لمن يريد اقتناء الموسوعة العلمية للرموز الاثريه من تأليف الدكتور غالينوس ان يبادر الى مراسلة الدكتور غالينوس على الخاص


استرجاع كلمة المرور طلب كود تفعيل العضوية تفعيل العضوية قوانين المنتدى
العودة   منتدى كنوز ودفائن الوطن > منتدي الاسلامي > الاسلاميات العامة > محمد رسول الله

اعلانات

  انشر الموضوع
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 31-07-2009, 12:09 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
مسلمة
اللقب:
عضو فضي
الرتبة


البيانات
التسجيل: Jun 2009
العضوية: 234
المشاركات: 2,498 [+]
بمعدل : 0.46 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
مسلمة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : محمد رسول الله
مواقف عالية من صبر النبي صلى الله عليه وسلم على الأذى
لقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو إلى الله في مكة إلى أذى شديد من زعماء الكفار، ولقد كان قوي الشخصية شجاعًا في مواجهة هؤلاء الزعماء على الرغم مما كانوا عليه من قوة معنوية , ومكانة عالية بين العرب , فقد كانوا يقتلون بنظراتهم الحادة وألسنتهم السليطة كل ضعيف خوار,وكان العرب جميعًا يحترمونهم ويقدرون رأيهم لمكانتهم من خدمة بيت الله الحرام وجواره.
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم واجههم بما يكرهون حينما أصروا على باطلهم , وتحداهم بما عجزوا عن مقاومته حتى أسقط سمعتهم الوهمية القائمة على الدجل واستغلال غفلة العقول ، فلم يكن منهم إلا أن ضاعفوا من كيدهم وأذاهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به .
وقد جاءت روايات في بيان ماتعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى , فمن ذلك :
1 – ماأخرجه ابن إسحاق رحمه الله قال : حدثني يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة بن الزبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قلت له : ما أكثر مارأيت قريشًا أصابوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانوا يظهرون من عداوته ؟ قال : حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يومًا في الحجْر , فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر ذلك الرجل قط , قد سفه أحلامنا وشتم آباءنا , وعاب ديننا , وفرق جماعتنا , وسب آلهتنا , لقد صبرنا منه على أمر عظيم , أو كما قالوا .
فبينما هم في ذلك إذا طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن , ثم مر بهم طائفًا بالبيت , فلما مر بهم غمزوه ببعض القول . قال : فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : ثم مضى فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها , فوقف ثم قال: أتسمعون يامعشر قريش ؟ أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح .
قال: فأخذت القوم كلمته حتى مامنهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع , حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك لَيَرْفَؤْه بأحسن مايجد من القول , حتى إنه ليقول : انصرف أبا القاسم, فو الله ماكنت جهولاً .
قال : فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحِجْر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض : ذكرتم مابلغ منكم , ومابلغكم عنه , حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه .
فبينما هو في ذلك طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد , وأحاطوا به يقولون : أنت الذي تقول كذا وكذا ؟ لما كان يقول من عيب آلهتهم ودينهم , فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم أنا الذي أقول ذلك.
قال : فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بجمع ردائه . قال : فقام أبو بكر رضي الله عنه دونه, وهو يبكي ويقول : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ! ثم انصرفوا عنه , فإن ذلك لأشد مارأيت قريشًا نالوا منه قط ([1]) .
وأخرجه أبو يعلى والطبراني بنحوه وفيه أن أبا جهل قال : يا محمد ماكنت جهولاً , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنت منهم " .
ذكره الهيثمي وقال : وفيه محمد بن عمرو بن علقمة وحديثه حسن , وبقية رجال الطبراني رجال الصحيح ([2]) .
2 – أخرج الحافظ أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي بإسناده عن أسماء بنت أبي بكر أنهم قالوا لها : ما أشدُّ مارأيت المشركين بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقالت : كان المشركون قعدوا في المسجد يتذاكرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومايقول في آلهتهم فبينما هم كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاموا إليه وكانوا إذا سألوا عن شيء صَدَقهم فقالوا : ألست تقول كذا وكذا ؟ فقال: بلى فتشبثوا به بأجمعهم .
فأتى الصريخ إلى أبي بكر فقيل له : أدرك صاحبك فخرج من عندنا وإن له غدائر ([3]) فدخل المسجد وهو يقول : ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ؟ قال: فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر , فرجع إلينا أبو بكر فجعل لايمس شيئًا من غدائره إلا جاء معه , وهو يقول : تباركت ياذا الجلال والإكرام ([4]) .
وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى هذه الرواية وقال : ولقصة أبي بكر هذه شاهد من حديث علي أخرجه البزار من رواية محمد بن علي عن أبيه أنه خطب فقال:من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت.
قال : أمَا إني مابارزني أحد إلا أنصفت منه , ولكنه أبو بكر , لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذته قريش , فهذا يجره وهذا يتلقاه , ويقولون له : أنت تجعل الآلهة إلها واحدا , فو الله مادنا منه أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويدفع هذا , ويقول : ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله .
ثم بكى عليّ ثم قال : أُنشِدكم الله أمؤمن آل فرعون أفضل أم أبو بكر ؟ فسكت القوم, فقال علي : والله لساعة من أبي بكر خير منه, ذلك رجل يكتم إيمانه وهذا يعلن إيمانه ([5]) .
وأخرج الإمام أحمد وأبو يعلى من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة حتى غشي عليه فقام أبو بكر فجعل ينادي : ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله فقالوا من هذا : فقالوا : أبو بكر المجنون .
ذكره الهيثمي وقال : ورجالهما رجال الصحيح ([6]) .
3 – وأخرج الحافظ ابن سيد الناس من حديث عروة بن الزبير قال : حدثني عمرو بن عثمان بن عفان عن أبيه عثمان بن عفان قال : أكثر مانالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيت يوما- قال عمرو : فرأيت عيني عثمان بن عفان ذرفتا من تذكر ذلك – قال عثمان بن عفان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويده في يد أبي بكر , وفي الحجْر ثلاثة نفر جلوس : عقبة بن أبي معيط , وأبو جهل بن هشام , وأمية بن خلف , فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما حاذاهم أسمعوه بعض مايكره , فعُرِف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم , فدنوت منه حتى وسَطته , فكان بيني وبين أبي بكر, وأدخل أصابعه في أصابعي حتى طفنا جميعا , فلما حاذاهم قال أبو جهل : والله لانصالحك ما بَلَّ بحر صوفة وأنت تنهى أن نعبد مايعبد آباؤنا , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنَّى ذلك !
ثم مضى عنهم فصنعوا به في الشوط الثالث مثل ذلك , حتى إذا كان في الشوط الرابع ناهضوه ووثب أبو جهل يريد أن يأخذ بمجامع ثوبه فدفعته في صدره فوقع على استه , ودفع أبو بكر أمية بن خلف , ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط , ثم انفرجوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف , ثم قال : أما والله لاتنتهون حتى يحل بكم عقابه عاجلا .
قال عثمان : فو الله مامنهم رجل إلا أخذه أَفْكل ([7]) , وهو يرتعد , فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بئس القوم أنتم لنبيكم , ثم انصرف إلى بيته , وتبعناه خلفه حتى انتهى إلى باب بيته, ووقف على السُّدَّة ثم أقبل علينا بوجهه فقال : أبشروا فإن الله عز وجل مظهرٌ دينه , ومُتِمٌّ كلمته وناصر نبيه , إن هؤلاء الذين ترون مما يذبح الله بأيديكم عاجلا ، قال : ثم انصرفنا إلى بيوتنا , فو الله لقد رأيتهم قد ذبحهم الله بأيدينا ([8]) .
وذكر الحافظ ابن حجر في شرح حديث عبد الله بن عمرو السابق من رواية الزبير بن بكار والدارقطني في "الأفراد" من طريق عبد الله بن عروة بن الزبير , عن عروة قال: حدثني عمرو بن عثمان عن أبيه عثمان .. وذكر أوله , ثم قال : " فذكر قصة يخالف سياقها حديث عبد الله بن عمرو هذا , فهذا الاختلاف ثابت على عروة في السند , ولكن سنده ضعيف , فإن كان محفوظًا حمل على التعدد , وليس ببعيد لما سأبينه" ثم قارن بين الروايتين وقال : وهذا يقوي التعدد ([9]) .
وهذا يعني أنه إذا كان خبرًا واحدًا فالمعتبر هو حديث عبد الله بن عمرو لأنه أقوى إسنادًا, وإن حمل على تعدد القصة وهو الذي رجحه الحافظ ابن حجر فإن ضعفه محتمل للتقوية , وهكذا أورده الحافظ ابن سيد الناس على أنه خبر مستقل
4 – وأخرج الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزينًا قد خُضِب بالدماء , ضربه بعض أهل مكة , قال فقال له: مالك؟ قال فقال له : فعل بي هؤلاء وفعلوا , قال فقال له جبريل : أتحب أن أريك آية ؟ قال: نعم , قال: فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال : ادع تلك الشجرة , فدعاها فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه , فقال: مرها فلترجع , فرجعت إلى مكانها , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حسبي ([10]) .
من هذه النصوص نعرف مدى ماكان المشركون يضمرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عداوة , حيث كانوا يجتمعون على محاربته ويوصي بعضهم بعضا بالوقوف في وجهه , ويلوم بعضهم بعضا على التقصير في مباداته بالعداء .
وحينما يكون العدو متفرقا أمره ويقاوم أفرادُه الدعوة الوافدة وهم فرادى فإن أمره يكون ميسورًا إذ بإمكان صاحب الدعوة أن يصل إلى إقناع بعضهم بدعوته وأن يتفادى عداوة الآخرين بكلمة مودة أو برد حازم يسكت عدوه , فأما حين يجتمع أفراد العدو على صاحب الدعوة فإن موقفه يكون حرجا أمامهم إذ أن السيادة في مثل هذه الاجتماعات تكون للدهماء الذين تحركهم عادةً العصبيةُ القبلية والتمسك بالموروثات وإن كانت تتنافى مع العقل السليم , ولايتمكن صاحب الدعوة – والحالة هذه – من مخاطبة أصحاب العقول المفكرة .
وقد كان زعماء قريش الذين تغلب هذه الصفات على أصحاب الرأي منهم هم الذين يحتلون ساحات المسجد الحرام ولايتركون الفرصة لأصحاب العقول المفكرة التي تميل إلى التحرر من الأوهام والخرافات التي لاتنسجم مع العقول السليمة .. لايتركون لهم الفرصة ليلتقي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يسمعوا كلامه فقد قاموا بالحجْر الفكري على مجتمعهم وطبقوا ذلك بصرامة فائقة حتى كان من يريد السماع من النبي صلى الله عليه وسلم يضطر إلى التسلل في الخفاء .
ومن هنا كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم صعبًا للغاية في معاملتهم وكان لابد له أحيانًا أن يخرج عن حلمه المعهود ليسلك معهم طريق الحزم والمجابهة كما هو الحال في الخبر الأول لأن الذين يواجهونه يخاطبونه بعواطفهم الثائرة الحاقدة ولايخاطبونه بعقول متزنة تدرك مايُلقَى عليها من قول وتفكر فيه، فلما قال لهم : أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح استكانوا وخضعوا له .
لقد كان زعماء الكفار أولئك يحاولون أن يبنوا لأنفسهم مجدا من خلال جرأتهم على الرسول صلى الله عليه وسلم وإقدامهم على سبه وإيذائه أمام الجمهور , حيث يظهرون بمظهر الأبطال الذين لايبالون بسخط النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ولا بسخط حماتهم من بني هاشم , فكان من المناسب أن يجيبهم النبي صلى الله عليه وسلم بكلام شديد يهز فيه من شخصياتهم ويسقط فيه من معنوياتهم حتى لايمتدحوا أمام أتباعهم بتلك المواقف الوهمية , ولقد حصل للنبي صلى الله عليه وسلم ما أراد حيث وجموا لسماع ذلك الكلام وتكلموا بكلام يحمل معنى الاعتذار عن موقفهم السيء ذلك .
إن اجتماعهم على الباطل يلغي تفكيرهم السليم ويجعلهم ينطلقون من الحماس المتأجج من العواطف الثائرة , وغالبًا مايكون التفكير والتوجيه من فرد أو أفراد يتزعمون أفراد المجتمع, فيبقى أغلب الأفراد تابعين لهؤلاء الزعماء من غير تفكير في صواب مادعوهم إليه من خطئه ولذلك أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم إلى التفكير المتأمل المتجرد عن فكر الجماعة الذي يهيمن عادة على الأفراد حيث يقول تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) (سبأ : 46 )
فإذا خلا الإنسان بنفسه ثم تفكر في أمر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه سيلغي من حسابه اتهامه بالجنون وغيره مما ألصقه به الأعداء , وكذلك إذا خلا بصاحبه وقَارَنَا بين النبي صلى الله عليه وسلم ومن عُرف عنهم الإصابة بهذه التهم , لأن الفكر – والحال هذه – ينطلق من العقل المتجرد من العاطفة والتبعية للقوى المهيمنة على العقول فلابد أن يصل إلى النتيجة الصحيحة الموافقة للعقل السليم .
وحينما يخلو الإنسان إلى فكره يخبو نداء العاطفة تدريجيًّا ويرتفع نداء العقل فيصلُ الإنسان إلى الحكم الصحيح العادل .
وفي هذه الأخبار مواقف رائعة لأبي بكر رضي الله عنه,حيث وقف دون النبي صلى الله عليه وسلم ودافع الناس عنه وحماه بنفسه حتى انصرف عنه أعداؤه , وفيها بيان لشدة الأذى الذي تحمله في سبيل ذلك,وهذا دليل على قوة إيمانه وشجاعته النادرة واستهانته بنفسه في سبيل الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي أحد هذه الأخبار شهادة على شجاعة أبي بكر البالغة يقدمها بطل كبير من أبطال الإسلام هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي لم تنتكس له راية ولم يقف له أحد في موقف.
وإنما يدرك فضل أهل الفضل من شاركهم في هذا الفضل , حيث شهد له بالإقدام على مدافعة المشركين وإنقاذ النبي صلى الله عليه وسلم من بين أيديهم بينما لم يجرؤ غيره على ذلك , وإن هذا الموقف بقدر مايصور شجاعة أبي بكر وتضحيته فإنه يصور فظاعة المشركين وعنفهم في الانتقام وقوة شخصياتهم التي أوقفت المؤمنين حتى عن الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإن من مزايا هذه الشهادة الكريمة أنها تم إعلانها على ملأ من الناس, وفي وقت بدأ فيه بعض الموتورين والجهال بالغضِّ من شأن بعض كبار الصحابة , فأراد علي رضي الله عنه أن يعدِّل الموازين, وأن ينبئ الناس بأن محبتهم له يجب أن لاتطغى بحيث يترتب عليها التهوين من شأن كبار الصحابة كأبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين .
وإننا حين نبرز حق أبي بكر وفضله كما أعلنه علي رضي الله عنهما فإننا نقدر لعلي هذا الموقف الكريم المشتمل على التواضع الجمِّ والوفاء الكبير لأخوة له مضوا على درب الجهاد والدعوة.
وفي الخبر الأخير بيان لموقف عثمان رضي الله عنه حيث دفع أبا جهل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أوقعه على الأرض . مع ماكان يتمتع به أبو جهل من مكانة عالية بين قومه , فرضي الله عن هؤلاء الصحابة الذين صمدوا – مع قلتهم – لأهل الباطل وهم في أوج عزهم وكثرتهم .
-----------------------------
([1] ) سيرة ابن هشام 1/289 , السير والمغازي /229 .
وأخرج الإمام أحمد من طريق ابن إسحاق وذكره مثله – مسند أحمد 2/218 _ .
وذكره الهيثمي وقال : وقد صرح ابن إسحاق بالسماع وبقية رجاله رجال الصحيح – مجمع الزوائد 6/16 -.
وأخرج الإمام البخاري نحوه مختصرًا – صحيح البخاري رقم 3678 , كتاب فضائل الصحابة - .
([2] ) مجمع الزوائد 6/16 .
([3] ) أي إن شعر رأسه مفرق إلى غدائر .
([4] ) مسند الحميدي 1/155 رقم 324 , وعزاه الحافظ ابن حجر إلى أبي يعلى والحميدي – المطالب العاليه4/192, رقم 4279 – وحسن إسناده – فتح الباري 7/169- ووثق البوصيري رجاله – هامش المطالب العالية 4/193 - .
([5] ) فتح الباري 7/169 .
([6] ) مجمع الزوائد 6/17 .
وأخرجه الحاكم من حديث أنس رضي الله عنه وقال : صحيح على شرط مسلم , وأقره الذهبي – المستدرك3/67.
([7] ) الأفكل بفتح الهمزة وسكون الفاء الرعدة – القاموس المحيط - .
([8] ) عيون الأثر 1/103 .
([9] ) فتح الباري 7/168 .
([10] ) مسند أحمد 3/113 .
وذكره الحافظ ابن كثير وقال : هذا إسناد على شرط مسلم – البداية والنهاية 6/128 – 129 – وصححه الحافظ الذهبي – تاريخ الإسلام / السيرة 130 - .









توقيع : مسلمة

__________________

عرض البوم صور مسلمة   رد مع اقتباس
قديم 31-07-2009, 12:10 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
مسلمة
اللقب:
عضو فضي
الرتبة


البيانات
التسجيل: Jun 2009
العضوية: 234
المشاركات: 2,498 [+]
بمعدل : 0.46 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
مسلمة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : مسلمة المنتدى : محمد رسول الله
افتراضي

أخرج الإمام أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وإساف ونائلة : لو قد رأينا محمدا لقد قمنا إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله .
فأقبلت ابنته فاطمة رضي الله عنها فقالت : هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك لقد قاموا إليك فقتلوك , فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من دمك .
فقال : يابنية أريني وضوءًا فتوضأ , ثم دخل عليهم المسجد , فلما رأوه قالوا : ها هو ذا وخفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم في صدروهم وعُقِروا في مجالسهم فلم يرفعوا إليه بصرا ولم يقم إليه رجل .
فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام على رؤوسهم فأخذ قبضة من التراب فقال: شاهت الوجوه , ثم حصبهم , فما أصاب رجلاً منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر كافرًا ([1]) .
في هذا الخبر بلغ الملأ من قريش القمة في التحجر الفكري حيث ضاعفوا من تهديدهم ومحاولتهم القضاء على دعوة الإسلام بالقوة , وذلك بالقضاء على داعيها الأول صلى الله عليه وسلم .
ولكننا نجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقابل ذلك إصرارًا أكيدا على تبليغ دعوته مهما تكن الحواجز والعوائق .
ونجد في هذا الخبر مثلا على شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم العظيمة , حيث علم من ابنته فاطمة رضي الله عنها عن قعود المشركين له وتهديدهم إياه , ومع ذلك خرج من بيته منفردا ودخل عليهم وهم مجتمعون , وإن هذا الإقدام العظيم مع احتمال وقوع الضرر البالغ يُعدُّ قمة في التضحية والبذل من أجل دعوة الإسلام .
لقد كان الشيء الذي يهيمن على مشاعر النبي صلى الله عليه وسلم هو التفكير في دعوته وبذل كل الطاقة في محاولة الوصول إلى قلوب الناس , ولقد كان أمر حماية النفس وسلامتها من التعرض للضرر شيئا ثانويًّا لايأخذ له الرسول صلى الله عليه وسلم أي اعتبار إذا تعارض مع الإقدام على تبليغ الدعوة .
6 – وأخرج الإمام مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت , وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس , فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعُه في كتفي محمد إذا سجد , فانبعث أشقى القوم – وهو عقبة بن أبي معيط كما جاء مصرحا به في رواية مسلم الثانية – فأخذه فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه .
قال : فاستضحكوا , وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر , لو كان لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم , والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد مايرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة , فجاءت وهي جويرية فطرحته عنه , ثم أقبلت عليهم تشتمهم .
فلما قضي النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا دعا ثلاثا , وإذا سأل سأل ثلاثا , ثم قال " اللهم عليك بقريش – ثلاث مرات " فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته , ثم قال : " اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة , والوليد بن عتبة وأمية بن خلف , وعقبة بن أبي معيط " .
قال : وذكر السابع ولم أحفظه – فو الذي بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر , ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر ([2]) .
في هذه الرواية وما في معناها أمثلة للأذى الذي لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد الكفار في مكة مما يُقصد به الإهانة المادية بإلحاق الأذى الجسماني , والمعنوية بتحطيم المشاعر وإغاظة النفوس, وهي أبلغ من الحسية .
هذا وإن ماجرى من عقبة بن أبي معيط يُعدُّ اعتداء مهينا على أعظم رجل عرفه التاريخ, وهو يؤدي شعائر دينه , مما يدل على تدني مستوى أهل الباطل في معاملة أهل الحق , وهذا علامة على توغل عداوتهم وإفلاسهم في مجال الفكر والحجة البيانية , حيث استخدموا أيديهم وقوتهم المادية .
وإن حقد الكفار الدفين يجعلهم يتصرفون بمقتضى عواطفهم لابمقتضى عقولهم , حيث إنهم لو راجعوا أنفسهم بعد ذلك لأنكروا عملهم , بينما أهل الحق لاينـزلون أبدا إلى هذا المستوى الهابط.
أما موقف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فإنه مثال لشدة الإرهاب الذي كان يواجهه المستضعفون في مكة , الذين لم تكن لهم عشائر تحميهم .
فالصحابة رضي الله عنهم يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم مما يحبون أنفسهم ولكن ابن مسعود كان على يقين من أنه لن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو جثة هامدة أو مايشبه ذلك , فلن يتمكن من تخليصه من الأذى .
ومن هذا الخبر نفهم أن للنساء مهمة يقمن بها لايستطيع الرجال أحيانًا أن يقوموا بها فقد استطاعت فاطمة رضي الله عنها أن تزيل الأذى عن أبيها صلى الله عليه وسلم وأن تسب الملأ من قريش دون أن تتعرض للأذى لأن تقاليد العرب تمنعهم من الاعتداء على النساء .
وهكذا في كل زمن ينبغي للدعاة أن يستفيدوا من دور المرأة في الأمور التي تحسنها وقد لايدركها الرجال مستفيدين من الأعراف الاجتماعية التي تخدمهم .
وحنيما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأعداء خافوا من دعوته , وهكذا الكفار يخافون من عاقبة الدعاء في الدنيا فقط , حيث إنهم لايؤمنون بالآخرة , فهل يتنبه بعض المسلمين الذين لايرتدعون عن ظلم الناس إلا خوفًا من استجابة دعائهم وحلول العقوبة الدنيوية غافلين عن مواقف الحساب يوم القيامة ؟!
ومما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تأثر تأثرًا كبيرًا مما حصل له ما جاء في رواية أخرى لهذا الخبر وفيها " ثم خرج – يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - من المسجد فلقيه أبو البَخْتَري بسوط يتخصر به فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنكر وجهه فقال : مالك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم خلِّ عني , فقال: علم الله لا أخلي عنك أو تخبرني ماشأنك فلقد أصابك شيء , فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه غير مُخَلٍّ عنه أخبره فقال: إن أبا جهل أمر فطُرِح عليّ فرث , فقال أبو البختري : هلمَّ إلى المسجد .
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو البختري فدخلا المسجد ثم أقبل أبو البختري إلى أبي جهل فقال: يا أبا الحكم أنت الذي أمرت بمحمد فطُرح عليه الفرث ؟ قال: نعم , قال : فرفع السوط فضرب به رأسه, قال : فثار الرجال بعضها إلى بعض , قال وصاح أبو جهل , ويْحكم هي له , إنما أراد محمد أن يلقي بيننا العداوة وينجو هو وأصحابه .
ذكره الهيثمي وقال : رواه البزار والطبراني في الأوسط وفيه الأجلح بن عبد الله الكندي وهو ثقة عند ابن معين وغيره وضعفه النسائي وغيره ([3]) .
وأبو البَخْتَري هو ابن هشام بن الحارث بن أسد , وأمه من بني هاشم , وكان من فريق المعتدلين من الكفار الذي تميزوا بوضوح بعد نقض صحيفة المقاطعة وكان من الذين نادوا بنقضها.
7 – وأخرج أبو نعيم من طريق محمد بن إسحاق عن عثمان بن عروة بن الزبير عن أبيه عن هبَّار بن الأسود قال : كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزوا إلى الشام وتجهزتُ معهما فقال ابنه عتبة: والله لأنطلقن إليه ([4]) فلأوذينه في ربه فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يامحمد هو يكفر بالذي دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم ابعث عليه كلبًا من كلابك" .
ثم انصرف عنه فرجع إليه ([5]) فقال : أي بني ماقلت له ؟ قال : كفرت بإلهه الذي يعبد. قال فماذا قال لك : قال , قال : اللهم ابعث عليه كلبًا من كلابك , فقال : أي بني والله ما آمن عليك دعوة محمد .
قال : فسرنا حتى نزلنا الشراة وهى مأسدة فنزلنا إلى صومعة راهب, فقال: يامعشر العرب ماأنزلكم هذه البلاد وإنها مسرح الضيغم ؟ فقال لنا أبو لهب : إنكم قد عرفتم حقي, قلنا: أجل يا أبا لهب فقال : إن محمدًا قد دعا على ابني دعوة والله ما آمنها عليه فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة ثم افرشوا حوله , فبينما نحن حوله وأبو لهب معنا أسفل , وبات هو فوق المتاع فجاء الأسد فشم وجوهنا فلما لم يجد مايريد تقبض ثم وثب فإذا هو فوق المتاع , فجاء الأسد فشم وجهه ثم هزمه هزمة ففضخ رأسه , فقال: سيفي ياكلب , لم يقدر على غير ذلك, ووثبنا فانطلق الأسد وقد فضخ رأسه فقال له أبو لهب : قد عرفت والله ماكان لينفلت من دعوة محمد ([6]) .
وهكذا استجاب الله تعالى دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث على عتبة بن أبي لهب الأسد الذي أصبح جنديًّا من جنود الدفاع عن الحق فأهلكه , ولم تُجْدِ كل الاحتياطات الامنية التي أحاط بها أبو لهب ابنه .
ومن الغريب في الأمر أن أولئك الكفار يوقنون بأن النبي صلى الله عليه وسلم مستجاب الدعوة ومع ذلك يستمرون في مقاومته وإيذائه , ولايحملهم ذلك على الإيمان به والاستجابة لدعوته , وهذه صورة من صور اتباع الهوى المنحرف , حيث يكون الحق واضحا مثل الشمس فيحيد أصحاب الهوى المنحرف عن اتباعه .
ولقد حمى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في مواطن أخرى من أذى الكفار كما أخرج الإمام مسلم بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال أبو جهل : هل يعفِّر محمد وجه بين أظهركم ([7]) ؟ قال: فقيل : نعم , فقال : واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته – أو لأعفرن وجهه في التراب – قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي , زعم ليطأ على رقبته , قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه , قال: فقيل له : مالك ؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولاً وأجنحة .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا .
قال : فأنزل الله عز وجل – لاندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه-(كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى)(أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى)(إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى)(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى)(العلق : 9 )(عَبْداً إِذَا صَلَّى)(أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى)(أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى)(أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى) ([8])(أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)(كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ)(نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ)(فَلْيَدْعُ نَادِيَه)(سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ)(كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [ العلق : 6 – 19] ([9]) .
ومن ذلك ما أخرجه الإمام أبو بكر الحميدي بإسناده عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : لما نزلت (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) (المسد : 1 )
أقبلت العوراء أم جميل ([10]) ولها ولولة ([11]) وفي يدها فهر ([12]) وهي تقول :
مـذمـما أبـيـنـا ([13]) *** وديـنـه قلـيـنا ([14]) *** وأمــره عصـيـنـا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد , ثم قرأ قرآنًا اعتصم به – كما قال – وقرأ
(وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً) (الإسراء : 45 )
فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر , ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقالت : يا أبا بكر إني أُخبرتُ أن صاحبك هجاني , فقال: لاورب هذا البيت ماهجاك , قال : فولَّت وهي تقول : قد علمَتْ قريش أني بنت سيدها ([15]) .
ومن أمثلة ذلك ماسبق من خبر أبي جهل حينما هدد بفضخ رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر فمنعه الله تعالى منه .
ولكن الله تعالى يمكِّن الكفار أحيانًا – كما في الخبر السابق – من إيصال الأذى لرسوله صلى الله عليه وسلم , وذلك لرفع ذكره في العالمين , وليكون قدوة لأتباعه المؤمنين في الرضا بقضاء الله تعالى , والصبر الجميل على الأذى .
وقد يمكِّن الله تعالى أهل الباطل من أهل الحق برهة من الزمن فيقومون بالتنكيل بأهل الحق ومحاولة إسكات أصواتهم , ولكن سرعان ماينهار بناؤهم أمام تماسك أهل الحق وصدق تمثيلهم لدينهم , كما قال الله (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ) (آل عمران : 111 )
-----------------------------
([1] ) الفتح الرباني 20/223 .
وذكره الهيثمي وقال : رواه أحمد بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح – مجمع الزوائد 8/228 .
وأخرجه أبو نعيم من طريق ابن عباس رضي الله عنهما دلائل النبوة لأبي نعيم /60 .
وأخرجه الحاكم بنحوه وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه – المستدرك 3/157 .
([2] ) صحيح مسلم رقم 1794 , كتاب الجهاد , صحيح البخاري رقم 2934 كتاب الجهاد .
([3] ) مجمع الزوائد 6/18 .
([4] ) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم .
([5] ) يعنى إلى أبيه .
([6] ) دلائل النبوة لأبي نعيم /162 .
وأخرجه أيضًا الحاكم وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه , وأقره الذهبي – المستدرك 2/539 – وحسن إسناد الحاكم الحافظ ابن حجر – فتح الباري 4/39 - .
([7] ) يعني هل يلصق وجهه بالعفر وهو التراب ويعني بذلك السجود .
([8] ) يعنى أبا جهل .
([9] ) صحيح مسلم , كتاب المنافقين /رقم 2797 ص 2154 .
([10] ) هي امرأة أبي لهب المذكورة في السورة .
([11] ) أي عويل .
([12] ) أي حجر .
([13] ) تريد محمدًا صلى الله عليه وسلم , وهكذا كان الكفار يسمونه على سبيل السخرية .
([14] ) أي أبغضنا .
([15] ) مسند الحميدي 1/153 / 154 , رقم 323 .
وأخرجه أبو عبد الله الحاكم من طريق الحميدي , وذكر مثله , وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه , وأقره الذهبي – المستدرك 2/361 .










توقيع : مسلمة

__________________

عرض البوم صور مسلمة   رد مع اقتباس
قديم 31-07-2009, 12:11 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
مسلمة
اللقب:
عضو فضي
الرتبة


البيانات
التسجيل: Jun 2009
العضوية: 234
المشاركات: 2,498 [+]
بمعدل : 0.46 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
مسلمة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : مسلمة المنتدى : محمد رسول الله
مواقف من صبر الصحابة على الأذى (1)
لقد كانت مواجهة زعماء قريش لدعوة الإسلام عنيفة متواصلة . ولقد ساءهم كثيرًا أن دخل في الإسلام عدد من أشرافهم وأبنائهم , فحاولوا فتنتهم بالتأليف أولاً حيث أغروهم بالأموال والجاه إذا هم تركوا دينهم , فلم ينجحوا معهم في ذلك فلجؤوا إلى محاولة حرمانهم من الأموال والمتاع فلم يثنهم ذلك عن عزمهم على التمسك بدينهم الحنيف .
عند ذلك تحول الكفار إلى فتنة التخويف حيث قاموا بإيذاء المسلمين وتعذيبهم , وقد يبدؤون بفتنة الترهيب قبل المرور بفتنة الترغيب لإدراكهم بأن المسلمين ليسوا طلاب دنيا وأن أي محاولة في ترغيبهم ستبوء بالفشل , أو انطلاقًا من شدة حنقهم على الإسلام ودعاته .
وقد مر بهذه الفتنة أكثر المسلمين سواء في ذلك الأغنياء والفقراء والأحرار والعبيد.
ومن أمثلة ذلك ماذكره ابن سعد من رواية محمد بن عمر الواقدي بإسناده إلى إبراهيم بن محمد بن أبي طلحة قال : قال طلحة بن عبيد الله : حضرت سوق بصرى فإذا راهب في صومعته يقول : سلوا أهل الموسم أفيهم رجل من أهل الحرم ؟ قال طلحة : قلت : نعم أنا . فقال : هل ظهر أحمد بعد ؟ قلت ومن أحمد ؟ قال : ابن عبد الله بن عبد المطلب , هذا شهره الذي يخرج فيه, وهو آخر الأنبياء ومخرجه من الحرم , ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ فإياك أن تسبق إليه.
قال طلحة : فوقع في قلبي ما قال , فخرجت سريعًا حتى قدمت مكة , فقلت: هل كان من حدث ؟ قالوا نعم محمد بن عبد الله الأمين قد تنبأ , وقد اتبعه ابن أبي قحافة , قال: فخرجت حتى دخلت على أبي بكر فقلت : أتَبعت هذا الرجل ؟ قال : نعم فانطلق إليه فاتبعه فإنه يدعو إلى الحق, فأخبره طلحة بما قال الراهب , فخرج أبو بكر بطلحة فدخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم طلحة , وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال الراهب فَسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك , فلما أسلم أبو بكر وطلحة أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية فشدهما في حبل واحد , ولم يمنعهما بنو تيم , وكان نوفل بن خويلد يُدْعَى أسد قريش فلذلك سُمِّي أبو بكر وطلحة القرينين .
ورواه الحاكم والبيهقي من طريق الواقدي بهذا الإسناد .
وذكره ابن كثير والذهبي من هذا الطريق , وسكت هؤلاء الأئمة عنه ([1]) .
وهذه الرواية من طريق الواقدي وقد حكم علماء الحديث عليه بالترك ولكن العلماء اعتمدوا رواياته في السيرة والمغازي , ويكفي إقرار هؤلاء الأئمة : ابن سعد والحاكم والبيهقي وابن كثير والذهبي لهذه الرواية .
ومن ذلك ماجرى للزبير بن العوام رضي الله عنه من تعذيب عمه له كما أخرج الحاكم عن أبي الأسود عن عروة قال : أسلم الزبير بن العوام وهو ابن ثمان سنين وهاجر وهو ابن ثمان عشرة سنة وكان عم الزبير يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه بالنار ويقول : ارجع إلى الكفر فيقول الزبير: لا أكفر أبدًا .
وسكت عنه الحاكم والذهبي ([2]) .
وقال الهيثمي : رواه الطبراني ورجاله ثقات إلا أنه مرسل ([3]) .
وكذلك ماجرى لعثمان بن عفان من تعذيب عمه له كما أخرج ابن سعد بإسناده عن محمد بن إبراهيم بن حارث التيمي عن أبيه قال : لما أسلم عثمان بن عفان أخذه عمه الحَكَم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطًا وقال : أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث ؟ والله لا أحلك أبدًا حتى تدع ماأنت عليه من هذا الدين , فقال عثمان : والله لا أدعه أبدًا ولا أفارقه , فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه ([4]) .
وهكذا جرى التعذيب والإذلال لهؤلاء الكبراء المعروفين في قبيلة قريش من أصحاب النسب الرفيع , ولم يردوا على قومهم الذين آذوهم لأنهم كانوا في المرحلة الأولى التي أمرهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر على الأذى وعدم رد الاعتداء بمثله .
ومن أمثلة الثبات على الدين رغم التعرض للمحن ماجرى لسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه مع أمه , وذلك فيما أخرجه أبو يعلى والطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي قال : إن سعد بن أبي وقاص قال : نزلت في هذه الآية
(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [لقمان :15]
كنت رجلاً برًّا بأمي فلما أسلمت قالت : ياسعد ماهذا الذي أراك قد أحدثت ؟ لَتَدعنَّ دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعيَّر بي فيقال ياقاتل أمه , قلت : يا أُمَّه لاتفعلي فإني لا أدع ديني هذا لشيء , فمكثت يومًا وليلة لاتأكل , فأصبحت قد جهدت,فمكثت يومًا آخر وليلة قد اشتد جهدها, فلما رأيت ذلك قلت يا أمه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ماتركت ديني هذا لشيء فإن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي,فلما رأت ذلك أكلت فنـزلت هذه الآية([5]).
وأخرجه الإمام مسلم بنحوه ضمن حديث طويل ([6]) .
وقد ظهر بهذا إيمان سعد القوي حيث ثبت على دينه ولم يخضع لهذا الابتلاء الذي جعله في خيار بين طاعة الله وطاعة أمه , ففضل طاعة الله جل وعلا .
أما المستضعفون منهم كالموالي فإنهم تعرضوا لأذًى شديد متواصل , واتفق زعماء المشركين على الاستمرار في إيذائهم حتى يظفروا بمن يرجع منهم عن دينه فيكون ذلك نصرًا لهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : ثم إنهم عَدَوا على مَنْ أسلم , واتّبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه , فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين , فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش, وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر , من استضعفوا منهم , يفتنونهم عن دينهم , فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذي يصيبه ومنهم من يَصْلُبُ لهم , ويعصمه الله منهم .
وكان بلال , مولى أبي بكر رضي الله عنهما , لبعض بني جمح , مُولَّدا من مولديهم , وهو بلال بن رباح , وكان اسمه أُمّه حمامة , وكان صادق الإسلام , طاهر القلب , وكان أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جُمَح يخرجه إذا حَميت الظهيرة , فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره , ثم يقول له : لا والله لاتزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد , وتعبد اللات والعزى , فيقول وهو في ذلك البلاء : أحَد أحَد ([7]) .
وأخرج الإمام أحمد والحاكم خبر تعذيب بلال وغيره من المستضعفين , وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي . وكذلك صححه الذهبي في تاريخ الإسلام ([8]) .
وقد ذكر ابن إسحاق رحمه الله أن أبا بكر مرَّ به وهو يعذب فاشتراه من أمية بن خلف الجمحي ثم أعتقه لوجه الله تعالى , وذكر أنه أعتق ستة آخرين من المعذبين وهم : عامر بن فهيرة, وأم عبيس , وزنِّيرة , والنهدية وابنتها وجارية بني مؤمِّل ([9]) .
وأخرج الإمام البيهقي بإسناده عن يونس بن بكير عن هشام بن عروة عن أبيه : أن أبا بكر أعتق ممن كان يُعذَّب في الله سبعة , فذكر منهم "الزِّنِّيرة" قال : فذهب بصرها وكانت ممن يعذب في الله على الإسلام , فتأبى إلا الإسلام , فقال المشركون : ما أصاب بصرها إلا اللات والعزى, فقالت : كلا والله ماهو كذلك , فرد الله عليها بصرها ([10]) .
وفي هذا الخبر دلالة على قوة إيمان الصحابة ووضوح عقيدة التوحيد عندهم وأن ذلك كان حتى على مستوى العامة منهم .
وإن ما أكرم الله تعالى به تلك المرأة المؤمنة من رد بصرها إليها يُعدُّ إرغامًا للكافرين حيث كانوا يعتقدون أن أصنامهم تضر وتنفع من دون الله تعالى .
وهكذا كان أبو بكر ينفق ماله لإنقاذ المسلمين المستضعفين من أيدي الكافرين الطغاة ابتغاء رضوان الله تعالى والدار الآخرة .
وقد أثنى الله تعالى على هذا العمل الصالح بآيات من سورة (الليل) وذلك كما أخرج الحاكم من طريق ابن إسحاق قال حدثني محمد بن عبد الله بن أبي عتيق عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال : قال أبو قحافة لأبي بكر : أراك تعتق رقابًا ضعافًا فلو أنك إذ فعلت مافعلت أعتقت رجالاً جُلْدًا يمنعونك ويقومون دونك , فقال أبو بكر : يا أبت إني إنما أريد ما أريد: لِمَا نزلت هذه الآيات فيه
(فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12)وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13)فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14)
لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15)الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17)الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى (19)إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20)وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21) [الليل:5-21] .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ([11]) .
وذكره السيوطي ونسبه إلى ابن جرير وابن عساكر عن عامر بن عبد الله بن الزبير وذكر نحوه وقال فيه : فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية نزلت فيه (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى...) الآيات ([12]) .
وفي هذه المحاورة بين أبي بكر وأبيه ندرك لونًا من ألوان الفرق بين نظرة أهل الجاهلية ونظرة المسلمين بالنسبة لوجوه إنفاق المال وبذل المعروف , فوالد أبي بكر ينظر إلى مستقبل الحياة الدنيا فيشير على ولده بأن يضع المعروف فيمن يستطيعون نفعه في مستقبل حياته , وهذا مبلغ علمه, فهو لايؤمن بالآخرة , وبالتالي فإنه لايتصور معروفًا يُبذل في الدنيا لَيجني باذله نفعه في الآخرة , ولهذا فإن بذل المعروف في ضعاف الناس الذين لايرجو نفعهم في الدنيا يعدُّ في نظره ونظر أهل الجاهلية من ضعف الرأي وضآلة التفكير , بينما يجيبه أبو بكر بقوله :"يا أبت إنما أريد ماأريد" فإذا كان أهل الجاهلية يريدون قبض ثمن معروفهم في الدنيا فإنه لايريد ذلك , وإنما يريده في الحياة الآخرة طلبًا لرضوان الله تعالى والدرجات العُلَى في الجنة .
وحينما يُحشر الخلائق يوم القيامة وتوزن الأعمال ويكون الحساب يذكر العاملون للدنيا فقط أنهم قد خسروا كل شيء , ويوقنون بأن الذين عملوا للآخرة كانوا أكمل عقلاً وأسد رأيًا منهم .
وإنه ليشبه عمل هؤلاء الذين يعملون لدنيا هم مايقوم به بعض المسؤولين من المسلمين الذين يقدمون المعروف لكبار الناس ممن يرجون نفعهم في الحياة الدنيا ولايريدون ببذل المعروف وجه الله تعالى والدار الآخرة . بينما يقبضون معروفهم عن ضعفاء الناس الذين لايرجون منهم نفعًا دنيويًّا , وإن كان هؤلاء يختلفون عن أهل الجاهلية بكونهم مسلمين ولهم أعمال صالحة أخرى .
إن الذي ينظر في بذل المعروف إلى الكسب الأخروي لايفرق في ذلك بين كبراء الناس وضعفائهم , ولا بين أصحاب المسؤولية ومن هم خلْوٌ منها لأنه لاينتظر منهم وهو يبذل لهم المعروف أن يبادلوه بمثله وإنما ينتظر الأجر والرفعة في الآخرة , وذلك هو الفلاح الأكبر .
ومما ينبغي التنبيه إليه أن والد أبي بكر قد أسلم يوم فتح مكة رضي الله عنهما .
وممن تعرض للأذى عمار بن ياسر وأبوه وأمه رضي الله عنهم .
قال ابن إسحاق رحمه الله : وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وأبيه وأمه – وكانوا أهل بيت إسلام – إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة , فيمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول – فيما بلغني – صبرًا آل ياسر موعدكم الجنة , فأما أمه فقتلوها وهي تأبى إلا الإسلام ([13]) .
وأخرجه الحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي ([14]) .
وذكره الهيثمي وقال : رواه الطبراني ورجاله ثقات ([15]) .
وقد بقيت آثار التعذيب على ظهر عمار بعد ذلك كما روى ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال : أخبرني من رأى عمار بن ياسر متجردًا في سراويل , قال : ونظرت إلى ظهره فإذا فيه حَبَط فقلت : ما هذا ؟ قال: هذا ماكانت قريش تعذبني في رمضاء مكة ([16]) .
وممن تعرضوا للأذى خباب بن الأرَتّ رضي الله عنه , ومن ألوان هذا العذاب ما أخرجه أبو نعيم عن الشعبي قال : سأل عمر خبابًا عما لقي من المشركين , فقال خباب : يا أمير المؤمنين انظر إلى ظهري , فقال عمر : مارأيت كاليوم , قال : أوقدوا لي نارًا فما أطفأها إلا ودك ظهري([17]) .
وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي ليلى الكندي قال : جاء خباب إلى عمر فقال: ادْنُ فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار , فجعل خباب يريه آثارًا بظهره مما عذبه المشركون .
قال البوصيري في الزوائد : إسناده صحيح ([18]) .
وإنما ذكر عمر عمارًا لاشتراكه مع خباب في التعذيب , والرواية الأولى تبين أن خبابًا أظهر آثار التعذيب بعدما سأله أمير المؤمنين عمر عن ذلك رضي الله عنهم أجمعين .
وأخرج الإمام البخاري بسنده عن خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببردة له في ظل الكعبة , فقلنا : ألا تستنصر لنا , ألا تدعو لنا ؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فَيُجَاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه , والله لَيتمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضْرَمَوت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ([19]) .
ومن هذه النماذج العالية نعرف كيف كان الصحابة رضي الله عنهم يضحون بأنفسهم في سبيل هذا الدين ويتحملون أنواع الأذى في سبيل إظهار دعوتهم , حتى ضربوا بذلك أروع الأمثلة لمن جاء بعدهم في الصبر والتضحية , وتقديم مصلحة الدعوة الإسلامية على المصالح الذاتية .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " صبرًا آل ياسر موعدكم الجنة " تحديد للهدف العالي الذي يجب أن يسعى له كل مسلم , فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَعدْهم بقصور الدنيا وبساتينها ونعيمها مع ماكان يعلمه بوحي من الله تعالى من غلبة هذا الدين وانتصار المسلمين على أمم الأرض في المستقبل , لأن هذا ليس هو الهدف السامي الذي شرع الله الإسلام من أجله إنما الهدف السامي هو الذي أثنى الله به جل وعلا على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :(يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) [الفتح :من 29] وهو ماوُعد به آل ياسر في هذا الحديث لأن المراد بالفضل في الآية الجنة .
إنه لو كان الوعد بمتاع الحياة الدنيا الزائل لما هانت على هؤلاء أنفسهم لأن هذا الهدف يستدعي استبقاءهم لأنفسهم حتى يظفروا به , ولما وُجد الشهداء في سبيل الله تعالى إلا قليلاً ولما حصل النصر والتمكين في الأرض للمسلمين .
إن الإسلام يشد المسلمين إلى الآخرة لتهون عليهم الحياة الدنيا , فإذا عرفوا هذا الهدف وطبقوه انتصروا على أعدائهم لأن وصولهم إلى هذا الهدف يستدعي تسابقهم إلى الموت في سبيل الله تعالى , أما أعداؤهم فإن أهدافهم دنيوية قريبة وإن الوصول إليها يستدعي تنافسهم على البقاء, والمنطق الطبيعي في ذلك أن يحاول كل واحد منهم أن يدرأ الخطر عن نفسه ويتقي بغيره , بينما المنطق الطبيعي بالنسبة للمسلمين الذين يعون الهدف السامي أن يفدي كل واحد منهم إخوانه بنفسه ليسبقهم على الوصول إلى الهدف .
ومن هنا كان المسلمون الحقيقيون المدركون لأهداف دينهم المطبقون لمناهجه لايمكن أن يُغلبوا بشكل نهائي وإنما قد يصابون بانتكاسات مؤقتة بسبب أخطاء يرتكبونها ثم يعودون لمحاولة بلوغ الأهداف السامية , كما هو الحال في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
________________________
(1) طبقات ابن سعد 3/214 , المستدرك 3/369 , دلائل النبوة للبيهقي 2/166 , البداية والنهاية 3/28 , تاريخ الإسلام / السيرة / 139 .
(2) المستدرك 3/359 – 360 .
(3) مجمع الزوائد 9/151 .
(4) طبقات ابن سعد 3/55 .
(5)الدر المنثور 5/165 .
(6) صحيح مسلم , فضائل الصحابة 1877 رقم 1748 .
(7)سيرة ابن هشام 1/324 – 325 .
(8) مسند أحمد 1/404 , المستدرك 3/284 , تاريخ الإسلام / السيرة / 217 .
(9) سيرة ابن هشام 1/329 – 326 .
(10)دلائل النبوة للبيهقي 2/282 .
(11) المستدرك 2/525 .
(12) الدر المنثور 6/358 .
(13)سيرة ابن هشام 1/327 .
(14) المستدرك 3/388 .
(15) مجمع الزوائد 9/293 .
(16) سبل الهدى والرشاد 2/360 .
(17) الحلية 1/143 – 144 .
(18) سنن ابن ماجه / المقدمة رقم 153 .
(19)صحيح البخاري رقم 6943 (الفتح 12/315 ) .











توقيع : مسلمة

__________________

عرض البوم صور مسلمة   رد مع اقتباس
قديم 31-07-2009, 12:12 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
مسلمة
اللقب:
عضو فضي
الرتبة


البيانات
التسجيل: Jun 2009
العضوية: 234
المشاركات: 2,498 [+]
بمعدل : 0.46 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
مسلمة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : مسلمة المنتدى : محمد رسول الله
افتراضي

مواقف من صبر الصحابة على الأذى(2)
لقد تنوعت وسائل الأذى من الكفار للمسلمين وكانوا يعاملون كل مسلم حسب مكانته الاجتماعية وعمله , وفي ذلك يقول ابن إسحاق رحمه الله : وكان أبو جهل الفاسق يغري بهم- يعني بالمسلمين – في رجال من قريش , إذا سمع بالرجل قد أسلم , له شرف ومنعة أنَّبه وأخزاه, وقال : تركت دين أبيك وهو خير منك , لَنُسفِّهن حلمك , ولنُفَيِّلنَّ رأيك ([1]) , ولنَضَعَنَّ شرفك. وإن كان تاجرًا قال: والله لنُكَسِّدَنَّ تجارتك , ولنهلكن مالك , وإن كان ضعيفًا ضربه وأغرى به ([2]) .
وهكذا يقف الكفار في مواجهة المسلمين فيقومون بتشويه سمعتهم وإسقاط مكانتهم في المجتمع بكل الطرق التي يرونها مؤثرة , وهم لعدم إيمانهم بالله واليوم الآخر لايتورعون عن مأثم ولايخشون عقوبة على أعمالهم السيئة , فلذلك يبيحون لأنفسهم الكذب والتزوير , ويضللون الرأي العام بأقوال وأخبار مختلقة , يقصدون منها إضعاف معنوية المسلمين .
ومن كان ماله من المسلمين يقوم على التجارة ونحوها مما يقوم على التعامل مع الآخرين فإنهم يحاصرونه ويشوهون سمعته التجارية ويضعون العراقيل في وجهه حتى يفلس في تجارته .
هكذا شأن الكفار والمنافقين في حربهم مع المؤمنين في كل زمن , وقد لايملك المسلمون من وسائل المقاومة إلا الصبر والزهد في الدنيا وانتظار الفرج , فإذا تحققت فيهم هذه الصفات كما توافرت لدى الصحابة رضي الله عنهم فإنهم جديرون بنصر الله تعالى والتمكين في الأرض .
هذا ومما استعمله الكفار ضد المسلمين من الأذى جحود حقوقهم المالية حتى يكفروا بالإسلام, ومن ذلك ماجاء في رواية أخرجها الإمام البخاري رحمه الله من حديث خباب بن الأرتّ رضي الله عنه قال : جئت العاص بن وائل السهمي أتقاضاه حقًّا لي عنده , فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم , فقلت : لا حتى تموت ثم تبعث , قال: وإني لميت ثم مبعوث؟ قلت: نعم , قال: إن لي هناك مالاً وولدًا فأقضيك , فنـزلت هذه الآية (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا) ([3]) .
وقول خباب " لا حتى تموت ثم تبعث " ليس على ظاهره بل المراد منه تبكيت ذلك الكافر, يقول الحافظ ابن حجر في ذلك : مفهومه أنه يكفر حينئذ – يعني بعد البعث – لكنه لم يُرد ذلك لأن الكفر حينئذ لايتصور , فكأنه قال : لا أكفر أبدًا , والنكتة في تعبيره بالبعث تعيير العاص بأنه لايؤمن به ([4]) , ويحتمل أنه أراد تهديده بذلك .
هذا ومما يلاحظ من الأخبار السابقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمنع المسلمين آنذاك من الرد على عدوان الأعداء ويأمرهم بالصبر على الأذى لأن وضعهم لم يكن يسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم بالقوة , ولاشك أن وراء أمرهم بالصبر حكَمًا عظيمة .
ولقد حاولت أن ألتمس شيئًا من هذه الحكم , ولكني وجدت أن ماسطره الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى أبلغ وأشمل مما كتبته بكثير فرأيت اقتباس ماكتبه في هذا الموضوع لأهميته , يقول رحمه الله تعالى :
أما حكمة هذا فلسنا في حلٍّ من الجزم بها , لأننا حينئذ نتألَّى على الله مالم يبين لنا من حكمة, ونفرض على أوامره أسبابًا وعللا , قد لاتكون هي الأسباب والعلل الحقيقية , أو قد تكون ولكن يكون وراءها أسباب وعلل أخرى لم يكشف لنا عنها , ويعلم سبحانه أن فيها الخير والمصلحة .. وهذا هو شأن المؤمن أمام أي تكليف , أو أي حكم في شريعة الله لم يبين الله سببه محددا جازما حاسما فمهما خطر له من الأسباب والعلل لهذا الحكم أو لذلك التكليف, أو لكيفية تنفيذ هذا الحكم أو طريقة أداء ذلك التكليف , مما يدركه عقله ويحسن فيه , فينبغي أن يعتبر هذا كله مجرد احتمال . ولايجزم – مهما بلغت ثقته بعلمه وعقله وتدبره لأحكام الله- بأن ما رآه هُوَ حكمةً , هو الحكمةُ التي أرادها الله .. نصا .. ,ليس وراءها شيء , وليس من دونها شيء ! فذلك التحرج هو مقتضى الأدب الواجب مع الله . ومقتضى مابين علم الله ومعرفة الإنسان من اختلاف في الطبيعة والحقيقة .
وبهذا الأدب الواجب نتناول حكمة عدم فرض الجهاد في مكة وفرضيته في المدينة .. نذكر مايتراءى لنا من حكمة وسبب .. على أنه مجرد احتمال .. وندع ماوراءه لله . لانفرض على أمره أسبابًا وعللا , لايعلمها إلا هو .. ولم يحددها هو لنا ويطلعنا عليها بنص صريح!
إنها أسباب .. اجتهادية .. تخطيئ وتصيب . وتنقص وتزيد . ولانبغي بها إلا مجرد تدبر أحكام الله . وفق ما تظهره لنا الأحداث في مجرى الزمان .
"أ" ربما كان ذلك لأن الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد , في بيئة معينة , لقوم معينين , وسط ظروف معينة . ومن أهداف التربية والإعداد في مثل هذه البيئة بالذات , تربية نفس الفرد العربي على الصبر على ما لا يصبر عليه عادة من الضيم يقع على شخصه أو على من يلوذون به. ليخلص من شخصه , ويتجرد من ذاته , ولاتعود ذاته ولا من يلوذون به , محور الحياة في نظره, ودافع الحركة في حياته .. وتربيته كذلك على ضبط أعصابه , فلا يندفع لأول مؤثر – كما هي طبيعته – ولا يهتاج لأول مهيج . ليتم الاعتدال في طبيعته وحركته .. وتربيته على أن يتبع مجتمعا منظمًا له قيادة يرجع إليها في كل أمر من أمور حياته , ولايتصرف إلا وفق ما تأمره – مهما يكن مخالفًا لمألوفه وعادته – وقد كان هذا هو حجر الأساس في إعداد شخصية العربي , لإنشاء "المجتمع المسلم " الخاضع لقيادة موجهة , المترقي المتحضر , غير الهمجي أو القبلي .
"ب" وربما كان ذلك أيضًا , لأن الدعوة السلمية أشد أثرًا وأنفذ في مثل بيئة قريش , ذات العنجهية والشرف , والتي قد يدفعها القتال معها – في مثل هذه الفترة – إلى زيادة العناد وإلى نشأة ثارات دموية جديدة , كثارات العرب المعروفة , التي أثارت حرب داحس والغبراء , وحرب البسوس – أعوامًا طويلة , تفانت فيها قبائل برمتها – وتكون هذه الثارات الجديدة مرتبطة في أذهانهم وذكرياتهم بالإسلام , فلا تهدأ بعد ذلك أبدا . ويتحول الإسلام من دعوة إلى ثارات وذحول تنسى معها فكرته الأساسية , وهو في مبدئه فلا تذكر أبدًا !
"ج" وربما كان ذلك أيضًا , اجتنابًا لإنشاء معركة ومقتلة في داخل كل بيت . فلم تكن هناك سلطة نظامية عامة , هي التي تعذب المؤمنين وتفتنهم . إنما كان ذلك موكولا إلى أولياء كل فرد , يعذبونه هم ويفتنونه ويؤدبونه ! ومعنى الإذن بالقتال – في مثل هذه البيئة – أن تقع معركة ومقتلة في كل بيت .. ثم يقال : هذا هو الإسلام ! ولقد قيلت حتى والإسلام يأمر بالكف عن القتال ! فقد كانت دعاية قريش في الموسم , في أوساط العرب القادمين للحج والتجارة : إن محمدا يفرق بين الوالد وولده , فوق تفريقه لقومه وعشيرته ! فكيف لو كان كذلك يأمر الولد بقتل الوالد , والمولى بقتل الولي .. في كل بيت وكل محلة ؟
"د" وربما كان ذلك أيضًا , لما يعلمه الله من أن كثيرين من المعاندين الذين يفتنون أوائل المسلمين عن دينهم , ويعذبونهم ويؤذونهم , هم بأنفسهم سيكونون من جند الإسلام المخلص , بل من قادته . ألم يكن عمر بن الخطاب من بين هؤلاء ؟!
"هـ" وربما كان ذلك , أيضًا , لأن النخوة العربية , في بيئة قبلية , من عادتها أن تثور للمظلوم , الذي يحتمل الأذى , ولايتراجع ! وبخاصة إذا كان الأذى واقعًا على كرام الناس فيهم.. وقد وقعت ظواهر كثيرة تثبت صحة هذه النظرة – في هذه البيئة – فابن الدَّغِنَّة لم يرض أن يترك أبا بكر – وهو رجل كريم – يهاجر ويخرج من مكة , ورأى في ذلك عارًا على العرب ! وعرض عليه جواره وحمايته .. وآخر هذه الظواهر نقض صحيفة الحصار لبني هاشم في شعب أبي طالب, بعد ما طال عليهم الجوع واشتدت المحنة .. بينما في بيئة أخرى من البيئات ذات الحضارة القديمة التي مردت على الذل , قد يكون السكوت على الأذى مدعاة للهزء والسخرية والاحتقار من البيئة , وتعظيم المؤذي الظالم المعتدي !
"و" وربما كان ذلك أيضًا , لقلة عدد المسلمين حينذاك , وانحصارهم في مكة . حيث لم تبلغ الدعوة إلى بقية الجزيرة . أو بلغت أخبارها متناثرة , حيث كانت القبائل تقف على الحياد , من معركة داخلية بين قريش وبعض أبنائها , حتى ترى ماذا يكون مصير الموقف .. ففي مثل هذه الحال قد تنتهي المعركة المحدودة , إلى قتل المجموعة المسلمة القليلة , حتى ولو قتلوا هم أضعاف من سيقتل منهم , ويبقى الشرك , وتنمحي الجماعة المسلمة . ولم يقم في الأرض للإسلام نظام , ولا وجد له كيان واقعي .. وهو دين جاء ليكون منهج حياة , وليكون نظامًا واقعيًّا عمليًّا للحياة .
"ز" في الوقت ذاته لم يكن هناك ضرورة قاهرة ملحة , لتجاوز هذه الاعتبارات كلها , والأمر بالقتال ودفع الأذى . لأن الأمر الأساسي في هذه الدعوة كان قائمًا – وقتها – ومحققا .. هذا الأمر الأساسي هو وجود الدعوة .. وجودها في شخص الداعية - صلى الله عليه وسلم - وشخصه في حماية سيوف بني هاشم , فلا تمتد إليه يد إلا وهي مهددة بالقطع ! والنظام القبلي السائد يجعل كل قبيلة تخشى أن تقع في حرب مع بني هاشم , إذا هي امتدت يدها إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فكان شخص الداعية من ثم محميًّا حماية كافية .. وكان الداعية يبلغ دعوته – إذن – في حماية سيوف بني هاشم ومقتضيات النظام القبلي , ولايكتمها , ولايخفيها , ولايجرؤ أحد على منعه من إبلاغها وإعلانها, في ندوات قريش في الكعبة , ومن فوق جبل الصفا , وفي اجتماعات عامة .. ولايجرؤ أحد على سد فمه ! ولايجرؤ أحد على خطفه وسجنه أو قتله ! ولايجرؤ أحد على أن يفرض عليه كلاما بعينه يقوله , يعلن فيه بعض حقيقة دينه , ويسكت عن بعضها . وحين طلبوا إليه أن يكف عن سب آلهتهم وعيبها لم يكف . وحين طلبوا إليه أن يسكت عن عيب دين آبائهم وأجدادهم وكونهم في جهنم لم يسكت . وحين طلبوا إليه أن يُدْهن فيدهنوا . أي أن يجاملهم فيجاملوه , بأن يتبع بعض تقاليدهم ليتبعوا هم بعض عبادته , لم يدهن .. وعلى الجملة كان للدعوة وجودها الكامل , في شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محروسًا بسيوف بني هاشم – وفي إبلاغه لدعوة ربه كاملة في كل مكان وفي كل صورة .. ومن ثم لم تكن هناك الضرورة القاهرة لاستعجال المعركة والتغاضي عن كل هذه الاعتبارات البيئية التي هي في مجموعها , مساندة للدعوة ومساعدة في مثل هذه البيئة ([5]) .
وربما كان من الحِكَم في ذلك أن يظهر للأعداء عظمة هذا الدين , وأنه هو الدين الحق لما يتمثل به أتباعه من الصبر الطويل على الأذى , والمقدرة الفائقة على ضبط النفس, حيث يتساءل الأعداء عن السر الكامن وراء الصبر والثبات , فلا يجدون إجابة على تساؤلاتهم إلا بالتفكير في هذا الدين العظيم الذي كان وراء هذا الصمود العجيب والصبر الجميل .
هذا وقد اضطر بعض المعذبين من الصحابة للاستجابة لفتنة الكفار ظاهرًا وموافقتهم على قول مايطلبونه منهم للتخلص من تعذيبهم , كما قال ابن إسحاق رحمه الله : وحدثني حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير قال : قلت لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما : أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب مايعذرون به في ترك دينهم ؟ قال: نعم والله , إن كانوا ليضربون أحدهم حتى مايقدر على أن يستوي جالسًا من شدة الضر الذي نزل به , حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة ([6]) .
وهكذا كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يتعرضون في ذلك العهد لأنواع من التعذيب هي فوق احتمال البشر , مما حمل بعضهم مع قوة إيمانهم على موافقة المشركين ظاهرًا فيما ألزموهم بقوله مما يتنافى مع الإسلام .
وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم أولئك المعذبين على اتقاء عذاب المشركين بإظهار مايريدون منهم , ومن أدلة ذلك ما أخرجه الإمام الطبري من حديث أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى قاربهم ([7]) في بعض ماأرادوا , فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كيف تجد قلبك ؟ قال: مطمئنا بالإيمان , قال النبي صلى الله عليه وسلم فإن عادوا فعد.
ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ([8]) [النحل :106] .
وهذا يعدُّ رخصة للمسلمين الذين يتعرضون للبلاء الشديد على يد الكفار , فمن ثبت وراغم الكفار كما فعل بلال فهو أفضل , ومن أخذ بالرخصة كما فعل عمار فإنه لا إثم عليه مادام قلبه مطمئنًا بالإيمان , ولله الحمد والفضل .
وفي قولـه صلى الله عليه وسلم " كيف تجد قلبك ؟ " دلالة على أهمية صيانة الفكر من أن يتطرق إليه شيء من الشبهات التي يثيرها الكفار .
إن هؤلاء المعذبين قد استطاع الكفار أن يثخنوا في أجسادهم وأن يُلجئوا بعضهم إلى قول مالا يعتقدون , ولكنهم لم يستطيعوا أبدا أن يهيمنوا على عقولهم وأفكارهم .
إن الفكر حصن حصين وهبه الله تعالى للإنسان , فلا يستطيع البشر مهما أوتوا من قوة أن يطلعوا على أسراره وخفاياه , ولا أن يهيمنوا عليه فيغيروا من معتقده .
إن الطغاة الجبابرة يستطيعون أن يفعلوا في أجساد المؤمنين المعذبين ماشاؤوا وأن ينتزعوا من بعضهم مايريدون من اعترافات , ولكنهم لايستطيعون أن يتحكموا في أفكارهم , وهذا من أبرز علامات الفشل والعجز , لأن تغيير الأفكار هو المقصود الأول من وراء ذلك التعذيب .
--------------------------
([1] ) يعني لنخطئن رأيك .
([2] ) السيرة النبوية لابن هشام 1/328 .
([3] ) صحيح البخاري التفسير , سورة مريم /3 رقم 4732 وتكملة الآيات : (أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79)وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا) (80) سورة مريم مريم / 77 – 80 .
([4] ) فتح الباري 8/430 .
([5] ) في ظلال القرآن 2/452 , سورة النساء /77 .
([6] ) سيرة ابن هشام 1/328 .
([7] ) في تفسير الطبري "باراهم" وأثبت مافي تفسير ابن كثير المنقول من الطبري لأنه هو الموافق لسياق الخبر – تفسير ابن كثير 2/637 .
([8] ) تفسير الطبري 14/182 .









توقيع : مسلمة

__________________

عرض البوم صور مسلمة   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مواقف, النبي


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مواقف من الآخرة المحررة الاناشيد الاسلامية والادعية والابتهالات 7 26-10-2009 08:56 AM
مواقف ضحك فيها النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم . المحررة منتدى الترفيه والتسليه 2 08-09-2009 07:36 PM
مواقف من الآخرة المحررة الاناشيد الاسلامية والادعية والابتهالات 2 31-08-2009 12:02 PM
مواقف هزت الوجدان مسلمة منتدى المواضيع العامة 0 26-07-2009 11:29 PM
مواقف طريفه اضحكت النبي خولة محمد رسول الله 7 21-07-2009 07:33 PM


الساعة الآن 07:08 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir