيرة العربية هي مهد الإسلام ، وبالتالي مصدر إنبثاقالحضارة الإسلامية ، فقارة آسيا ، تمثل مركز ثقل هام بالنسبة للإسلام والمسلمين ،علي الاقل من الناحية العددية، وتليها في ذلك القارة الإفريقية. يضاف إلي ذلك أنأسهام علماء وشعوب تلك القارات في نشأة الحضارة الإسلامية وفي الحفاظ عليها ونشرهاودراستها . الأمر الذي أعطي تلك الحضارة طابعها العالمي .

إذا نظرنا في خلفيات روادالحضارة الإسلامية وتمعنا في أصولهم وأوطانهم وأسرهم ، وفي أماكن نشأتهم ونبوغهم ،وفي مجالات شهرتهم ، نجد أن الشمولية والعالمية اللتان اشرنا إليهما تتحققان بشكلواضح ، فبين هؤلاء الرواد اللواتي الإفريقي الذي ينتمي إلي قبائل البربر ، والنوبيوالتمبكتي ، والعربي الذي ينتمي إلي كِندا ، وبينهم كذلك الفارسي والاوزبكستانيوالاندلسي ( الاسباني الاوروبي ) ويجمع بين كل هؤلاء الدين الإسلامي الحنيفوالاسهام الواضح في بناء الحضارة الإسلامية ونشرها والحفاظ عليها.

يشير محمد لطفي جمعة إليهذا المعني في الفقرات التالية التي يذكر فيها أنه:

" لم يكد يطلع القرنالثالث للهجرة حتي كانت العلوم الإسلامية قد اقتربت من النضج وشارفت الكمال .. ولمتعد حلقات الدروس ، ومجالس العلماء ، ومدارسة العلوم ، وصناعة التأليف موقوفة عليالكوفة والبصرة وبغداد ، بل امتدت شرقا إلي فارس وخراسان .. وسارت غربا إلي الشامومصر وبلاد المغرب والأندلس . (3).

ولتأكيد هذا المعني أوردفي الجزء التالي من هذا العرض إشارات مقتضبة إلي بعض هؤلاء الرموز . فإذا بدأنابالرواد الأفارقة أو الافارقة – العرب ( الأفارقة من أصول عربية ) ، نذكرعبدالرحمن السعدي الذي ولد في تمبكتو من أسرة سودانية ولعب دورا سياسيا هاما حيثكان كاتبا للحكومة ، وكما هو معلوم فإن تمبكتو كانت ( وماتزال ) من أهم مراكزالحضارة الإسلامية ، ونذكر كذلك في هذا الصدد عبدالرحمن بن محمد بن خلدون الذي ولدفي تونس ، الامر الذي يؤكد انتماءه الإفريقي وهو كذلك من اصل يمني ، الأمر الذييشير إلي جذوره العربية . ويهمنا أن نوضح هنا حرصه علي دينه ، فبعد أن حفظ القرآنالكريم ، وجود القراءات السبع المشهورة ، ودرس التفسير والتوحيد ، وتولي أمر القضاءفي مصر ، استحق لقب ولي الدين . ولقد أصبح من أهم رموز الحضارة الإسلامية علي نطاقالعالم .وذلك فضلا عن ريادته المشهود لها في علم الاجتماع وفي علم التاريخ . أضفإلي هذين الرمزين البارزين ابوعبدالله بن ابراهيم ابن بطوطة المولود في طنجة فيشمال افريقيا ، والمشهور باللواتي نسبة إلي لواته إحدي قبائل البربر الشهيرة ،وكانمتمسكا بأمر دينه وحريصا علي أداء شعائره ، ولقد انعكس هذا الحرص في نظرة الناس لهحيث لقب بشمس الدين . يتضح من هذا العرض الموجز لسير اولئك الرواد أنهم جمعوا بينالإنتماء الإفريقي والاصل العربي ( أو العربي- الإفريقي ) والبعد الحضاريالإسلامي.

وإذا تابعنا ذات النهجونظرنا في أمر الرواد الذين ينتمون إلي أصول آسيوية نجد مجموعة أخري ممن ترجعأصولهم أو أماكن نشأتهم إلي آسيا الصغري أو الشرق الاقصي ، لاسيما ما كان يشار إليهسابقا بجمهوريات الاتحاد السوفيتي ، حيث نجد أن بعض أهم رموز الحضارة الإسلاميةترجع أصولهم إلي القوميات التي كانت تنضوي تحت لواء ذلك الاتحاد ، أذكر من بينهؤلاء الأمام البخاري ، والمؤرخ الإسلامي الشهير الطبري، ودعامة النحو العربيسيبويه ، ورائد الاثروبولوجيا وعلم الاجتماع البيروني .

بجانب هاتين الفئتين هناكفئة ثالثة تتكون من رواد من أصول عربية ولدوا في الأندلس أو نشأوا وترعرعوا هناك . وهم يمثلون جسرا بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأوروبية عبر بوابة الأندلس. منبين هؤلاء ابوعبيدالله البكري الذي ولد في عام 419 هـ - 1028 م ، ولقد نشأ وعاش فياسبانيا ، وأعد أعمالاً جغرافيةً جليلةً عن إفريقيا احتوت علي وصف جيد لشمالإفريقيا والسودان ، ومن بينهم كذلك الأدريسي الذي ولد في (495 هـ) حوالي 1100موارتبطت اسرته بالاندلس ، ولقد قضي شطرا من حياته متجولا بين أسبانيا وإفريقياوآسيا الصغري .

أسهم كل أولئك الرواد فيصياغة مكونات الحضارة الإسلامية وفي رفدها وإثرائها بالعناصر والمكونات التي حملوهامعهم من بيئاتهم وأقاليمهم الممتدة عبر العالم كما أسهموا في نشرها من خلال أسفارهموكتاباتهم وأعمالهم المتعاقبة ، وكما خضعت الخلفيات العرقية والاقليمية المتباينةالتي اشرت اليها في الفقرات السابقة لعملية ذوبان طوعي في مرجل صهر الانتماءات ،تداخلت العادات والأعراف والعناصر الثقافية المختلفة في بوتقة الإسلام وصبت فيماعونه الواسع .مما يؤكد ذلك أنه يصعب علينا حاليا رد تلك العناصر الحضارية ( ماعداماهو مستمد من القرآن والسنة ) الي أصوله ، وبذات الصورة تصعب معرفة الأصول العرقيةلرواد الحضارة الإسلامية أو أماكن ميلادهم إلا بالرجوع للمعاجم وكتب السير التيحفظت تاريخهم. ومما ساعد علي بلورة وحدة الحضارة الإسلامية تحرك روادها من منطقةلأخري علي امتداد قارات العالم القديم ، بل من بينهم من استقر في ديار تبعد كثيراعن موطنه الأصلي ومكان ميلاده .

هناك أمثلة عديدة لعمليةالذوبان الطوعي في بوتقة الحضارة الإسلامية في آسيا وآفريقيا وفي أوربا ( فيالأندلس تحديداً ) وينعكس ذلك في اعتناق الدين الإسلامي الحنيف واستخدام اللغةالعربية ، بل في تمثل أسلوب الحياة العربية والهوية العربية في بعض الأحيان . هناكعدة مناطق وأقطار في إفريقيا ينطبق عليها هذا الوصف ، غير أنني أعطي مثالا لتلكالعملية بما حدث في الاندلس ، فإضافة إلي الأسبان والعرب وبعض الشعوب الاوروبيةالأخري ، احتضنت الرقعة الجغرافية للأندلس بعض المهاجرين البربر والزنوج السودانيين، ولقد تم استعراب بربر الاندلس بسرعة فائقة ولدرجة أنهم هجروا لغاتهم وأصبحوايستخدمون اللغة العربية بدلا عنها . واما العرب فعلي الرغم من أن اعدادهم كانتقليلة إلا أنهم تزوجوا النساء المحليات وأنجبوا أجيالاً جديدة اصبحت تدّعي الأصلالعربي بحق أو بغير حق(4)، ولكن العرب والبربر علي الرغم من أهميتهم ،إلا أنهم كانوا يمثلون مجموعات صغيرة مقارنة بالمجموعة الأكبر والأهم وهي مجموعة " المسلمين الجدد من الأسبان " والذين أطلقت عليهم عبارة " المسالمة " كما عرفوا باسم " المولدين ". ولقد اعتنق هؤلاء الإسلام بصدق وأظهروا ولاء واضحا ، وذلك فضلا عنعملية الاستعراب السريع التي شكلت كيانهم الجديد.

تشير دائرة المعارفالإسلامية الصادرة باللغة الإنجليزية إلي هذا المعني ، وذلك في ما ترجمته كالتالي :

" تم صهر هؤلاء المولدينفي مرجل المجتمع الأندلسي ونسوا اصولهم الأسبانية ، علي الرغم من أنهم ظلوايحملون أسماء ترجع للغات الرومانسية ، ولقد أدي التعايش في ظل الاسلام بين تلكالجماعات ذات الاصول المتباينة إلي الاندماج التدريجي . ساعد علي ذلك تبني هؤلاءوأولئك لأسلوب وايقاع واحد في الحياة ، كما ساعد عليه كذلك العيش في ظل ثنائيةلغوية وضعت اللغة العربية واللغات الرومانسية علي قدم المساواة ". (5)

اضاف اولئك الروادالمسلمون الذين سبق ذكرهم ، أضافوا إلي تعدد مشاربهم الثقافية وتنوع بيئاتهموماجادت به من روافد ثقافية ، موردا هاما يتمثل في ماوصل اليهم من الانتاج الفكريللشعوب والحضارات الأخري ، فلقد استفادوا من المعارف والعلوم التي وصلت إليهم منالحضارات اليونانية ( الإغريقية) والرومانية والسريانية والهندية عن طريق الترجمة . وبذلك اضفوا بعداً إضافياً لعالمية الحضارة الإسلامية . ساعد علي ذلك احتفاء بعضالولاة والحكام المسلمين ، سواء في البلاد العربية أو في إفريقيا ، بنفائس الفكرالحضاري وحرصهم علي التعرف عليها واقتنائها وحفظها في ممالكهم ودولهم ، ونشرها بينرعاياهم . وإذا كان ذلك الامر قد اشتهر به بعض الخلفاء العباسيين ، فقد عرف كذلك فيبعض الممالك الإسلامية في إفريقيا حيث أهتم الملوك بالعلماء والفقهاء وسارعوا إلياقتناء المخطوطات الثمينة . ولقد لاحظ ذلك حسن بن الوزان ( ليو إفريكانس ) عندزيارته لمملكة مالي وقوله :

" أن المك ينفق بسخاء عليعدد كبير من الأطباء والقضاة ورجال الدين والفقهاء الآخرين( هكذا وردت) ويحملون إليهنا مخطوطات مختلفة من الكتب المكتوبة في بلاد البربر . وهي تباع بثمن أعلي من أينوع آخر من التجارة " (6).

جدير بالذكر أن ما لاحظهحسن الوزان واقتبسنا بعض نصوصه في الفقرة السابقة يرتبط بنظام الوصاية والرعاية Patronage System للأدباء والفنانين الذي اشتهر به ملوك مالي والذي يمثل عنصرا هاما من مكوناتالثقافة الإفريقية ومن النظام السياسي- الاجتماعي في إفريقيا .

في ختام هذا الجزء يمكنالتأكيد في إيجاز علي ماورد تفصيلا في الصفحات السابقة ومفاده أن المؤثرات الحضاريةالإسلامية وفدت إلي إفريقيا من فارس والبصرة والكوفة وبغداد ، ومن جلفار واليمن ،ومن روما واسبانيا ، ومن الهند والصين ، فلقد استقر عدد من صناع الحضارة الإسلاميةورموزها في بعض المدن الإفريقية مثل ، القاهرة وفاس وتمبكتو ، وفضلا عن ذلك فلقدكانت تلك المدن وغيرها مراكز أشعاع ديني واقتصادي جذبت إليها العلماء والفقهاءوالتجار والحرفيين ومن بين هؤلاء من تزوج من اهلها واستقر فيها ، يضاف إلي ذلك أنبعض الرواد المسلمين الذين انطلقوا من إفريقيا وجابوا أقطار العالم من امثال ابنبطوطة الذي وصل جزر المالديف والهند والصين ، رجعوا إلي إفريقيا متاثرين بثقافاتالشعوب التي زادوها وعاشوا بين أهلها ونقلوا معارفها إلي اوطانهم ، كما أنهم خلقواالصلات ومتنوا الوشائج مع مواطني تلك المناطق في ظل الاخوة الإسلامية .

ادرك هذا المعني الكاتبالأوروبي أ.و. بوفيل وعبر عنه بما اسماه "اتساع دائرة الأفق الإسلامي " ممثلا لهبما حدث في حياة ابن بطوطة ، وذلك بقوله:

" ففي طول البلادالإسلامية وعرضها لقي الرحالة المسلمون الترحيب أينما اتجهوا ، كما لقوا نفس حسنالضيافة بين الجماعات الإسلامية المنعزلة في بلاد غير المؤمنين ، وليس هناك من فعلاكثر ظهورا من اتساع الافق الإسلامي غير العادي من حادثة في حياة الرحالة الكبيرابن بطوطة إذ بينما كان في سجلماسة في جنوب مراكش اكتشف أن مضيفه هو الرجل الذي كانالرحالة قد قابله منذ سنين في الصين الغربية(6).

توضح العبارات السابقةبجلاء وحدة الحضارة الإسلامية ، كما تشير الحادثة الخاصة بابن بطوطة ومضيفه إلي أنالقيم الإسلامية والأعراف المنبثقة عنها تشكل أهم مقومات الوحدة بين الأفرادوالجماعات .

إنتشار الإسلام ونشرالحضارة الإسلامية في إفريقيا :

علي الرغم من أن إفريقياعرفت الإسلام والمسلمين منذ صدر الإسلام عندما أوعز الرسول (ص ) إلي بعض صحابتهبالهجرة إلي الحبشة ، وعلي الرغم من التاريخ المبكر للفتوحات الإسلامية في إفريقياإلا أن انتشار الإسلام ونشر الحضارة الإسلامية علي نطاق واسع في الأوساط الرسميةوالشعبية لم يحدث إلا في فترة متأخرة ، ولعل الفترة من القرن الثالث عشر الميلاديوحتي القرن السادس عشر الميلادي شهدت اهم مراحل نشر الحضارة الإسلامية في إفريقيا،لاسيما علي امتداد بلاد السودان وفي غرب إفريقيا وشرقها . علما بأن جذوة الإسلامخبت في مناطق أخري ، ومراكز سلطاته وقيادته تعددت وضعفت ، بل أن بعض مناطقهالحضارية انهارت بحلول تلك الفترة كما حدث في الاندلس . فخلال تلك الفترة كثر وفودالدعاة والفقهاء الي شتي المناطق في إفريقيا ، كما شهدت إفريقيا إثناء ذات الفترةدخول الطرق الصوفية الهامة وانتشارها علي نطاق واسع بين شعوب القارة وقبائلها ،وفضلا عن هذا وذاك نشأت أثناء تلك الفترة الممالك الإسلامية والدويلات الإسلامية فيعدة أقاليم ، ولقد مهد ذلك التغيير إلي مرحلة جديدة من مراحل الحياة علي النطاقينالرسمي والشعبي حيث ترسخ اسلوب الحياة في المجتمع الإسلامي وتم نشر وتبني العديد منأشكال الحضارة الإسلامية .

ورد في دراسات المؤرخينوالرحالة وغيرهم من المهتمين بالشان الإفريقي أن انتشار الإسلام في المراحل الأوليكان صوريا وقصد منه كسب الوثنيين والمسيحيين وتعريفهم بالمباديء العامة للدينالإسلامي الحنيف من غير مطالبة المسلمين الجدد بهجر أعرافهم بصورة قاطعة أو الدخولفي تفاصيل فقهية دقيقة . فعلي الرغم من ان الإسلام وصل إلي بعض مناطق السودانالشرقي منذ القرن السابع الميلادي ، إلا أن الإنتماء الإسلامي الواضح ، والتمسكبالممارسات العقدية السليمة ، والتمتع بمنجزات الحضارة الإسلامية لم يجد سبيله إليشعوب تلك المنطقة قبل قيام مملكة الفونج الإسلامية في العقد الأول من القرن السادسعشر .

ويبدو أن بعض مسلمي تلكالفترة كانوا يعيشون في شيء من التيه ، فلقد وصفهم يوحنا الورق عند زيارته لبلادهمبأنهم " ليسوا بمسيحيين ولايهود ولامسلمين(7) .

أورد في الفقرات التاليةبعض التفصيلات التي توضح أن الفترة التاريخية الممتدة من القرن الثالث عشر الميلاديوحتي القرن السادس عشر الميلادي كانت بحق فترة هامة بالنسبة لانتشار الإسلام فيإفريقيا ولازدهار الحضارة الإسلامية ، داخل القارة وعلي امتداد سواحلها . كما وردسابقا فمن بين تلك المعلومات الهامة نشأة الممالك والدويلات الإسلامية وفترات حكمالسلاطين ، وإنتشار الطرق الصوفية ووفود الفقهاء ورجال الدين إلي إفريقيا ، وحركةالرحالة وربابنة البحار ، ونشاط العلماء المسلمين من جغرافيين ومؤرخين وفلاسفةوأدباء وغيرهم . ويتناول هذا العرض في ايجاز بعض أحداث تلك الفترة واعلامها بدءاًبالسودان وذلك في الفقرات التالية :

1- وصل غلام الله ابن عائد إلي السودان قادما من اليمن في أواسط القرن الرابع عشر الميلادي .

2- جهود الشيخ محمود العركي( من بني عرك أحد فروع جهينة ) وسفره لمصر لدراسة الفقه المالكي ثم عودته للسودان وانتظامه في تدريس الفقه خلال القرن الخامس عشر الميلادي .

3- اسهام الشيخ إبراهيم البولاد في تدريس تعاليم الدين الإسلامي الحنيف بعد أن درس المذهب المالكي وتفقه فيه في القاهرة .

4- قيام أولاد جابر الاربعة بدور واضح في تعليم الفقه في مناطق مختلفة من السودان .

5- دخول الطريقة الشاذلية إلي السودان في عام 1445م علي يد الشريف حمد ابودنانة .

6- دخول الطريقة القادرية إلي السودان بواسطة الشريف تاج الدين البهاري في القرن السادس عشر الميلادي .

7- بدء الحلف السناري ( سطنة الفونج ) في عام 1504م

8- قيام سلطنة الفور ( وفقاً لبعض الروايات ) في عام 1444م / 1445م .

9- نشأة الممالك التي أطلق عليها اسم " الطراز الإسلامي " في إثيوبيا في القرن الرابع عشر الميلادي في اعقاب ما قام به الجبرتة في اتجاه قيام أول دولة إسلامية في الحبشة (8)

10- بلوغ امبراطورية البرنو ذروتها في القرن الثالث عشر الميلادي في عهد الماي دونمة دباليمي ( ت 1259 م) في العصر الكانمي .

11- بلوغ العصر الذهبي لامبراطورية مالي في عصر السلطان منسا موسي ( ت 1337 م)

12- بلوغ امبراطورية صنغي الإسلامية ذروة العظمة في عهد إسكيا الحاج أمير المؤمنين (ت 1529م) (9).

13- ازدهار " الدول المدينية " City States فيشرق إفريقيا أثناء تلكالفترة ، لاسيما في الجزء الاول منها .









عرض البوم صور روزا   رد مع اقتباس
قديم 18-12-2009, 02:31 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
روزا
اللقب:
عضو فضي
الرتبة


البيانات
التسجيل: Sep 2009
العضوية: 549
المشاركات: 1,965 [+]
بمعدل : 0.37 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
روزا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : روزا المنتدى : الحضارة الاسلامية
افتراضي

وسائل الاتصال والتواصل :

يضاف إلي ماسلف أن أغلبرموز الحضارة الإسلامية الذين وردت أسماؤهم في الصفحات السابقة ، سواء كانوا منصناع تلك الحضارة أو ممن شارك في نشرها أو توثيقها ودراستها ، عاشوا خلال الفترةمابين القرنين الثالث عشر والسادس عشر الميلاديين . أعرض في الفقرات التالية إليملامح من حياة الرواد الذين ورد ذكرهم في العنوان الفرعي لهذا البحث ولبعضانجازاتهم . تجدر الإشارة إلي أن إثنين من هؤلاء الرواد كانا جوابي آفاق عشقواالأسفار والترحال ووصلا إلي مناطق لم تكن معروفة لدي المسلمين وغير المسلمين قبل أنيدونا ملاحظاتهما وانطباعاتهما التي أصبحت جزءا هاما من السجل الحضاري الإسلاميوهما حسن الوزان وابن بطوطة والإثنان الآخران من أشهر الربابنة المسلمين ، فبفضلخبرتهما ومهارتهما وخبرة غيرهم من الربابنة والملاحين المسلمين تم نقل البضائعوالمسافرين ومعهم الافكار والابداعات الفنية والأدبية والمعارف والعلوم الإسلاميةعبر الفضاء الإسلامي الواسع الممتد عبر القارات ، وهما تشين خه وأحمد ابنماجد.

وبينما شكلت القافلةوالأسطول ، أو الجمل والسفينة وسائل الاتصال التي أسهمت في حركة الناس والبضائع ،كان – ولايزال – العقل المسلم ، ممثلا في أولئك الرواد ، هو الوسيلة الأهم لنقلالعلوم والمعارف والإبداع الإسلامي داخل القارة الإفريقية ومن القارات الأخري إليإفريقيا . فالسفن التي وصلت من أوروبا إلي إفريقيا ، ومن الصين إلي الحجاز والبحرالأحمر ، كان ربابنتها وملاحوها من المسلمين ، وبنفس الصورة كنا نجد السفن القادمةمن الهند والخليج العربي إلي شرق إفريقيا حتي موزمبيق في الجنوب الشرقي ، أو بالعكس، تحت إمرة الربابنة المسلمين. والقوافل التي نقلت الحجاج والمسافرين والتجار منغرب إفريقيا إلي البحر الأحمر ، ومن وسط إفريقيا إلي مصر وأقطار المغرب العربي ،كان خبراء دربها كذلك من المسلمين .

مواصلة للمعلوماتالمختصرة التي وردت في مطلع هذا البحث ، وكمثال لدور الرواد المسلمين في نشرالحضارة الإسلامية وتحقيق روح الوحدة من خلال الحضارة ، أشير إلي سيرة الروادالأربعة الذين ذكروا في الفقرة السابقة، وذلك لإسهامهم المتميز ، علماً بأن ذلكالأسهام شمل قارات العالم القديم.

حسن بن الوزان الفاسي :

تأتي أهمية حسن الوزان منالمامه بأقطار إفريقيا وشعوبها في وقت كان العالم يجهل فيه إفريقيا تماماً ، ماعداالمعلومات المحدودة التي نقلها الجغرافيون المسلمون الذين سبقوه ، علماً بأنه استقيمعلوماته من الرحلات والأسفار التي قام بها عن طريق القوافل الي عدة مناطق منإفريقيا . ولقد شارك في بعض البعثات ذات الطابع السياسي الدبلوماسي ، مثل البعثةالتي أرسلها شريف فاس مولاي محمد القائم الي صنغاي في العقد الاول من القرنالسادس عشر الميلادي . وعلي الرغم من أن شهرته ارتبطت بتبني البابا العاشر له وضمهإلي حاشيته عندما لمس نبوغه المبكر ومعرفته الواسعة بإفريقيا ، الأمر الذي جعل اسمالقارة يرتبط بلقبهAfricanus ، إلا أن ارتباطه بفاس مركز الحضارةالإسلامية وانطلاقه منها وإلي باقي المدن والأقطار الإفريقية – الإسلامية هو الذييهمنا في هذا المقام ، يضاف إلي ذلك دوره الواضح في نشر المعارف وفي التبادلالثقافي بين المغرب العربي والممالك الإسلامية داخل إفريقيا من جهة ، وبين إفريقياوأوروبا من جهة أخري.

زار حسن بن الوزان تمبكتووهي في قمة مجدها ورسم صورة للحياة الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية منهاحيث وصف المساجد ورأي الفقهاء ، ومعلمي القرآن كما وصف التجار والصناع وأنواعالبضائع الموجودة في الاسواق ، ولقد زار الوزان ممالك الهوسا في كانو وزارياوكاتسينا وزمفارة . كما زار بلاد النوبة وأعطانا وصفا لطرق القوافل . وأورد وصفغالأهم المدن المشهورة في تلك الممالك والبلاد(11)

كان حسن الوزان يتحدثاللغة الإسبانية واللغة الإيطالية بجانب اللغة العربية ، ولربما كان يتحدث لغاتأخري ، والله أعلم ! عندما تم أسر الوزان كانت معه مسودة كتابه " تاريخ ووصفافريقيا " وكانت مع مسودة الكتاب قائمة باللغة الإيطالية .وهناك ما تشير إلي أنهقام بترجمة كتابه إلي الإيطالية في عام 1526م كما صدرت ترجمة أخري بالايطالية فيالبندقية في عام 1550م وكذلك ترجم الكتاب الي الفرنسية والانجليزية. صدرت كل هذهالترجمات في القرن السادس عشر الميلادي . تلتها ترجمة إلي اللغة الألمانية في القرنالسابع عشر الميلادي(12)ولقد وفر هذا العمل كما هائلا من الأخباروالمعلومات عن الممالك الإسلامية في إفريقيا وعن حياة شعوبها ، كما اشار إلي أوجهالشبه في الحياة الاجتماعية والثقافية للجماعات المسلمة من داخل إفريقيا وخارجها ،وإلي التقارب في النظام السياسي للممالك الإسلامية ، سواء كان ذلك في إفريقيا أوالأندلس ، أو في بلاد الرافدين ، الامر الذي يعكس جانبا من وحدة الحضارة الإسلامية .

ابوعبدالله بن إبراهيماللواتي ( ابن بطوطة ):

بدأ ابن بطوطة رحلاتهبدافع ديني يتسق مع موضوع هذا البحث ، فلقد كان هدفه الاول هو أداء فريضة الحج ،ولكن قدره وأسفاره دفعت به إلي عدد كبير من الاقطار والأقاليم التي تدخل في دائرةالعالم الإسلامي التي أسهم مبدعوها في نشأة الحضارة الإسلامية وتفيأت شعوبها ظلالتلك الحضارة . من بين البلاد والأقاليم التي زارها مصر وبلاد الشام وفارس ( ايران ) والاندلس والسودان ، وخوارزم وبخاري وكردستان وأفغانستان والصين والهند وشرقإفريقيا وجزر المالديف . انحدر ابن بطوطة من أسرة عريقة وتعلم في المعهد الدينيبطنجة حيث درس العلوم الدينية والأدب . واثناء رحلاته عمل بالقضاء وتقديم الفتويللمسلمين في الهند والصين وجزر المالديف ، ولم يكن ابن بطوطة بعيدا عن المجالالسياسي او جاهلا بما يدور في اروقة النشاط الاقتصادي . فلما قام ابن بطوطة برحلتهإلي السودان كان ذلك بأمر من السلطان ابوعنان ، أي ان تلك الرحلة كانت عبارة عنمهمة رسمية في شكل تكليف سياسي( 13)ولكن لاينفي ذلك أن الوازع الدينيوحب الترحال كانا من خلف الرحلات التي قام بها ابن بطوطة .

طالت إقامة ابن بطوطة فيبعض البلاد التي زارها وتزوج فيها وعرف شعوبها ، كما ساعده عمله في ديوان القضاءوالإفتاء وفي خدمة الحكام علي الإلمام بعادات تلك الشعوب ونظمها الاجتماعيةوالسياسية ، لاسيما مايتصل باحوال المسلمين في تلك المناطق . وهناك مايشير إلي أنهتعلم اللغات الفارسية والهندية والتركية (14 ) كل تلك التجارب والخبراتجعلت ابن بطوطة ينهل من مشارب الحضارة الإسلامية ومن ينابيعها المتعددة ثم يصوغهاويسجلها للاجيال المتعاقبة من المسلمين وغيرهم من المهتمين بتاريخ الحضارات. ولقدشعر ابوعنان ، سلطان فاس ، بأهمية المعلومات المتوفرة لدي ابن بطوطة ورأي أنها يمكنأن تشكل سجلا هاماً من سجلات الحضارة الإسلامية ، ولذلك أمر السلطان ابن بطوطة بأنيملي تلك المعلومات علي كاتبه ، أي كاتب السلطان ، ابن جزي . يهمنا أن نشير هنا إليأن ذلك السجل الحضاري أمكن أعداده وجمع بنوده بفضل الله وأسفار أبن بطوطة ، ولكنلولا حنكة الربابنة المسلمين وخبرتهم بالسواحل والبحار ومعرفتهم بأحوال الرياح ،لما امكن لابن بطوطة وغيره من الرواد المسلمين ارتياد تلك الآفاق البعيدة . أورد فيالفقرات التالية – وفي شيء من الأنجاز – سيرة وانجاز بحارين شهيرين : أحدهما صينيمسلم والآخر عربي مسلم .

رائد البحار الصيني تشينخة :

من أهم مايميز تشين خهأنه كان بحاراً رائداً ، بل كان من اشهر الربابنة المسلمين ، فقد قاد أسطولاًبحرياً كبيراً من تلك الأطراف النائية من العالم الإسلامي ، اي من الصين إلي بلادالعرب في القرن الخامس عشر الميلادي (1417م) وسبق بذلك غيره من رواد البحارالمشهورين عالمياً من أمثال فاسكو دا جاما ( 1469 – 1524 م)وكرستوفر كولومبس ( 1451 – 1506 م) ولقد كان ذلك في إطار الصلات التجارية بين الصين والبلاد العربية التياشتهرت بماعرف بطريق الحرير البحري والذي يرجع تاريخه لفترات أبعد من الزمن الذيعاش فيه تشين خه .

مايهمنا هنا ونحن بصددالحديث عن الحضارة الإسلامية أن ذلك الربان الصيني المسلم كان من نتاج تلك الحضارة . ولاتستقيم تلك الصورة إلا بالحديث عن مدينة تشوان تشو التي كانت مهداً للإسلام فيالصين ورمزاً للعلاقات العربية – الصينية . دخل الإسلام إلي الصين مبكراً في عهدالامبراطور ووده ( 618 – 626م) عندما وفد إلي الصين أربعة أولياء بهدف نشر الإسلام، استقر اثنان منهما في مدينة تشوان تشو التي كان يقطنها العرب والمسلمون وبنوالهما ضريحاً سمي " ضريح الوليين" مازال يعتبر معلما حضاريا هاما . كان التجارالمسلمون يمرون علي هذا الضريح في رحلة العودة إلي بلادهم ويتبركون به سائلين اللهأن يسلمهم حتي يرجعوا إلي أوطانهم . وهناك مايشير إلي أن " تشين خه " مر علي هذاالضريح قبل رحلته الشهيرة إلي بلاد العرب . بلغت تلك المدينة ذروتها كمدينة عربية- إسلامية خلال الفترة من القرنين التاسع والرابع عشر كما يتضح من الاقتباس التالي :

"تعتبر الفترة بينالقرنين التاسع والرابع عشر العصر الذهبي لمدينة تشوان تشو ، حيث كان يقيم فيالمدينة عشرات الآلاف من العرب المسلمين الذين يسمون المدينة " بمدينة الزيتون " وقد كتب الرحالة العربي الكبير ابن بطوطة في رحلته أن مدينة تشوان تشوهي أكبرميناء في العالم . وورد في نصب وسجل المساجد الذي يرجع إلي عام 1350م أن مدينةتشوان تشو في ذلك الوقت احتوت ستة أو سبعة مساجد(15 ).

توضح الفقرات السابقة فيشيء من الإيجاز الجو الإسلامي الذي عاشت في ظله بعض مدن الصين لما يزيد عن ألف عام، كما تعزز ماذهبت إليه من حيث أن رائد البحار الصيني تشين خه كان من نتاج الحضارةالإسلامية .

شهاب الدين أحمد بن ماجدوسفاليته :

أحمد بن ماجد من أشهرربابنة البحر المسلمين. وهو كاتب وشاعر ومؤلف حيث بقي من مؤلفاته مايقارب الأربعينمؤلفاً من اشهرها :

أ‌- كتاب الفوائد في اصول علم البحر والقواعد

ب‌- ثلاث ازهار في معرفة البحار

ج – الأرجوزةالسفالية

لايعرف تاريخ ميلاده عليوجه التحديد ، ولكن من المعلوم أنه ولد في جلفار(راس الخيمة في دولة الإماراتالعربية المتحدة حاليا ، وعمان سابقا ) وتنتمي اسرته إلي نجد في الحجاز .عاش أكثرايام عمره في النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي ، وقام باسفاره وكتابةمؤلفاته خلال تلك الفترة . ولقد امتدت فترة إقامته ورحلاته في شرق إفريقيا لفترةتزيد عن نصف قرن تصادف آخرها مع غزو البرتغاليين لمدن وسواحل شرق إفريقيا والخليجالعربي ورحلة فاسكو داجاما إلي الهند . ورث أحمد بن ماجد العمل في البحر اباً عنجد.

يؤكد هذا المعني إبنجلفار الباحث الإماراتي عبدالله الطابور بقوله:" .

وتربي ابن ماجد في أحضانأسرة كان رجالها من أشهر رجال الملاحة . فقد كان جده محققا ومدققاً وخبيرا بالملاحةفي البحر الأحمر . ولقد كان لوالده الفضل في صقل موهبته وتدريبه علي فنون البحر ،فلوالده منظومة طويلة اسماها (الحجازية ) تزيد عن ألف بيت عن الملاحة في البحرالأحمر، وقد اعترف ابن ماجد بفضل ارجوزة والده في سلامته من مخاطر البحر الأحمر،وهدايته إلي المسالك الامينة فيه ، وبذلك يمكن أن نلاحظ مهارة كل من ابن ماجدووالده وجده علي التوالي في الطرق الملاحية في البحر الأحمر وخليج عدن "(16 ).

ويشيد ابن ماجد إشادةمؤثرة بفضل والده وفضل الأرجوزة الحجازية عليه . وذلك بقوله" وكانت ارجوزة الوالدخيراً لي من جميع ميراثه الذي تركه لي كله " ( 17 ).

سار أحمد بن ماجد علي خطيوالده في التأليف حيث ارتبط اسمه بارجوزة هامة هي " الأرجوزة السفالية " نسبة إليثغر سفالة في موزمبيق كما ارتبط اسم والده بالأرجوزة الحجازية. وفي هذا الشأناستخدم كلاهما القالب الرجزي المشهور في التراث العربي والإسلامي الذي كانت تنظمبموجبه المعلومات الهامة في شكل شعري يسهل حفظه واسترجاعه عند اللزوم . ولقد فاقأحمد ابن ماجد غيره من الملاحين المسلمين في كثرة التأليف ، وفي أن أغلب مؤلفاتهكانت في شكل أشعار وأراجيز . الأرجوزة السفالية من أطول أراجيز أحمد بن ماجد حيثبلغت حوالي سبعمائة بيتا ( 701 بيتا علي وجه التحديد ) . وهي تعتبر سجلاً حافلاًودليلاً ملاحياً شاملاً لكل من يود أن يسافر علي امتداد سواحل شرق إفريقيا ، لاسيماالطريق إلي سفالة حيث توجد مناجم الذهب . ولكنها في ذات الوقت تحتوي علي معلوماتوإرشادات هامة لمن يود أن يبحر إلي الهند أو في البحر الأحمر أو الخليج العربي أوحتي في أماكن أخري . تعتبر الارجوزة السفالية" مرجعاً لا غني عنه في مجال الدراساتالإسلامية والدراسات الإفريقية . وذلك بفضل المعلومات التي وفرتها للمهتمينبالأسفار وعلوم البحار بخاصة ، وللمهتمين بالشأن الإفريقي بوجه عام. وإذا أضفناللسفالية ماورد من معلومات عن شرق إفريقيا في" كتاب الفوائد في أصول علم البحروالعوائد" ، يصبح أحمد بن ماجد رائداً في الدراسات الإفريقية وفي العلاقاتالعربية – الإفريقية منذ زمن بعيد ( القرن الخامس عشر الميلادي ) لم تطرق فيه أيةجهة علمية هذا الأمر.

تعددت موارد أحمد بن ماجدالثقافية وتنوعت خبراته الشخصية التي استقاها من صلاته الاجتماعية وسط الشعوبالمختلفة ، وفضلا عن ذلك لم يكن ابن ماجد بعيدا عن الأوساط السياسية ، بل تبوأ بعضالمناصب السياسية العليا في شرق إفريقيا . فلقد اختاره والي سفالة هادياً ورائداَلأسفاره ، كما تولي منصباً رفيعا في سوقطري ، وهناك إشارة إلي أنه تولي منصف حاكمسوقطري لفترة وجيزة .ساعدة اتقانه لعدة لغات من بينها السواحيلية والفارسيةوالجاوية والتاميلية علي التعرف علي ثقافات متباينة ومتنوعة(18 ).

الدور المزدوج للعلوموالمعارف الإسلامية في بناء وحدة الحضارة :

للعلوم والمعارفالإسلامية دوران رئيسان في بناء وحدة الحضارة .

الدور الاول والأهميعتمد أساسا علي علوم القرآن والحديث والسير النبوية وسير الخلفاء الراشدين في بناءالإنسان المسلم . علما بأن الإنسان هو جوهر الحضارة ، فإنماط السلوك والقيمالاجتماعية والإنسانية النبيلة المنبثقة عن الإسلام تؤسس لوحدة روحية وعقدية متينةبين المسلمين اينما كانوا ومن غير أن يلتقوا . فلا يحتاج المسلم للحركة أو الترحالاو نقل أي عنصر من مكونات الحضارة من مكان لآخر أو من شكل لآخر حتي يتحقق هذا النوعمن الوحدة الروحية ، فطالما أن جميع المسلمين ينهلون من ذات الموارد العقديةوالروحية ، فإن تلك الوحدة الحضارية تتحقق تلقائيا . وأما الدور الآخر للعلوموالمعارف الإسلامية فيتطلب قدراً من الحركة المتمثلة في تحرك الإنسان وأسفارهوانتقاله من مكان إلي آخر بشكل فردي أو جماعي، وبالتالي نقل العناصر والمكوناتالحضارية من قطر إلي قطر ، أو حتي من قارة لآخري . وهذا هو الدور الذي تتم مناقشتهفي الفقرات التالية . وهو يعتمد علي تامين وسائل الحركة والانتقال والأسفار ، سواءكانت آليات او مهارات وخبرات .

وهو يحتاج كذلك إليالدوافع والأسباب التي تدعو للحركة ، سواء كانت دوافع دينية دعوية ، أو اقتصادية ،أو سياسية ، أو استكشافية .

إذا رجعنا للرحلاتوالأسفار التي عرضها هذا البحث وتناول دور روادها في نشر الحضارة الإسلامية ، نجدأنها اعتمدت اعتمادا أساسيا علي العلوم والمعارف الإسلامية ، كما أنها انطلقت مندوافع محددة . فلولا المعلومات التي وفرها حسن الوزان وغيره من الرواد عن إفريقيالما امكن رسم الخرائط الجغرافية الاولي التي توفرت لنا ، ولولا المعارف المحليةالمتوارثة لدي بعض الخبراء التقليديين في إفريقيا لما امكن التعرف علي طريق قوافلالحجاج والتجار . وبنفس الصورة يمكن الاهتداء للاتجاهات عن طريق النجوم من خلالمعارف مبسطة متاحة لبعض الخبراء المحليين ، وهذا ما كان يحدث بالنسبة لطرق القوافل .

ليس الأمر بهذه البساطةفي كل الأحوال . فإذا كنا بصدد ربان ماهرومؤلف وشاعر مثل أحمد بن ماجد ، نجد أنهيستفيد من عدة علوم ويرتكز علي معارف متنوعة أذكر منهاعلم الفلك والجغرافيا والمناخوالحساب الهندي والحساب العربي والشعر واللغات . يدون في كتابه مايتصل بتلك العلوموالمعارف ، لاسيما ما يرشده في اسفاره ومايفيد الآخرين من بعده .وينظم في أراجيزهما يحفظه عن ظهر قلب ومايلجأ اليه في وقت الحاجة في سهولة ويسر ، لأنه محفوظ فيالذاكرة . وبذلك تصبح تلك المعلومات أشبه بما نسميه بلغة العصر " قاعدة بيانات "

أشير في الاسطر التاليةلبعض الفوائد ( الموضوعات ) أو الأراجيز أو الأشعار التي دون فيها ابن ماجد أنواعالمعارف المشار إليها في الفقرة السابقة ، أبدا أولا بما جاء في " كتاب الفوائد فياصول علم البحر والقواعد" ولقد احتوي علي أثنتي عشرة فائدة أذكر منها مايلي :

1- الفائدة الثانية ويتحدث فيها عن منازل القمر الفلكية والنجوم الملاحية .

2- الفائدة الرابعة وتتناول منازل" وردة " الرياح الأثنان والثلاثون المسماة الاخنان .

3- الفائدة الخامسة ويذكر فيها أسماء الكتب التي ينبغي علي الربان الاطلاع عليها ، وهي عن الجغرافيا والفلك.

4- الفائدة السادسة ويذكر فيها الطرق البحرية.

5- الفائدة الثامنة ويذكر فيها مايشير إلي اقتراب اليابسة .

6- الفائدة التاسعة ويذكر فيها المناطق التي " وطأتها" سفينته في بلاد الهند والسند وإفريقيا .

7- الفائدة الحادية عشرة وتبين مواسم السفر.

8- الفائدة الثانية عشرة وتتناول وصف البحر الأحمر ومجاريه وشعبه ، ومناطقه الخطرة ومناطقه الآمنة .

ومن بين مصادر المعلوماتالاخري التي يحتاج إليها الملاح عدد آخر من الأراجيز والأشعار التي نظمها ابن ماجد، علي رأسها " الأرجوزة السفالية ، ويضاف إليها " أرجوزة منازل القمر " و" قصيدةمواسم السفر "و" قصيدة الأشهر الرومية "وغيرها (19 ).

ما أود أن اخلص إليه هناهو أن نجاح الملاحة البحرية علي يد المسلمين هو الذي جعل الترحال ممكناً وميسوراًبين ديار الإسلام من الصين وحتي بلاد المغرب العربي . أمكن بفضل الله وبفضل تلكالعلوم والمعارف الإسلامية Islamic Science ومن خلال الإنسان المسلمفي تلك الرقعة الجغرافية الواسعة . أمكن نقل عناصر الحضارة الإسلامية وتداولهاوتوطينها بين المسلمين . وبذلك استفاد منها المسلمون وغير المسلمين . تفاوتت وتنوعتتلك المقومات والعناصر من الوحي الألهي ونفائس السير والاخبار ، الي الآدابالتراثية مثل الأراجيز. وشملت علوم النقل والعلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية فشكلتكيانا حضاريا أضفي نوعاً من الوحدة علي جميع المسلمين .



أسباب الإتصال والتواصل :

إذا كانت الرحلاتوالأسفار عبر الصحاري والبحار ، سواء كانت عن طريق القوافل او السفن ، هي التييسّرت انتقال المسلمين وبالتالي إنتشار عناصر الحضارة الإسلامية علي امتداد الاقطاروالقارات ، فهناك دوافع حقيقية تقف خلف تلك الرحلات والأسفار ، تتلخص تلك الدوافعفي التالي :

أ‌) دوافع اقتصادية

ب‌) دوافع دينية

ج) دوافع سياسية

ومما لاشك فيه أن هناكبعض الدوافع الاخري غير تلك التي ورد ذكرها. كما أن تلك الاسباب تتداخل مع بعضها .

الدوافع الإقتصادية :

لعبت التجارة والمصالحالاقتصادية المتبادلة دورا هاما في تقوية الصلات بين شعوب وأقطار العالم الإسلامي ،وبين المسلمين وغير المسلمين . أدت تلك الصلات إلي تقوية العلاقات بين إفريقياوآسيا وأووربا ، كما أسهمت في نقل المؤثرات الثقافية وترسيخها ، بدءا بالسلعوالاواني والأزياء ، وانتهاء بالآداب والفنون والتراث المعماري والعادات والمعارفوالنظم الاجتماعية والسياسية. غذا نظرنا في السلع التجارية المتبادلة نجد أنهاتنوعت وتباينت فشملت الذهب والعاج والحرير والخزف والنحاس والتوابل والملح. تمتداول هذه السلع وغيرها داخل إفريقيا , وبين إفريقيا وأوروبا ، وبين إفريقياوالأقطار الآسيوية حتي الهند والصين . ولقد شكل ذهب ونقارا wangaraفي غرب إفريقيا وسفالا Safala في شرقها عنصر جذبللمهاجرين الوافدين إلي إفريقيا . وأدي إلي انتعاش الحركة التجارية .

كمثال لانتعاش تجارةالقوافل بين بلاد السودان وشمال إفريقيا علي الرغم من قسوة الصحراء الكبري ، أوردبعض المعلومات ذات الصلة بهذا الأمر ، والتي ترجع إلي مملكة مالي . كما أشير إليدور تلك القوافل في نشر مقومات الحضارة . هناك إشارات إلي أن بعض القوافل المنطلقةمن نياني إلي القاهرة كان قوامها أثني عشر ألف جملا ، وعلي الرغم من أن هذا العدديبدو مبالغا فيه ، إلا أنه يدل علي انتعاش الحركة التجارية في تلك المنطقة . (19) لعل أفضل مثال لانتعاش الحضارة الإسلامية داخل إفريقيا النهضة التي شهدها عصر منسيموسي الذي تولي الحكم في عام 1307م والذي بلغت شهرته أوروبا والشرق الادني ووصلتالمملكة في ايامه ذروة مجدها حيث أنتعشت اقتصاديا بفضل التجارة والثروة المتمثلة فيالذهب . وصاحب ذلك انتعاش في الآداب والفنون . زاد من شهرة منسي موسي حجه الشهيرالذي عكس ثراء إفريقيا وقوة نظامها السياسي واحترام ملوكها الأهل الفن والأدبوللمهنيين المهرة . في رحلة العودة من الحج حرص منسي موسي أن يضم إلي حاشيتهالمعماري الاندلسي والتاجر المصري والعلماء والأدباء وغيرهم (20) وكل هؤلاء من حملةالحضارة الإسلامية .

الدافع الديني :

الدافع الديني وماترتبعليه من حراك سكاني هادف إلي حماية الدعوة أو نشرها ، سواء كان ذلك في شكل مجموعةصغيرة مثل هجرة بعض صحابة رسول الله (ص) إلي الحبشة أو في شكل جماعات كبيرة مثلالفتوحات الإسلامية ، أسهم في نشر الإسلام . ولكن الحضارة الإسلامية لم تتشكل فيتلك المرحلة الأولية ، غير أن الهجرة بهدف نشر الدين الإسلامي الحنيف ، وبالتالينشر الحضارة الإسلامية ، في أوقات لاحقة اعتمدت علي العامل الديني وكما ورد سابقافإن العديد من الدعاة والفقهاء هاجروا إلي إفريقيا وأقاموا فيها بصورة دائمة أولفترة محدودة حيث وفدوا إلي داخل إفريقيا من مصر واقطار المغرب العربي ومن العراقوالحجاز واليمن . يضاف إلي هجرة أولئك الدعاة والفقهاء هجرة شيوخ الطرق الصوفيةوتلاميذهم وأتباعهم إلي أغلب مناطق إفريقيا . وكما هو معلوم فإن الطرق الصوفية لعبتدورا هاما في تحقيق الوحدة الروحية والاجتماعية والسياسية في إفريقيا . فلقد أفلحتتلك الطرق في توسيع دوائر الانتماء القبلي الضيقة ومد جسور التواصل عبر الأقطاروالمناطق الثقافية . وبذلك أسهمت في وحدة الحضارة الإسلامية.

لتوضيح قوة الوازع الديني، أشير إلي ثلاثة أمور تتصل ببعض رموز الحضارة الإسلامية . يتصل الأمر الاول برحلاتابن بطوطة . فكما هو معلوم فإن ابن بطوطة بدأ رحلاته بنية أداء فريضة الحج . ويتصلالأمر الثاني بالخلفيات الدينية لأسر أولئك الرواد وتبحرهم في الشريعة والدراساتالإسلامية ، الامرالذي أهلهم للعمل في دوائر القضاء والإفتاء في الاقطار التيزاروها . فلقد اشتغل ابن بطوطة بالقضاء في الهند وجزر المالديف، كما اشتغل ابن ماجدبالقضاء في ماليندي ، وفي ذات السياق عمل ابن خلدون بالقضاء في مصر وتقلد وظائفعليا في سلك القضاء الشرعي. وأما الامر الثالث فيتصل بنظرة المجتمعات التي زاروهاوعملوا فيها تجاههم . فلقد ركزت تلك المجتمعات علي الجانب الديني في نظرتها لهم. يتضح ذلك من خلال الالقاب التي عرفوا ووصفوا بها. فلقد عرف ابن بطوطة بلقب شمسالدين وعرف ابن ماجد بلقب شهاب الدين ، كما عرف ابن خلدون بلقب ولي الدين.

الدوافع السياسية :

تتخذ الدوافع السياسيةالتي جعلت حمله الحضارات المختلفة ، لاسيما الحضارة الإسلامية ، موضوع هذا البحث ،يتجهون نحو إفريقيا عدة أسباب . من بين تلك الأسباب اللجوء السياسي طلبا للملاذالآمن . وعادة مايكون ذلك في شكل أنظمة أو جماعات حاكمة . ومن بينها طلب الاستيطانعلي نطاق واسع بعد انهيار الدول والممالك مثل ماحدث بعد انهيار الأندلس وهجرة أعدادكبيرة إلي أقطار المغرب الغربي . يضاف إلي ذلك النزعة التوسعية للعديد من الدولوالحكام . أدت كل هذه الأسباب إلي حراك سكاني نقل إلي إفريقيا العديد من الأجناس منمختلف الاقطار الذين نشروا المؤثرات الثقافية المختلفة . كانت الدوافع السياسيةتتداخل مع الدوافع الاقتصادية والحملات الاستكشافية . وكما ورد في بعض الصفحاتالسابقة كان العديد من الرواد الذين أشرنا إليهم أرسلوا إلي داخل إفريقيا ضمن بعثاتسياسية – دبلوماسية من قبل بعض الولاة والسلاطين. ولقد سافرت تلك البعثات في صحبةالقوافل التجارية. ومما لاشك فيه أن تأثير النظام السياسي الإسلامي تركت آثاراواضحة علي النظم السياسية في إفريقيا ، لاسيما في فترة الممالك والدول الإسلامية فيغفريقيا حيث أن الحكام والسلاطين حاولوا بناء حكوماتهم ونظام إدارتهم وفقا للنظامالسياسي الإسلامي ، الامر الذي اوجد شكلا من الوحدة السياسية .

خلاصة :

نستطيع أن نستخلص منالعرض السابق النقاط التالية :

أولا : أن الإسلام يعتبرمكونا رئيسا من مكونات الوجدان الإفريقي ، وأن الحضارة الإسلامية أسهمت في التكوينالعقدي والاجتماعي والسياسي لإفريقيا.

ثانيا : أن رواد الحضارةالإسلامية كانوا المصدر الرئيسي في تعريف العالم بإفريقيا حيث أنهم سبقوا غيرهم فيالتعرف علي إفريقيا والتعريف بهما.

ثالثا : إن الحضارةالإسلامية برهنت علي قدرة هائلة في تحقيق الوحدة ، ليس فقط في إفريقيا بل علي نطاقالعالم ، فلقد ساعدت إفريقيا علي تجاوز الإنتماءات العرقية والإقليمية والقطريةالضيقة . بل ربطت بين المسلمين في إفريقيا وآسيا وأوروبا من خلال الإتصال والتواصلالذي أمكن تحقيقه من خلال انجازات الرواد المسلمين وبفضل نهضة العلوم والمعارفالإسلامية .

رابعا : بما أن الحضارةاصطلاحا تعني الرقي والتقدم ، فالريادة والنهضة لا يتحققان إلا عن طريق العلم . وفيغياب العلم والتقاعس الفكري وقهر العالم الإسلامي سياسيا واقتصاديا وعسكريا ، تنفصلأواصر الوحدة الروحية والمعنوية وتتقلب القوة إلي ضعف ، وتحل التبعية مكان الريادة .









عرض البوم صور روزا   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإسلامية, الحضارية, العناصر


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
العقبة الأردنية.. مقوماتها الحضارية جعلتها عاصمة للسياحة العربية 2011 سنفور طارق منتدى السياحة 0 02-03-2010 10:52 AM
خريطة فلسطين الكبرى الحضارية والتراثية والأزياء الشعبية المحررة الخرائط والمخطوطات للدفائن والكنوز 0 11-10-2009 11:24 PM
بعض المعلومات عن مزرعة الأمير خالد بن سلطان الحضارية yoyo_yoyo منتدى كنوز ودفائن و معالم السعوديه 8 15-07-2009 03:15 PM


الساعة الآن 09:59 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir