عرض مشاركة واحدة
قديم 10-06-2018, 04:33 AM   المشاركة رقم: 22
المعلومات
الكاتب:
اسد الاطلس الموري
اللقب:
مدير عام
الرتبة


البيانات
التسجيل: Jan 2017
العضوية: 29658
المشاركات: 2,810 [+]
بمعدل : 1.07 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
اسد الاطلس الموري غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : اسد الاطلس الموري المنتدى : الحضارة الاسلامية
افتراضي

خامسا: التطورات اللاحقة على جامع القرويين
لم يبق مسجد وجامع القرويين على المساحة والحالة التعليمية اللتان كان عليهما عند التأسيس، وإنما ظل يتطور ويتوسع، جيلا بعد جيل، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون.
وكان أول تعديل أو إصلاح حقيقي أُدخل على القرويين، بعد حوالي تسعين عاما من تأسيسه. إذ أنه " لما كان عهد الزناتيين، وازداد سكان مدينة فاس، زاد عليه الأمير الزناتي عام 322هـ / 934 م. زيادات كبيرة من جهاته الثلاث الشرقية والغربية والشمالية، وأدخلت عليه بعض الإصلاحات[50] "
وكان ذلك – بدعم وتمويل من حلفائهم الأمويين سادة الأندلس، وخليفتهم الأول عبد الرحمن الثالث الناصر لدين الله (300-350هـ=912-961م )[51] "
ثم أوسع في خطته المنصور بن أبي عامر المعافري، وجلب إليه الماء وأعذّ له السقاية والسلسلة بباب الحفـاة منـه[52] ". ‏
وسبب اهتمام الأمويين حكام الأندلس بهذا المسجد والمؤسسة التعليمية، هو الدور الذي كان يقوم به في مكافحة المد الإسماعيلي الشيعي، والنفوذ السياسي الفاطمي، ومنعهما من التغلغل في أنحاء المغرب الأقصى، القريبة من الأندلس.
وكان الفاطميون قد جعلوا من جامعي القرويين والأندلسيين مركزا للدعاية لمذهبهم، وكانت فأس مركزاً للصراع بين الأمويين سادة الأندلس وحلفاؤهم ، من جهة والفاطميين، سادة المهدية في تونس ثم القاهرة بعد ذلك ، وحلفاؤهم ، من جهة أخرى، قبل أن يتم طرد الفاطميين من فأس ومن القرويين على يد عبد الرحمن الناصر خليفة الأندلس الأول القوي، وحلفاؤه الزناتيون.
وظلت المدينة تحت سيطرة الأمويين في الأندلس لمدة تزيد على الثلاثين عاما، وتمتعت المدينة خلال تلك المدة بالازدهار. وعندما غابت شمس الخلافة الأموية بقرطبة وقعت مدينة فاس تحت سيطرة أمراء زناته الذين كانوا على خلاف مستمر فيما بينهم[53] .
ومع ذلك فقد لعب هذا المسجد والمركز العلمي دورا تاريخيا مجيدا في الحفاظ على روح الإسلام وعلى نقاء عقيدة التوحيد، من غلو الخوارج وذوي الأهواء والجهالة، ومن روافض الشيعة وأصحاب العقائد والديانات المارقة، التي انتشرت بشكل ملحوظ في أنحاء المغرب، ومنها مدينة فأس نفسها، في العصر الوسيط.
وذلك في الحقبة التي سبقت قيام دولة المرابطين وانتشار دعوتهم السنية السلفية الإصلاحية المجددة ( 448- 541هـ)، والتي كنست تلك الحركات الهدامة، وطهرت المغرب من شرورهم وفسادهم، وأعادت المناطق التي كانت تحت سيطرتهم إلى مذهب أهل السنة والجماعة.
ويمكن القول إن المرابطين لعبوا دورا لا يستهان به في تنقية الإسلام المغاربي من شوائبه الوثنية والمسيحية. كما أن دعوتهم إلى المالكية كان لها بالغ الأثر في انقراض المذهب الشيعي وبقاء المذهب الخارجي مذهب أقلية محاصرة[54] .
ولما كان المغرب كالأندلس ، يعتبر ثغرا للإسلام في أقصى الغرب فقد حرص المرابطون على الاكتفاء بسياسة المذهب الواحد وهو المذهب المالكي الذي قامت عليه دولتهم، فتمسكوا به واتخذوه أساسا في كل ما يرجعون إليه من أمور دينية ودنيوية[55]
كما كان لتأسيس جامع القرويين سنة (245هـ) كمركز إشعاع علمي وثقافي الفضل في تطوير وترسيخ دعائم وأركان ( هذا ) المذهب، وإعداد نخبة من العلماء خدموا المذهب تأصيلا وتفريعا وتنظيرا[56] .
وكان الأندلس قد سبق المغرب في هذا المضمار منذ أيام هشام بن عبد الرحمن الأموي في القرن الهجري الثاني.[57] "
ولا شك أن هذه السياسة، قد حفظت لهذه الثغور الإسلامية سلامتها ووحدتها الروحية فكانت لذلك درعا حاميا للإسلام في أقصى الغرب[58] "
وقد كان لجامع القرويين فضل كبير في نشر العقيدة الأشعرية واستمرار وجودها بالمغرب، إذ كانت محل عناية شيوخه الذين كانوا يقومون على تدريسها ويؤلفون في شرحها وتحليلها إلى عهد قريب.. هكذا حافظ المغاربة على هذا الفكر السني السلفي التوفيقي المعتدل، دون مبالغة في الخوض العقدي، ودون تعمق في تأويل الصفات، ولكنهم في نفس الوقت لا ينكرون وظيفة العقل ولا يرفضون العقلنة السليمة والمعتدلة[59] .
وشهدت فاس تطورا عمرانيا واقتصاديا في عهد يوسف بن تاشفين خلال القرن الحادي عشر الميلادي[60] .
ويمكن القول أنه في عهد المرابطين ولد القرويين من جديد، فقد " أولوا الجامع عناية كبيرة فزاد فيه الأمير علي بن يوسف المرابطي زيادة كبيرة وأعاد بناء أبواب الجامع، كما وضعت القباب الصغيرة المزخرفة في سقف رواق المحراب[61] " ، " قام المرابطون بإجراء إضافات على المسجد فغيروا من شكل المسجد الذي كان يتسم بالبساطة في عمارته وزخرفته وبنائه، إلا أنهم حافظوا على ملامحه العامة.
أبرز ما تركه المرابطون في المسجد هو المنبر الذي لا يزال قائما إلى اليوم[62] " ." ويُعدّ تحفةً نادرةً من التّحف الإسلامية العريقة.[63] "
وازداد هذا التطور في عهد الموحدين خلال القرنين الثاني (عشر) والثالث عشر[64] الميلاديين، حيث تحول مسجد القرويين فيها إلى جامعة ومركز للتيارات الفكرية والدينية[65] ·
وفي عهد الموحّدين تمّ نصب الثّريا الكبرى التي ما تزال إلى اليوم شاهدة على الحضارة الموحدّية وروعة الفن والإبداع المغربي[66] . "
واستمرت الأنشطة الدينية تقام بجامع القرويين منذ نشأته، وكلما تطورت مدينة فاس عمرانيا انصبت جهود المؤمنين والمحسنين فيها على الاهتمام بالمسجد الجامع توسعة وصيانة وحفظا. فصار عبر التاريخ المغربي قطبًا ومنارةً لمساجد الدولة المغربية، نظراً لإشعاعه الروحي المتواصل وتوجيهه للحياة الدينية والعلمية عبر أرجاء المغرب[67] .
وهكذا" زخرت القرويين بروائع الفن المزدوج الأندلسي والمغربي الذي بلغ ذروته في القرن الخامس الهجري، فيه رقة ورشاقة الفن الأندلسي وهيبة ورزانة الحرف المغربية[68] .
ويعد هذا المسجد عنوانا للفن المعماري الذي احتفظ بمظهره ومكانته من عهد إلى عهد ومن دولة إلى أخرى[69] . وما زالت بناية القرويين ت ُ قاوم قساوة الطبيعة منذ أكثر من أحد عشر قرنا[70] . وما يزال البناء القديم (...) يحتفظ بالطابع القيرواني، وما تزال الصومعة القروية التي بنيت في عهد الزناتيين سنة 340 هـ تحتفظ بالشكل القيرواني أيضاً[71] .
وقد خص المغاربة جامعة القرويين ببناءات إضافية بجانبه كالمدرسة لإيواء الطلبة والمرصد الفلكي وخزانة (مكتبة) والكُتّاب لتعليم الأطفال ومقصورة القاضي[72] .
وكتب المؤرخ المغربي ابن أبي زرع في كتابه «الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس» فصلاً طويلاً عن جامع القرويين وما أضيف إليه في كل عهد منذ تأسيسه حتى وقت تأليف الكتاب في 726هـ/ 1326م[73] .
وقد أدى هذا التشجيع للحركة العلمية أن توفرت البلاد على عدد كبير من المدارس، وتقدمت حركة التأليف والتدريس تقدماً مدهشاً رفع المغاربة إلى مصاف قادة الفكر في العالم الإسلامي، وبرز ذكاؤهم وتفننهم في سائر الفنون والمعارف من فلسفة وطب وعلوم لسانية ودينية[74] .
***
سادسا: تحول القرويين إلى جامعة متى ؟ وكيف؟
لم تمض فترة طويلة على إنشاء الجامع ووضع منبر خطبة الجمعة به، حتى رافق ذلك بروز حلقات ومجالس علمية محدودة تلقى من خلالها دروس علمية في شتى العلوم والفنون، يلقيها نخبة من علماء مدينة فاس في الصباح والمساء وبين العشاءين، الأمر الذي حول الجامع من مسجد تقام فيه الصلوات إلى مركز علمي ذي إشعاع ما فتئ يتعاظم ويكبر لينافس بذلك المراكز العلمية الذائعة الصيت بقرطبة وبغداد وغيرهما[75] .
ولقد كانت الشخصية العلمية المغربية بارزة في جامع القرويين في العصر الإدريسي. وفي كتاب القاضي عياض «أزهار الرياض» ما يدل على أن مدرسة فاس الفقهية كان لها أسلوب خاص في تحليل «المدونة» على طريقة خاصة تعتمد على المناقشات اللفظية وضبط الروايات وتصحيحها[76] .
والمدونة – للتذكير- عبارة عن أسئلة وأجوبة عن مسائل الفقه التي وردت للإمام مالك بن أنس ، وتنسب أحيانا إلى سحنون ،لأنه رواها ، فيقال مدونة سحنون.
ولقد كان الأهم في الإصلاحات التي قام بها المرابطون على القرويين – والتي ألمعنا إلى ذكر بعض منها في الفقرة السابقة- هي تشجيعهم ورعايتهم للتعليم الديني في القرويين. وقد قام العديد من علمائهم باتخاذ المسجد مقرا لدروسهم.
وقد عرف العهد المرابطي نزوح كثير من العلماء وطلبة العلم إلى مدينة فاس بعد أن ذاع أمر القرويين بها، واشتهرت فاس كعاصمة علمية تُشَد إليها الرحلة لطلب العلم من داخل المغرب وخارجه[77] .
وفي العهد الموحدي دعا المهدي بن تومرت ويعقوب المنصور الموحدي إلى بناء المساجد وتعمير وترميم ما تهدم منها، فضلا على بناء الحمامات والفنادق والحوانيت وتحبيسها على مساجد فاس وخاصة القرويين[78]
وقد: كانت الدراسة مركزة بجامع القرويين في العصر الموحدي[79] ،حيث تحول مسجد القرويين فيها إلى جامعة ومركز للتيارات الفكرية والدينية[80] ·
ومن مظاهر جامعية فاس الموحدية ارتفاع عدد الرحالين إليها لأخذ العلم بها عما كان عليه الحال في العهد المرابطي[81] "
ويمكن القول بأن القرويين قد انتقلت ابتداء من العصر المرابطي من مرحلة الجامع إلى مرحلة البداية الجامعية، لأن المرحلة الجامعية المكتملة حسب النصوص المتوفرة لم تنضج بصورة كاملة سوى في العصر المريني عندما عُزِّز جامع القرويين بمجموعة من المدارس والكراسي العلمية والخِزانات[82] ( المكتبات ).
كما يذكر لبني مرين أنهم: " أطلقوا العنان والحرية للناس للتعبير واعتناق ما رغبوا في اعتناقه من المذاهب والأفكار[83] مادامت منسجمة مع آداب الإسلام ومع القواعد والثوابت الشرعية.
وقد ساهم الوضع الجديد في (عودة الفقهاء إلى بحث الفروع ووضع المطولات والمختصرات على نطاق واسع) ، كما وسع الفقهاء أفقهم الفكري، وساد النقد وعمت مجالس العلم، وانتشرت المدارس وكثرت الخِزانات العلمية الموقوفة على الجوامع والمدارس ولا سيما خزانة القرويين، وضمنت الدولة معاش الأساتذة وهيأت الإيواء للطلاب، كل ذلك جعل دولة بنو مرين تحمل لقب دولة العلم والحضارة والعمران[84] .
كما يوصف العهد المريني بـ" إنه العهد الذي عرف خلاله المغرب أكبر العقول وأهم الكتب في التاريخ والحضارة[85] "
ومن أهم العوامل التي ساهمت في ذلك الازدهار التعليمي في القرويين وغيرها في العهد المريني " أن بعض سلاطين وأمراء بني مرين خلال تلك الفترة كانوا على قدر من الفكر والثقافة،حيث كانوا يعقدون المجالس العلمية ويحضرونها، كما كانوا يساهمون بآرائهم فيما كان يدور فيها من المذاكرة والمناقشة والمناظرة. وقد عُرف عن أولئك السلاطين تقديرهم لرجال الفكر ورفعهم لمكانتهم، فهذا أبو يوسف -كما يذكر علامة المغرب سيدي محمد المنوني يرحمه الله- "عاهل الدولة، كان من عادته بعد صلاة الصبح أن تقرأ بين يديه - إلى وقت الضحى- كتب السير والقصص وفتوح الشام، فيستمع إليها، ويناقش الحاضرين في مشكلاتها. وفي ليالي رمضان يسمر مع العلماء ليذاكرهم في فنون العلم إلى ثلث الليل الأخير…"وجاء عن "ابنه أبي مالك عبد الواحد أنه كان محباً للأدب والتاريخ ذاكراً للكثير من ذلك، مقرباً للعلماء والفقهاء، عارفاً بأنساب بني مرين وسائر قبائل زناتة، ذاكراً لأيامهم وحروبهم، يجالس أهل العلم والفقه والأدب ويناظرهم. ولم يتدخل بنو مرين في توجيه الفكر المغربي توجيهاً معاكساً، وإنما تركوا لمن يهمهم الأمر حرية الاختيار، وكان لهذا الموقف أثره في نهضة الفقه المالكي خلال هذه الفترة .وإلى جانب ذلك كان هناك عامل آخر لا تخفى أهميته وهو العامل الأندلسي. فقد جاء استتباب الأمر للمرينيين قريباً من سقوط القواعد الأندلسية، فانتقلت مجموعات كبيرة من أعلامها وعلمائها إلى بلاد المغرب الأقصى، وساهمت بدورها في تنشيط الحياة الثقافية والعلمية في حواضر المغرب الكبرى كفاس ومكناس ومراكش[86] . فأصبحت فاس بذلك قبلة أنظار الملوك والأمراء ومهبط السفراء والكتاب ومحط كبار العلماء والأدباء ومأوى أرباب النبوغ من أهلها ومن الآفاق[87] .
وكان يقصدها طلبة العلم من كل المدن المغربية، والأندلس وأفريقيا، لتلقي علوم التفسير والحديث والفقه الأصول، وعلوم الفلك والطب والهندسة، وعلوم اللغة العربية من شعر وأدب[88] ، ونحو وبلاغة ، وذلك في جامعتها القرويين التي ذاع صيتها ، وأصبحت أشهر من نار على علم.
***
سابعا: نظام التعليم العالي في جامعة القرويين
"تميزت جامعة القرويين منذ نشأتها بشروط وضعتها لالتحاق الطلبة بها، فكان يجب على الطالب أن ينهي دراسته بأحد الكتاتيب حتى يلم بمبادئ الدين وقواعد اللغة العربية، ومنها: أن يكون حافظا للقرآن والرسم والتجويد إلى جانب متون في مبادئ بعض العلوم الدينية والعقلية[89] .
وكانت جامعة القرويين– كما قال الدكتور عبد الهادي التازي – لها روافد علمية متينة وقوية في شتى صنوف العلم تتطلب قدرات خاصة من طالب العلم[90] .
وتميزت فاس بمدارسها التي بنيت حول جامع القرويين وانتشرت في أنحاء المدينة خصوصا في القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي على يد العديد من الأمراء،(...) وكانت هذه المدارس تدرس فيها العلوم الابتدائية، بدءا من القرآن والكتابة والقراءة إلى مبادئ الحساب وغيرها ثم يلتحقون بعدها بالجامعة[91] .
ومن تلك المدارس – على سبيل المثال - المدرسة البوعنانية التي أسسها السلطان أبو عنان المريني ما بين 1350-1355، وهي من أشهر مدارس فاس والمغرب[92] .
وكان الطلاب يسكنون في مبانٍ ملحقة بجامع القرويين، وكل مبنى من هذه المباني يتسع لعدد من الطلبة يتراوح ما بين ستين ومائة وخمسين طالبا، ويزود الطالب يوميا بوجبة من الخبز وبمياه الشرب، ويشاركه في غرفته طالب أو أكثر من زملائه[93] .
ولم يكن هناك فصل بين المعارف والفنون أو تقسيم التعليم إلى ما هو ديني وما هو دنيوي، بل كانت جامعة القرويين جامعة بين علوم الدنيا والدين في مزاوجة رائعة تجعل الخريج عارفاً بتطورات الحياة ومتغيراتها ملما بآفاق مختلف العلوم وامتداده[94] .
أما عن الهيكل الإداري للجامعة فقد كانت رئاسة الجامعة تسند إلى قاضي مدينة فاس الذي يمنح الأساتذة الكراسي العلمية بعد الرجوع للسلطان ويراقب ناظر الأوقاف ويصدق على الميزانية، وإليه يرجع الرأي الأخير في الإصلاحات التي تدخل على مباني المسجد وتسمية الأئمة والخطباء والمدرسين ورجال الحسبة. ويلي هذه الوظيفة وظيفة القيم، وهي تقابل وظيفة رئيس القسم اليوم، فكان هناك قيم على كتب الفنون، وقيم على كتب التفسير، أو الأدب وغير ذلك[95] .
وكانت مدة الدراسة في جامعة القرويين تستغرق بين خمسة عوام و15 عاما وكان الطلاب يختارون بمحض إرادتهم أساتذتهم كل أستاذ حسب اختصاصه في مادة أو أكثر فيجلسون في حلقات حول الأستاذ الذي كان يستند بظهره إلى سارية من سواري المسجد[96] .
أما الهيئة التعليمية للجامعة فقد:كانت منقسمة إلى خمس طبقات ترتيبية،وللانتقال من إحداهما إلى الأخرى كانت الطريقة هي ذاتها المتبعة للإحراز على منصب أستاذ رسمي[97] .
يقول الدكتور حسن الإبراهيم واصفاً الدور العلمي الكبير لجامع القرويين في بث العلم ونشر المعرفة وإحياء الدين: وحول حيطان الجامع كراسي منصوبة مختلفة الأشكال، يجلس عليها العلماء المدرسون، الذين يعلمون الناس أمور دينهم ودنياهم، ويبدءون دروسهم قبل طلوع الشمس بساعة وينتهون في الساعة الواحدة بعد الزوال، وفي الصيف يبدءون في الساعة الثامنة مساء وينتهون في الساعة الواحدة والنصف صباحا. ويقومون بتدريس العلوم الدينية والعقلية والاجتماعية ويتقاضون رواتب عالية فوق ما يصرف لهم من الكتب والشمع للقراءة ليلا[98] .
ويذكر أنه : كان من عادة الطلبة، بجامع القرويين بفاس، أن يحتفلوا في عطلتهم الربيعية بعيدهم المسمى (سلطان الطلبة)، الذي قيل أن المولى رشيد، مؤسس الدولة العلوية، هو الذي سنّه لهم. في الحفل ينصب الطلبة واحدا منهم، سلطانا عليهم، يعترف به السلطان الرسمي للبلاد مدة أسبوع، وتكون لسلطان الطلبة نفس مظاهـر الأبهة والاحترام، ويحيط به الحجاب والحراس الذين يبعث بهم السلطان الرسمي، وعند نهاية مظاهر الاحتفـال يعود سلطــان الطلبـة إلى دراسته[99] .
***
ثامنا: ولاية كراسي التعليم في جامعة القروين
ومنذ عام 651هـ - 1253 م. أخذت الجامعة بنظام الكراسي العلمية[100] . وذلك: عند ازدهار الفكر والثقافة واتساع مجالات العلوم[101] في العهد المريني.
وكراسي القرويين هي مناصب لتدريس علوم أو كتب معينة، يجري عليها راتب من ريع أوقاف محبسة عليها (...)، وكان مبدأ ظهورها – أي الكراسي الدراسية - بجامع القرويين، للاستعانة بها على تلقين الطلبة العلم، خاصة عندما يكثر عددهم [102] . فأنشأ أول كرسي للأستاذية لدروس التفسير، ثم توالى إنشاء الكراسي العلمية منذ ذلك الوقت، وخصص كل منها لمادة من مواد الدراسة، فكان هناك كرسي للفقه وآخر للحديث وثالث للنحو. وهو تقليد علمي وجد في الشرق أيضا، ومن هذا ما يحدّث به ابن بطوطة عن (المدرسة المستنصرية) ببغداد حيث يقول: "....وبها المذاهب الأربعة، لكل مذهب إيوان فيه المسجد وموضع التدريس، وجلوس المدرس في قبة من خشب صغيرة على كرسي عليه البسط" [103] .
وقد تساوق وجود هذه الكراسي مع جامعية القرويين، حيث يبتدئ ظهورها في العصر المريني الذي اكتملت به جامعية هذا المعهد [104] . ومنه: انتشرت هذه الكراسي بسائر جوامـع فاس ثم المـدن المغربيـة الأخرى [105] بعد ذلك –
وقد بلغ عدد الكراسي العلمية – في القرويين - مع بداية القرن العاشر الهجري ثمانية عشر كرسيا. ومن العلماء المشهورين في عصرهم ممن شغلوا هذه الكراسي كان المقري، وابن الفحام، وابن الصفار، والتلمساني، وابن الإمام وغيرهم [106] كثير ، نذكر منهم على سبيل المثال أبو زيد عبد الرحمن المعروف بالوراق. – فقد - كان من أبرز من شغل كراسي التدريس بالقرويين في أواخر أيام بني مرين. وكان يتناول بالتفسير أمهات كتب الفقه [107] .
وتعاقبت عليه – أي جامع القرويين - أجيال من كبار العلماء والفقهاء جلسوا على نحو 100كرسي علمي لتدريس صنوف مختلفة من العلم ، بلغت أكثر من250فرعا [108] .
ونذكر ـ أولا ـ أن ولاية كرسي التدريس بالقرويين تعتبر منصبا ساميا، ولهذا كانت لا تصدر إلا عن السلطان، أو ولي عهده خاصة، كما سنرى هذا في العصر السعدي وأكثر العصر العلوي، كما كان لهذه الكراسي أوقاف خاصة صادرة عن السلاطين أو الأفراد [109] . وكانت العادة أنه لا يقتعد كراسي العلم في القرويين إلا الكهول أو الشيوخ [110] .
وكانت هذه الكراسي لا يحصل عليها من العلماء إلا من نال شهادة العديد من العلماء [111] . ومنذئذٍ يصبح صاحب الكرسي من جملة الهيئة التعليمية للجامعة التي كانت منقسمة إلى خمس طبقات ترتيبية [112] - كما سبق أن أوضحنا- كما كان لهذه الكراسي أوقاف خاصة صادرة عن السلاطين أو الأفراد [113] . وقد: ذكر الإمام الشريف محمد المنتصر بالله بن محمد الزمزمي الكتاني في كتابه "فاس عاصمة الأدارسة" أن "في جامعة القرويين كراسي العلم، عليها أوقاف خاصة، لكل علم كرسي خاص به منذ قرون، ولكل علم حلقة تحيط بكرسيه وبالمدرس عليه، كرسي للتفسير، وكرسي للحديث، وكرسي للفقه، وهكذا... وقد تتكرر الكراسي للعلم الواحد".ويضيف الشريف الكتاني: "وكرسي العلم في جامعة القرويين يعتبر ولاية حكومية عليا، كالوزارة والقضاء والفتوى، فقد ذكر مترجمو محمد بن إدريس العراقي - إمام النحاة في عصره - ذكروا عنه أنه ولِيَ تدريس كرسي سيبويه بالقرويين، وكان هذا الكرسي خاصا بمن يدرس كتاب سيبويه في النحو" ويعتبر العديد من الدارسين والباحثين أن جامعات العالم الحديثة قد أخذت عن جامعة القرويين نظام "كراسي العلم"، ونظام "كرسي الأستاذ الجامعي الكبير"، الذي لا يصل إليه الأستاذ الجامعي إلا بعد مراحل ودرجات وسنوات من الأستاذية في الجامعة. [114]
وكان هناك كراسي للحديث خاصة، وكان بها لكل كرسي مكان قار لا يتغير.. ككرسي مبارك جليل، وهو المعروف فيما بعد بكرسي ابن غازي الإمام المشهور.. وأخيرا تداول الدراسة عليه جماعة من العلماء من عائلة ابن سودة المحدثين.. وككرسي الحديث الواقع بشرقي القرويين ـ ظهر خصة العين ـ المحبس على أبي الفضل أحمد بن الحاج السلمي وعلى عقبه، وقد ظل متوارثا بين علماء هذا البيت المحدثين. ومثل كرسي البخاري بشرح فتح الباري لابن حجر العسقلاني الذي أنشأه السلطان أحمد بن الشيخ الوطاسي بشرقي القرويين الموالي للفندق الكبير وحبس عليه نسخة من الشرح المذكور منقولة من خط ابن حجر نفسه، وهي ما زالت محفوظة بخزانة القرويين، وكان من المدرسين على هذا الكرسي بالشرط المذكور الإمام عبد الواحد الونشريسي ومن فوقه قبض عليه بين العشاءين وأخرج، وقتل أيام قيام الدولة السعدية بالسبب المفصل في كتب التاريخ.. كما كان هناك قرب باب الكتبيين كرسي مخصص لصحيح مسلم، كان ممن درس عليه أبو العباس المنجور والقاضي عبد الواحد الحميدي بتولية من محمد الشيخ بن المنصور السعدي.. وغير ذلك من الكراسي الحديثية التي يطـــــول تتبعـها [115] .
ويمكن للزائر أن يلاحظ وجود كراسي علمية لا تزال قائمة بجامع القرويين، ككرسي المحراب الذي يرجع إلى عهد المرينيين، وكرسي الشماعين الذي كانت تدرس فيه رسالة أبي زيد القيرواني، وكرسي باب الصالحين الذي كان يدرس فيه كتاب الترغيب والترهيب للحافظ الذهبي، وكرسي باب الحفاة الذي يقع على يمين الداخل إلى الجامع.. وبالجملة فهناك حوالي 140كرسيا علميا، فضلا عن كراسي الوعظ والإرشاد [116] . التي ( كان ) يقصدها الحرفيون من صناع وتجار وعمال بعد صلاة الصبح. وذكر بعض المؤرخين أن أصحاب الحرف قد أضحوا بفضل ترددهم على هذه الكراسي ومواظبتهم على الاستماع إلى الدروس ملمين بدقائق المسائل في التفسير والحديث والفقه [117] .
***
يتبع ....









عرض البوم صور اسد الاطلس الموري   رد مع اقتباس