عرض مشاركة واحدة
قديم 10-06-2018, 10:08 PM   المشاركة رقم: 25
المعلومات
الكاتب:
اسد الاطلس الموري
اللقب:
مدير عام
الرتبة


البيانات
التسجيل: Jan 2017
العضوية: 29658
المشاركات: 2,810 [+]
بمعدل : 1.07 يوميا
اخر زياره : [+]

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
اسد الاطلس الموري غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : اسد الاطلس الموري المنتدى : الحضارة الاسلامية
افتراضي

تاسعا: مجالات التعليم والمناهج المقررة في القرويين
أما عن المناهج الدراسية - في جامعة القرويين قديما- فكانت حرة وتترك إلى اختيار الأساتذة. وظل الحال كذلك حتى عام1203هـ / 1789 م، عندما فكر السلطان محمد الثالث في سن نظام دراسي معين للجامعة فأصدر مرسوما يطلب فيه من شيخ القرويين تحديد مواد الدراسة والكتب التي يجب أن تدرس (...)، وكانت الجامعة تعتمد في دراستها في فتراتها الأولى على مؤلفات علماء المشرق، حتى بدأ علماء المغرب يعتمدون إلى حد كبير على مؤلفاتهم العلمية. وقد تميز عهد الموحدين بظهور كتب تناولت مختلف العلوم والفنون. فدرست من مؤلفات المغاربة في تفسير القرآن لعبد الجليل المقري، وفي التصوف بستان العابدين، وفي الجغرافيا نزهة المشتاق، وفي الرياضيات جامع المبادئ والغايات في علم الميقات لأبي الحسن المراكشي، وفي السنوات الأولى من القرن العشرين كانت تدرس في جامعة القرويين مواد عدة منها الحديث وكان يدرس كل يوم في شهر رجب وشعبان ورمضان، وكانت الكتب التي تدرس هي صحيح البخاري ومسلم وموطأ مالك وشمائل الترمذي، وأصول الفقه، وكانت هذه المادة تدرس في العشي، وكانت تعتبر مادة ثانوية، ومادة الفقه، وكانت تدرس في الصباح، وكانت أهم الكتب التي تٌدرس، مختصر الشيخ خليل ورسالة ابن أبي زيد القيرواني والمرشد المعين لابن عاشر ، وتحفة ابن عاصم، وكذلك النحو ، وكان يلقن في المساء، وكان يدرس متن الآجرومية لابن آجروم ، والألفية لابن مالك، وكذلك مواد البيان والمنطق والحساب والتوحيد والقضاء والأحكام والأدب، وكان يدرس بها أيضا علوم أخرى لكنها اضمحلت شيئا فشيئا منها التفسير والتنجيم والتصوف والتصريف واللغة [118] ."
كما كانت القراءات السبع من آكد العلوم المهتم بتدريسها، حتى لقد أسست لتعليمها منذ أيام الموحدين مدارس خاصة كانت تعنى بالتجويد والرسم والقراءات السبع، كما استحدثت في مساجد المغرب كراسي خاصة بتدريس القراءات [119]
ومن ضمن: ما كان يدرس فيها علي عهود قريبة بُعيد الاستقلال. تحفة ابن عاصم وشروحها كشرح التسولي والكافي والتونسي [120] ، ونور اليقين للخضري في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. والكتاب الأخير كان هو المادة التي قام بتدريسها الدكتور عبد الهادي بوطالب بعد تخرجه من جامعة القرويين، وهذا ما ذكره الأستاذ الدكتور محمد عبده إيمان قنصل عام المغرب في سياق كلمته خلال تكريم اثنينية الشيخ عبد المقصود للدكتور عبد الهادي بوطالب [121] .
ولم يوافق الدكتور المؤرخ نقولا زيادة على الرويات التي ذكرت " أن الطب درّس في الأزهر ، وأن الفلك تحدث عنه العلماء في القرويين والزيتونة" وقد علق على ذلك قائلا: والذي يمكن أن يُقال بعد فحص هذه الأخبار القليلة، هو أنه قد يكون ثمة شيخ أو مدرس له بعض المعرفة بالطب أو الفلك فيدور الحديث عندها حول مثل هذه الموضوعات، لأن مثل هذين الموضوعين ـ ويمكن أن تضاف الهندسة إليهماـ لا يمكن أن يُعلم في حلقة حول اسطوانة، فكلها تحتاج إلى القيام بتجارب واختبارات. وهذه لم تكن متيسّرة في الجوامع [122]
ويبدو أنه قد فات هذا المؤرخ، أنه كان ثمة مدارس ملحقة بالجامع ومخصصة لتدريس مثل هذه المواد، إذ تشير بعض المصادر إلى أنه كان بها – والكلام هنا حول القرويين - في أواخر القرن الرابع الهجري مدرسة صغيرة للطب [123] .
ورغم ما استظهره (رينو) من أن التعليم الرسمي للطب والعلوم أندرس بجامعة القرويين أواخر القرن الماضي - المقصود هنا القرن 19م - (الطب القديم بالمغرب ص 77)، فان (دلفان) أشار في كتابه حول فاس وجامعتها، (المطبوع عام 8891؟) ( 1889) إلي اعتناء الطلبة بجملة من الكتب الطبية مثل الكامل للرازي، والقانون والمنظومة لابن سينا ، وزبده الطب للجر جاني، والتذكرة للسويدي وتذكرة الأنطاكي وكليات ابن رشد ومفردات ابن البيطار وكشف الرموز للجزائري ابن حمادوش وهو عبد الرزاق بن محمد بن محمد بن حمادوش الجزائري حج عام 1135 هـ. واهم مؤلفاته " كشف الرموز في شرح العقاقير والأعشاب" مرتبة على الحروف (تحتوي على نحو الألف عشبه)، وهو ينقل عن ابن سينا،وابن البيطار والإنطاكي، وله أيضا " تعديل المزاج بحسب قوانين العلاج " (نحو العشرين صحيفة) [124] .
والذي لا شك فيه هو أن جامع القرويين كان حتى وقتٍ قريب بمثابة مؤسسة تعليمية ودينية عظيمة، امتد أثرها إلى العالم الإسلامي كله بل وإلى العالم الأوروبي أيضا.
***
عاشرا: نماذج من العلماء الأعلام الذين أنجبتهم القرويين
وقد درس في أروقة هذه الجامعة، وتخرج منها الكثير من العلماء الأجلاء، الذين" برزوا وتفننوا في فقة النوازل والفتاوى، وبرعوا في الإجابة على كل الوقائع المستجدة سواء أكانت فقهية أم غير فقهية، مبرهنين على قدرتهم الفائقة في الاجتهاد وإيجاد الأجوبة والحلول لكل القضايا المطروحة في زمانهم [125] ".
وكوَّنت – جامعة القرويين - بذلك أجيالا من العلماء الفطاحل الذين طبقت شهرتهم الآفاق، ولا يزال عطاؤهم، وإنتاجهم العلمي والفكري قائما ينهل منه الباحثون جيلا بعد جيل [126]
فقد تخرج منها كبار علماء فاس أمثال: الشريف التلمساني، ويحيى السراج(ت1007هـ)، وابن القاضي(ت1082هـ)، وعبد الكريم اليازغي(ت1199هـ) وأبي القاسم بن سودة وغيرهم. [127]
كما " درّس فيها الفقيه المالكي أبو عمران الفاسيوابن البنا المراكشي - العالم الرياضي المشهور- (ت 723هـ) ، وابن العربي، وابن رشيد السبتي، وابن الحاج الفاسيوابن ميمون الغماري.. ولقد اشتهر من فاس جماعة من أهل العلم ونسبوا إليها منهم : أبو عمرو عمران بن موسى الفاسي فقيه أهل القيروان في وقته. وأبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الشهير بابن البناء، وهو أشهر رياضي في عصره، وأبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ الشهير بابن باجة، وكان ممن نبغوا في علوم كثيرة منها اللغة العربية والطب وكان قد هاجر من الأندلس وتوفي بفاس [128] .
فقد كانت القرويين قبلة للعديد من الأعلام البارزين، ومنهم من اتخذها مقرا له. ومن العلماء الذين أقاموا بفاس ودرسوا بجامعتها ابن خلدون المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع، ولسان الدين بن الخطيب، وابن عربي الحكيم ، وابن مرزوق. [129] " ( 711-781 ه‍ /1311-1379م )، وهو من شيوخ ابن خلدون. قلّده أبو الحسن المريني منصب إمام الجمعة وخطبة جامع القرويين بفاس [130] .
ولا زال: هناك أسر علمية كثيرة بفاس أذكر منها – والكلام للأستاذ نواف محمد - على سبيل المثال: أسرة الكتاني، وأسرة آل الصقلي، وأسرة البلغيثي، وأسرة آل سودة، وأسرة العراقي، وأسرة كنون، وغيرهم [131] .
ومن خلال ما تقدم وغيره ، يمكن القول أن القرويين" لم تكن قاصرة على تخريج الفقهاء فقط، وإنما تخريج العلماء من مختلف التخصصات فقد" كان يتخرج منها الفقيه والمؤرخ والشاعر والأديب، وكل من اشتهر في تاريخ المغرب بالعلم بمختلف تخصصاته، فهو خريج القرويين. فإذا بحثت عن قاضٍ من القضاة أو شاعر من الشعراء أو عالم بالهندسة أو الرياضيات أو عالم بالحساب أو الفلك، قيل لك إنه من القرويين، فالجميع كان يتخرج من هذه المؤسسة الدينية التي وفقت في تكوين جميع هؤلاء العلماء بمختلف تخصصاتهم [132]
فجامعة القرويين لم تكن تدرس الفقه المالكي، والحديث النبوي، والنصوص القرآنية الكريمة فقط، بل كانت تدرس كل علوم الكون، كعلم الفلك، والرياضيات، كل العلوم الكونية. فالقرآن هو الذي أسَّس الأصول لنظرية المعرفة العلمية. ففي كتاب (التراتيب الإدارية) لعبد الحي الكتاني فصل رائع جداً يتعلق ببيان ذلك. إلا أنه عندما جاء الاستقلال تغير كل شيء مع الأسف [133] .
بل ولم يقتصر – القرويين - على تخريج العلماء من الرجال وإنما العالمات من النساء أيضا " من بينهم "العالية" - بنت الشيخ الطيب بن كيران- ( وهي) أول امرأة اعتلت كرسي العلم في مسجد القرويين وقد نبغت في علم المنطق وكانت تدرسه في المسجد وكانت تخصص يوما للرجال ويوما للنساء [134] .
من أجل ذلك كله– يعتبرهـ(ا) المؤرخ والسياسي المغربي عبد الهادي التازي منبع كل علماء المغرب وعالماته [135] .
وكانت خلاياها وفروعها وشيوخها وطلبتها وخريجوها في كل قرية - من قرى المغرب- وفي كل حي وفي كل مسجد، وكان هذا الجامع مقصداً لسائر الذين يُريدون أن يكونوا مثقفين في مختلف العلوم. " ولا بأس هنا أن نذكر ونشير إلى وجود وثيقة تاريخية تعود إلى القرن 19 تحتوي على500 صفحة تفيد أن كل المتعلمين الريفيين تقريبا درسوا في جامع القرويين وحينما عادوا إلى الريف عادوا محلمين ( ؟محملين) معهم بأفكار جامع القرويين [136] "
ومن هذه الجامعة العريقة تخرّج العديد من الأعلام الإصلاحيين والمناضلين الكبار في عهد الاستعمار الفرنسي منهم الزعيم والمناضل الكبير محمد عبد الكريم الخطابي، فقد: كانت الدراسة الفقهية التي تعلمها عبد الكريم في جامعة القرويين بمدينة فأس هي كل ما يملأ مداركه حين عاد من مقر الجامعة الإسلامية الكبــرى عـــام 1909 [137] .
ويقول الأنتروبولوجي الأمريكي دافيد مونتغمري هارت Davidmontgomery) Hart ) صاحب أطروحة دكتوراه حول قبيلة آيت ورياغل إن مولاي محند – كما كانوا يطلقون عليه في تلك المنطقة البربرية الأصل- قد «تشبع بفكر الإصلاح السلفي خلال المدة التي تمتد بين 1903 و 1906 حينما كان يتابع دراسته بجامعة القرويين بفاس». ثم يضيف ويقول لقد «تشبع ابن عبد الكريم بأفكار الحركة السلفية ونما وتوقد فكره خصوصا خلال الرحلة التي تمتد بين 1906 و 1919» [138] .
ومحمد عبد الكريم الخطابي – غني عن التعريف – فهو بطل ثورة الريف المغربية المشهورة ضد الغزاة الأسبان والفرنسيين، وهي الثورة التي انطلقت من منطقة جبال الريف " الممتدة بحذاء البحر المتوسط من نواحي سبتة وطنجة غربا ، إلى وادي نكور بالقرب من المَزِمة أو الحُسَيمَة الحالية شرقا [139] "
وقد " ظل – الخطابي - يقاتل الأسبان والفرنسيين منذ عام 1921م حتى عام 1926م [140] " ، وألحقت قواته بهما العديد من الهزائم، ومرغت أنوفهم بالوحل، وكبدت كل منهما خسائر فادحة.
كما درس فيها وتخرج منها الداعية والسياسي المغربي " وزعيم الحركة الوطنية المغربية على عهد الحماية الفرنسية [141] " علال الفاسي (1910- 1974) والذي نال شهادة العالمية ( من القرويين) عام 1932، وكان فيها من المتفوقين، وكان – والده - مدرساً في جامعة القرويين، وكان قاضياً ، ومفتياً ، وكذلك كان أجداده من العلماء والقضاة والمجاهدين [142] .
كما تخرج منها الشيخ المختار السوسي، والفقيه محمد اليوسي وغيرهما من أعلام المغرب المعاصرين [143] .
ومن العلماء الذين كان لهم صيت كبير بهـ(ا) ، الفقيه، شيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي، الذي درس عليه علماء آخرون بينهم الراحل علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال [144] .
ومنها أيضا تخرج الشيخ عبد القادر المجاوي [1848-1913م]: " ويعتبر من العلماء القلائل الذين كانــوا على رأس الحركــة الإصلاحيــة في الجزائــر، (فلا تجد واحــدًا من هــؤلاء (المصلحين) في الربع الأول من هــذا القــرن – أي القرن العشرين الميلادي - إلا وهو من تلامذته) [145] ..
فكما كانت الجامعة مفتوحة في وجه المواطنين من البلد الذي توجد فيه، كانت أيضا مفتوحة في وجه طلاب العلم من المسلمين وغير المسلمين. ومن أشهر ما يروى أن راهبا نصرانيا أصبح فيما بعد البابا ''سلفيستر'' الثاني، نهل من معين القرويين، ونقل منها إلى أوربا الأرقام العربية التي أصبحت تعرف إلى الآن بالأرقام العربية [146] . "
وكان سلفستر النصراني هذا قد: جاء – قبل - حوالي سنة ألف مسيحية إلى مدينة فاس وانخرط في جامعة القرويين مدعيا الإسلام، واخذ عن علماء الرياضيات بها ، ولما تم تحصيله من هذه المادة بما في ذلك علم الجبر رجع إلى فرنسا عن طريق اسبانيا وادخل الأرقام العربية، والجبر إلى أوربا باسميهما أي بالفرنسية مثلا Algebre les chiffres وهما يعرفان إلى الآن بهذين الاسمين في سائر لغات الدنيا [147] " .
" وكانت أوروبا حينها تستعمل الأرقام الرومانية التي لا تساعد على إنجاز أبسط العمليات الحسابية. وأقدم مخطوطة أوربية مؤَرَّخة تحتوي على أرقام عربية، هي مخطوطة ( فجيليانس ) en:Codex Vigilanus. وقد كُتِبت في شمال إسبانيا المسيحية في سنة 976م . وهي محفوظة اليوم في مكتبة مدريد. ولا تحوي على الصفر [148] "
والحقيقة أن هذه الجامعة العريقة: خرَّجت لنا كثيراً من العلماء الأعلام الذين يصعبُ حصرهم، ورحم الله العلامة السيد محمد المنتصر بن محمد الزمزمي الكتاني حينما قال: (ولو ذهب مؤرخ يجمع علماء القرويين قديماً وحديثاً في كتاب لوصلت مجلداته إلى الخمسين جزءاً، ولا يتم بذلك فيما اعتقد، وسيجاوز كتاب علماء القرويين في القديم والحديث كتاب أعلام الأستاذ الزركلي بمجلداته العشر وآلاف أعلامه العشرة من غير شكّ ولا ارتياب) [149] .
***
حادي عشر: مكتبة القرويين وأهميتها العلمية والتاريخية
تميزت جامعة القرويين بمكتبتها التي أنشئت مع بداية الجامعة. فوجه أمراء المرابطين والموحدين عنايتهم لتزويد المكتبة بالكثير من الكتب [150] .
وكانت – المكتبة - في البداية خزانة عادية، أنشئت إلى جانب جامع القرويين لمساندة مهمته في التدريس، إلى أن اعتنى بها رسميا السلطان المريني أبو عنان عام 750 هجرية الموافق لـ 1349 ميلادية [151] .
وتعتبر خزانة ( مكتبة ) جامعة القرويين والتي أسسها السلطان أبو عنان المريني عام750 هـ، من أهم الخزانات ( المكتبات) العامة بالمغرب بل في العالم كله ، وقد وقف عليها مؤسسها كتبا شتى في مختلف العلوم والفنون [152] ، ووضع لها قانونا للقراءة والمطالعة والنسخ [153] .
وذكر "گودار" (المغرب 2 ص 376) أن يعقوب المريني استرجع من المسيحيين عدداً من المصنفات العربية، وأهداها إلى القرويين [154] . ولم يكتمل عهد بني مرين حتى كانت مكتبة القرويين تضم العدد الوافر من المصاحف من مختلف الأحجام والأشكال ما بين مكتوب على رق الغزال، ومكتوب على الكاغد الشاطبي القديم . [155]
وأضاف إليها السعديون خلال القرن الـ16 الميلادي، كتبا كثيرة نقلوها من الخزانة المرينية بالمدينة نفسها وأغنوها بمخطوطات ووثائق فريدة فتجاوزت محتوياتها 32 ألف مجلد سنة 1613 [156] "
كما وقف المولى عبد الله بن إسماعيل الكثير من الكتب العلمية على خزانة القرويين، وقد تعرضت الحوالة العبدلاوية إلى ذكر لائحة هامة من المخطوطات التي أهداها لخزانة القرويين في ولايته الرابعة، منها المصاحف العديدة، وعدد من التفاسير والحديث والسير والتصوف والوعظ والفقه والأصول واللغة والقراءات والنحو والبيان والمنطق ومهم الكلام. [157] "
وتعتبر خزانة القرويين من أعرق الخزائن في العالم العربي، إذ تضم مخطوطات يعود تاريخ كتابتها إلى القرن الثامن الميلادي، كما تضم مخطوطات فريدة بعضها بخط مؤلفيها، من بينها مؤلفات لابن خلدون وابن طفيل وابن رشد، ومؤلفات مختلفة لبعض ملوك المغرب [158] .
وقد حافظت خزانة القرويين على دورها البارز في ميادين العلم والمعرفـة، لفائدة الباحثين والطلبة . وقد تم إغناء رصيدها الوثائقي من هبات أوقاف السلاطين والأمراء، والعلماء الذين زودوها بكتب نادرة ونفيسة [159] . من مختلف فروع العلم.
ففي جامع القرويين ( كان ) يدرس – إلى جانب الفقه والتفسير – علوم الرياضيات وعلم الفلك وعلوم أخرى مشابهة. وقد جلبت أو نسخت كل المؤلفات التي تعالج هذه العلوم مما زاد رصيد المخطوطات في المغرب تنوعا وغنى وحفز العلماء والوجهاء والملوك إلى البحث عن المخطوطات واقتنائها مهما كان الثمن [160] .
وقد ذكر "دلفان" (ص 81) أن هذه الخزانة كانت تحتوي على 30.000 مجلد [161] ومخطوط " وتواريخ تأليفها متعددة تعود إلى أزمنة مختلفة [162] .
ومن المؤكد أن جامعة القرويين، ما كان لها أن تواكب المد المعرفي المتنوع وتحقق المستوى العلمي المنشود الذي عرفته عبر القرون، إلا بالرافد الأساسي الذي تمثله خزانة علمية غنية بالكتب والمخطوطات. وقد حرص ملوك المغرب وأمراؤه على تزويد خزانة القرويين بنفائس المخطوطات وأجروا جرايات خاصة على صيانتها وحفظها ، كما عمدوا إلى استنساخ نفائس المخطوطات الموجودة بها قصد إهدائها إلى إخوانهم ملوك وحكام دول المشرق العربي [163] .
ومعظم هذه المخطوطات يحمل وثائق تحبيسية على الخزانة، ووثائق التحبيس تفيد أن المحبسين يمثلون مختلف الشرائح الاجتماعية، فهناك تحبيسات الملوك المرينيين والسعديين والعلويين، وهناك تحبيسات الأميرات والأمراء، وتحبيسات القادة والعلماء، ومنها ما هو من تأليف ملوك المغرب وسلاطينه قديما وحديثا. وتوجد أيضا مخطوطات في الخزانة هي من تحبيس المؤلف نفسه، ومن ذلك على سبيل المثال تاريخ ابن خلدون الذي يحمل جزء منه وثيقة التحبيس على الخزانة مذيلة بتوقيع مؤلفه عبد الرحمن بن خلدون [164] .
وكانت هذه المكتبة غنية جدا بالكتب وقد تردت شيئا فشيئا إلى حالة مؤلمة من التلف والإهمال إذ كانت الكتب مكدسة بعضها فوق بعض بغير نظام معرضة بسهولة للأرضة، ونظرا لانعدام أي فهرس أو سجل للاستعارة فإن الكثير من المستعيرين غفلوا عن رد ما استعاره من الكتب [165] .
كما: تعرضت المخطوطات الموجودة في الخزانة إلى السرقة أو الضياع خصوصا في مرحلة الحماية،ونتيجة لذلك اختفت مخطوطات نادرة [166] . بحيث كان يقدر في بداية القرن العشرين عدد الكتب بحوالي (2000) منها (1600) مخطوط معظمها ضئيل القيمة(...)، ومع ذلك فقد حوت المكتبة كتبا في مختلف الفنون والعلوم. كما كانت هناك ثلاث وثلاثون مكتبة فرعية، تزخر بالعديد من الكتب يرجع إليها المدرسون والطلاب في البحث والدراسة [167] .
وعلى الرغم من جهود المغاربة القدماء في محاولة فهرسة المخطوطات فإنها لا تعدو أن تكون قوائم و لوائح لا تخضع لأي نظام أو ترتيب، والواقع فإن الفهرسة بدأت مع بداية الخزانة المنظمة في المجتمع المغربي في العصر الحديث. وأول فهرس من هذا الصنف، جدير بالإشارة إليه، هو الفهرس الذي وضعه المستشرق الفرنسي (ألفرد بل) Alfred Bel لمجموعة خزانة القرويين [168] وهو ما أشار إليه الزركلي أيضا، فقد ذكر أن المستشرق الفرنسي الفرد أكتاف بل Alfred Octave Bel (1290 - 1364 هـ = 1873- 1945 م) الذي.أقام زمنا في إفريقية الشمالية.وكان مديرا لمدرسة تلمسان، وضع فهرسا بالعربية والفرنسية، لمكتبة جامع القرويين بفاس [169] . والتي أٌعيد إليها نوع من الاعتبار بعد ذلك " فتأسست رسميا على يد الملك الراحل محمد الخامس وذلك سنة 1940 بهدف إعطائها صفة مؤسساتية تسمح لها بالانفتاح على الباحثين من مختلف المشارب الدينية والثقافية بعد أن كان إشعاعها المعرفي مقتصرا على الدارسين المسلمين طيلة ستة قرون بالنظر إلى أن نواتها المركزية «المرينية» كانت موجودة داخل جامع القرويين [170] .
ومن أبرز نفائس خزانة القرويين أجزاء من موطأ مالك (ت179هـ) كتبت لخزانة علي بن يوسف بن تاشفين المرابطي على رق الغزال، وكتاب سيرة ابن إسحاق ( ت 151هـ) كتب سنة 270هـ، وهو أقدم ما يوجد بالخزانة، والمصحف الأكبر الذي حبسه السلطان أحمد المنصور الذهبي على الخزانة عند تدشينها عام 1011 هـ كما يوجد بها كتاب العبر لابن خلدون ( ت808 هـ)، الذي ألف باسم السلطان أبي فارس المريني واهدي إلى خزانة القرويين في صفر من عام 799 هـ (7). [171]
ومؤخرا قال أمين مكتبة القرويين في في حديث لوكالة الإنباء الكويتية(كونا) " أن " قيمة الخزانة – أي المكتبة - تكمن في توفرها على أقدم مخطوط ويعود إلى القرن الثاني الهجري وهو كتاب "الصيغ" لأبي إسحاق ابن إبراهيم الفزاري، كما كشف عن وجود نسخة وحيدة في العالم من كتاب في الطب بعنوان "أرجوزة ابن طفيل" وهي تتحدث عن الطب بطريقة رياضية [172] ، وتحتوي الأرجوزة على أكثر من 7700 بيت من الرجز السهل الواضح البين [173]
وذكر أمين مكتبة القرويين" أن من بين الكتب النفيسة في المكتبة "دوام التحصيل" لابن رشد الجد، ويتحدث عن الخلافات الفقهية التي كانت دائرة بين الفقهاء العرب في القرن السابع الهجري وقال أيضا أن "أهمية المخطوط النادر تكمن في كونه مكتوبا على رق الغزال وتوجد به حوالي 365 ورقة وقد أنجز في المغرب وطبع في 20 جزءا وهو من الذخائر التي تتوفر عليها المكتبة ". [174]
***
ثاني عشر: مصادر تمويل التعليم في جامعة القرويين
كانت الأوقاف أهم مصدر لتمويل التعليم في جامعة القرويين منذ بداية عهدها، وقد أخذت الأوقاف في التنوع والاتساع في العهد المرابطي. وفي العهد الموحدي دعا المهدي بن تومرت ويعقوب المنصور الموحدي إلى بناء المساجد وتعمير وترميم ما تهدم منها، فضلا على بناء الحمامات والفنادق والحوانيت وتحبيسها على مساجد فاس وخاصة القرويين.وفي العهد المريني عرف الوقف نهضة كبرى، حيث اهتم ملوك بني مرين ببناء المؤسسات الوقفية الاجتماعية إلى جانب المؤسسات الدينية والثقافية [175] .
وهكذا كانت الأوقاف: " أكبر دعامة لاستمرار الجامعة وإشعاعها العلمي، فأموال الأوقاف كانت تصرف للطلبة في الإيواء والمأكل، وكانت تسلم منها رواتب الأساتذة والعلماء، وما تحتاج إليه الخزانات من الكتب والمؤلفات [176] .
وجعلت لها – أي لجامعة القرويين - ممتلكات في كل أنحاء المغرب بل أحيانا حتى خارج المغرب [177] .
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن:" الأمة هي التي ( كانت) تمول العلم والثقافة من خلال الأوقاف [178] ، وبشكل خاص العلم الشرعي فقد كان أكثر اعتماده على إيرادات الأوقاف الموقوفة على طلبة العلم ولم تكن الدولة تساهم في النشاط التعليمي بشكل مباشر [179] - وهو الأمر الذي جعل العلماء المسلمين مستقلين عن الحاكم, وأكسبهم تلك الجسارة العقلية والشجاعة الأخلاقية التي جعلتهم يتوصلون إلى إبداعاتهم التي وظّفوها في حل مشكلات أمتهم. وفي الشريعة والطب, في الفقه والهندسة, في الأدب والفلك, في الفن وعلوم الزراعة والبيطرة, في العلوم العسكرية ونظم الري.. وما إلى ذلك قدم أولئك العلماء إسهاماتهم التي تعلمت منها أوربا وبنت نهضتها الحديثة على أساسها [180] .
ولذا فإنه " عندما يذكر جامع القرويين، فإن التفكير المغربي والإسلامي يتصل أساسا بأم المجالس العلمية الوطنية والدولية بعلمائها وأدبائها وفلكييها، وأوقافها المستقلة عن أية وصاية إلا سلطة المجتمع الأهلي وقراراته [181] "
وقد تحدث الباحث السيد محمد المنوني في هذا الصدد عن الأوقاف التي أنشئت على مواضع معينة بجامعي القرويين والأندلس بفاس، ومنها ما له كرسي خاص ومنها أخرى بدون كرسي على مواضع معينة، فذكر منها في إطار جامعة القرويين ثمانية مواضع سبعة بجامع القرويين وواحد بجامع الأندلس: ستة منها لتجويد القرآن الكريم عمليا باللسان، واثنان لتدريس الرسالة القيروانية ثم ذكر تفصيلها [182] .
هذا الوقف وأمثاله هو الوسيلة التي كانت ناجعة يومئذ للمحافظة على تدريس نوع من الفنون والمتون، كما أنها أيضا كما قدمنا – والكلام لأبي عبدالله غازي - من الوسائل العملية التي تضمن استمرار هذه العطاءات المفيدة وقيام هؤلاء النخبة من القراء والعلماء عليها يرتفقون بأوقافها في معاشهم، ويتفرغون للقيام بوظيفة التدريس وتمرين الطلاب مستعينين بها [183] .
ويشير المؤرخ والأديب والدبلوماسي المغربي الدكتور عبد الهادي التازي – والمتخرج من القرويين – يشير إلى " أن ميزانية جامع القرويين بلغت أوائل القرن السادس ( الهجري ) 80 ألف دينار مغربي ، أي ما يساوي حاليا ( 2001 ) مليونا و600 ألف درهم مغربي – كما قال- وهذا يدل – وفقا لاستنتاجه- على المورد الخصب الذي كان ينعم به رجال القرويين في ذلك العهد، فقد كانوا في سعة تجعلهم يتفرغون لمهامهم كما يجب [184] .
ولعل هذا هو ما مكن جامعة القرويين من الاستمرار والقيام بواجبها بشكل تلقائي وأن يستمر إشعاعها الحضاري والفكري مشعا على العالم الإسلامي لمدة قرون من الزمن.
ورغم أن الأجور قد أثارت جدلا بين الفقهاء في ذلك الوقت باعتبار أن هذا لا يليق برجال العلم، إلا أن ذلك الجدل ما لبث أن وجد تبريرا بأن أموال الأوقاف تضمن الاستقرار للعلماء بعيدا عن التقلبات السياسية التي يمكن أن تمر بها البلاد. وبمرور الوقت أصبحت الأجور التي يحصل عليها علماء فاس زهيدة جدا ذلك لأنها حددت منذ عهد طويل ولم تتغير رغم الانخفاض المتتالى للعملة،وكانت تتراوح بين (15) أوقية و (200) مثقال للشهر، بالإضافة إلى ما كان يقدم لهم كل سنة من هدايا عينية ككسوة كاملة بمناسبة عيد كبير، وكمية متفاوتة من القمح حسب الطبقة التي ينتمي إليها الأستاذ [185] .
***
يتبع ....









عرض البوم صور اسد الاطلس الموري   رد مع اقتباس