منتدى كنوز ودفائن الوطن

منتدى كنوز ودفائن الوطن (https://www.knoz1.com/index.php)
-   فى رحاب القران (https://www.knoz1.com/forumdisplay.php?f=56)
-   -   ذكرى لمن كان له قلب (https://www.knoz1.com/showthread.php?t=13619)

شيماء وجيه 22-07-2009 07:14 PM

ذكرى لمن كان له قلب
 

((ذكرى لمن كان له قلب )) ــ الجزء (37) ــ ما تبقى من سورة الواقعة (ب)

يقول تعالى : (( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها ))






شرح الله صدورنا ويسر أمورنا وبالله تعالى التوفيق والسداد ....

أنواع عذاب أهل الشمال في الآخرة :

{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ(41)فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ(42)وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ(43)لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ(44)إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ(45)وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ(46)وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ(47)أَوْ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ(48)قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ(49)لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ(50)ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ(51)لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ(52)فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ(53)فَشَارِبُونَ عَلَيْهِمِنَالْحَمِيمِ(54)فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ(55)هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ(56)}

ثم شرع تعالى في بيان الصنف الثالث وهم أهل النار فقال {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ} استفهام بمعنى التهويل والتفظيع والتعجيب من حالهم أي وأصحابُ الشمال - وهم الذين يعطون كتبهم بشمائلهم - ما أصحاب الشمال؟ أي ما حالهم وكيف مآلهم؟ ثم فصَّل تعالى حالهم فقال {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ} أي في ريح حارة من النار تنفذ في المسام، وماءٍ شديد الحرارة {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} أي وفي ظلٍ من دخان أسود شديد السواد {لا بَارِدٍ} أي ليس هذا الظل بارداً يستروح به الإِنسان من شدة الحر {وَلا كَرِيمٍ} أي وليس حسن المنظر يُسرُّ به من يستفيء بظله، قال الخازن: إِن فائدة الظل ترجع إِلى أمرين: أحدهما: دفع الحر، والثاني: حسن المنظر وكون الإِنسان فيه مكرماً، وظلُّ أهل النار بخلاف هذا لأنهم في ظل من دخان أسود حار .. ثم بيَّن تعالى سبب استحقاقهم ذلك فقال {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} أي لأنهم كانوا في الدنيا منعَّمين، مقبلين على الشهوات والملذات {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} أي وكانوا يداومون على الذنب العظيم وهو الشرك بالله، قال المفسرون: لفظ الإِصرار يدل على المداومة على المعصية، والحنثُ هو الذنب الكبير والمراد به هنا الكفر بالله كما قال ابن عباس {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} أي هل سنبعث بعد أن تصبح أجسادنا تراباً وعظاماً نخرة؟ وهذا استبعادٌ منهم لأمر البعث وتكذيب له {أَوْ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ}؟ تأكيدٌ للإِنكار ومبالغة فيه أي وهل سيبعث آباؤنا الأوائل بعد أن بليت أجسامهم وتفتَّتت عظامهم؟ {قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} أي قل لهم يا محمد: إِن الخلائق جميعاً السابقين منهم واللاحقين، سيجمعون ويحشرون ليوم الحساب الذي حدَّده الله بوقت معلوم لا يتقدم ولا يتأخر {ذلك يومٌ مجموعٌ له الناس وذلك يومٌ مشهود * وما نؤخره إِلا لأجلٍ معدود} {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لأكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} أي ثم إنكم يا معشر كفار مكة، الضالون عن الهدى، المكذبون بالبعث والنشور، لآكلون من شجر الزقوم الذي ينبت في أصل الجحيم {فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} أي فمالئون بطونكم من تلك الشجرة الخبيثة لغلبة الجوع عليكم {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} أي فشاربون عليه الماء الحار الذي اشتد غليانه {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} أي فشاربون شرب الإِبل العطاش، قال ابن عباس: الهيمُ الإِبل العطاش التي لا تروى لداء يصيبها، وقال أبو السعود: إنه يسلط على أهل النار من الجوع ما يضطرهم إِلى أكل الزقوم الذي هو كالمُهل، فإِذا ملأوا منه بطونهم - وهو في غاية الحرارة والمرارة - سُلِّط عليهم العطش ما يضطرهم إِلى شرب الحميم الذي يقطع أمعاءهم، فيشربونه شرب الهيم وهي الإِبل التي بها الهيام وهو داء يصيبها فتشرب ولا تروى {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} أي هذه ضيافتهم وكرامتهم يوم القيامة، وفيه تهكم بهم، قال الصاوي: والنُزُل في الأصل ما يهيأ للضيف أول قدومه من التحف والكرامة، فتسمية الزقوم نُزلاً تهكم بهم.


أدلة الألوهية وإثبات القدرة على البعث والجزاء:


{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ(57)أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ(58)ءأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ(59)نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ(60)عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ(61)وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ(62)أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ(63)ءأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ(64)لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلتُمْ تَفَكَّهُونَ(65)إِنَّا لَمُغْرَمُونَ(66)بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ(67)أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ(68)ءأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ(69)لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ(70)أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ(71) ءأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ(72)نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ(73)فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ(74)}

{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ} أي نحن خلقناكم أيها الناسُ من العدم، فهلاَّ تصدقون بالبعث؟ فإِن من قدر على البدء قادرٌ على الإِعادة {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} أي أخبروني عمَّا تصبُّونه من المنيّ في أرحام النساء {ءأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}؟ أي هل أنتم تخلقون هذا المنيَّ بشراً سوياً، أم نحن بقدرتنا خلقناه وصوَّرناه؟! قال القرطبي: وهذا احتجاج على المشركين وبيانٌ للآية الأولى والمعنى إِذا أقررتم بأنا خالقوه لا غيرنا فاعترفوا بالبعث {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ} أي نحن قضينا وحكمنا عليكم بالموت وساوينا بينكم فيه، قال الضحاك: ساوى فيه بين أهل السماء والأرض، سواء في الشريف والوضيع، والأمير والصعلوك {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} أي وما نحن بعاجزين {عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ} أي على أن نهلككم ونستبدل قوماً غيركم يكونون أطوع لله منكم كقوله تعالى {إن يشأ يُذهبكم ويأتِ بخلقٍ جديد} {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} أي ولسنا بعاجزين أيضاً أن نعيدكم يوم القيامة في خلقةٍ لا تعلمونها ولا تصل إِليها عقولكم، والغرضُ أن الله قادر على أن يهلكهم وأن يعيدهم وأن يبعثهم يوم القيامة، ففي الآية تهديد واحتجاج على البعث {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى} أي ولقد عرفتم أن الله أنشأكم من العدم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكوراً، فخلقكم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة {فَلَوْلا تَذكَّرُونَ} أي فهلا تتذكرون بأن الله قادر على إِعادتكم كما قدر على خلقكم أول مرة؟ {أولاَ يذكُر الإِنسان أنَّا خلقناه من قبل ولم يكُ شيئاً}؟! {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} هذه حجة أخرى على وحدانية الله وقدرته أي أخبرووني عن البذر الذي تلقونه في الطين {ءأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}؟ أي أأنتم تنبتونه وتنشئونه حتى يكون فيه السنبل والحبُّ أم نحن الفاعلون لذلك؟ فإِذا أقررتم أن الله هو الذي يخرج الحبَّ وينبت الزرع، فكيف تنكرون إِخراجه الأموات من الأرض؟ {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} أي لو أردنا لجعلنا هذا الزرع هشيماً متكسراً لا ينتفع به في طعام ولا غيره، قال القرطبي: والحُطام الهشيم الهالك الذي لا يُنتفع به في مطعم ولا غذاء، فنبههم بذلك على أمرين: أحدهما: ما أولاهم به من النعم في زرعهم ليشكروه الثاني: ليعتبروا في أنفسهم فكما أنه تعالى يجعل الزرع حُطاماً إِذا شاء، كذلك يهلكهم إِذا شاء ليتعظوا فينزجروا {فَظلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} أي فظللتم وبقيتم تتفجعون وتحزنون على الزرع مما حلَّ به وتقولون {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} أي إنا لمحمَّلون الغرم في إِنفاقنا حيث ذهب زرعنا وغرمنا الحبَّ الذي بذرناه {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} أي بل نحن محرومون الرزق، غرمنا قيمة البذر، وحُرمنا خروج الزرع {أفرأيتمُ الماءَ الذي تشربون} أي أخبروني عن الماء الذي تشربونه عذباً فراتاً لتدفعوا عنكم شدة العطش {ءأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} أي هل أنتم الذين أنزلتموه من السحاب أم نحن المنزلون له بقدرتنا؟ قال الخازن: ذكَّرهم تعالى نعمته عليهم بإِنزال المطر الذي لا يقدر عليه إِلا اللهُ عز وجل {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} أي لو شئنا لجعلناهماءً مالحاً شديد الملوحة لا يصلح لشرب ولا لزرع، قال ابن عباس: {أُجَاجًا} شديد الملوحة، وقال الحسن: مُرّاً زُعافاً لا يمكن شربه {فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} أي فهلاّ تشكرون ربكم على نعمه الجليلة عليكم؟! وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذا شرب الماء قال "الحمد لله الذي سقاناً عذباً فُراتاً برحمته، ولم يجعله ملحاً أُجاجاً بذنوبنا" {أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} أي أخبروني عن النار التي تقدحونها وتستخرجونها من الشجر الرطب {ءأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ} أي هل أنتم الذين خلقتم شجرها أم نحن الخالقون المخترعون؟ قال ابن كثير: وللعرب شجرتان: إِحداهما المرخُ، والأُخرى العُفار، إِذا أُخذ منهما غصنان أخضران، فحُك أحدهما بالآخر تناثر من بينهما شرر النار، وقيل: أراد جميع الشجر الذي توقد منه النار، لما روي عن ابن عباس أنه قال: ما من شجرة ولا عود إِلا وفيه النار سوى العُناب {نحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} أي جعلنا نار الدنيا تذكيراً للنار الكبرى "نار جهنم" إِذا رآها الرائي ذكر بها نار جهنم، فيخشى اللهَ ويخاف عقابه وفي الحديث (ناركم هذه التي توقدون جزءٌ من سبعين جزءاً من نار جهنم، فقالوا يا رسول الله: إِنْ كانت لكافية!! فقال: والذي نفسي بيده لقد فضّلت عليها بتسعة وتسعين جزءاً، كلهن مثل حرها) {وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} أي ومنفعةً للمسافرين، قال ابن عباس: {لِلْمُقْوِينَ} المسافرين، وقال مجاهد: للحاضر والمسافر، المستمتعين بالنار من الناس أجمعين، قال الخازن: والمقوي النازلُ في الأرض القواء - وهي الأرض الخالية البعيدة عن العمران - والمعنى أنه ينتفع بها أهل البوادي والسُفَّار، فإِن منفعتهم أكثر من المقيم، فإِنهم يوقدون النار بالليل لتهرب السباع ويهتدي بها الضال إِلى غير ذلك من المنافع وهو قول أكثر المفسرين .. ولما ذكر دلائل القدرة والوحدانية في الإِنسان، والنبات، والماء، والنار، أمر رسوله بتسبيح الله الواحد القهار فقال {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} أي فنزِّه يا محمد ربك عما أضافه إِليه المشركون من صفات العجز والنقص وقل: سبحان من خلق هذه الأشياء بقدرته، وسخَّرها لنا بحكمته، سبحانه ما أعظم شأنه، وأكبر سلطانه!! عدَّد سبحانه وتعالى نعمه على عباده، فبدأ بذكر خلق الإِنسان فقال {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} ثم بما به قوامه ومعيشته وهو الزرع فقال {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} ثم بما به حياته وبقاؤُه وهو الماء فقال {أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ} ثم بما يصنع به طعامه، ويصلح به اللحوم والخضار وهو النار فقال {أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} فيا له من إله كريم، ومنعمٍ عظيم!!



إثبات صدق القرآن، وتوبيخ المشركين على فساد اعتقادهم :

{فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75)وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76)إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ(77)فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ(78)لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ(79)تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(80)أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ(81)وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ(82)فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ(83)وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ(84)وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ(85)فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ(86)تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(87)فَأَمَّا إِنْ كَانَمِنَالْمُقَرَّبِينَ(88)فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ(89)وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ(90)فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ(91)وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ(92)فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ(93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ(94)إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ(95)فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ(96)}


سبب النزول:
نزول الآية (75):

{فلا أقسم ..}: أخرج مسلم عن ابن عباس قال: مُطِر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر،قالوا: هذه رحمة وضعها الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا، فنزلت هذه الآيات: {فلا أقسم بمواقع النجوم} حتى بلغ {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}.

{فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}اللام لتأكيد الكلام وتقويته، وزيادة "لا" كثير في كلام العرب ومشهور قال الشاعر:

تذكرتُ ليلى فاعترتني صبابةٌ *** وكاد نياطُ القلب لا يتقطَّع

أي كاد يتقطع قال القرطبي: "لا" صلة في قول أكثر المفسرين والمعنى "فأقسم" بدليل قوله بعده {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ} أي فأقسم بمنازل النجوم وأماكن دورانها في أفلاكها وبروجها {لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} أي وإِن هذا القسم العظيم جليل، لو عرفتم عظمته لآمنتم وانتفعتم به، لما في المقسم به من الدلالة على عظيم القدرة، وكمال الحكمة، وفرط الرحمة، ومن مقتضيات رحمته تعالى أن لا يترك عباده سُدى {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} هذا هو المقسم عليه، والمعنى أقسم بمواقع النجوم إِن هذا القرآن قرآن كريم، ليس بسحرٍ ولا كهانة وليس بمفترى، بل هو قرآن كريم مجيد، جعله الله معجزة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو كثير المنافع والخيرات والبركات {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} أي في كتاب مصونٍ عند الله تعالى، محفوظ عن الباطل وعن التبديل والتغيير، قال ابن عباس: هو اللوح المحفوظ، وقال مجاهد: هو المصحف الذي بأيدينا{لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} أي لا يمس ذلك الكتاب المكنون إِلا المطهرون، وهم الملائكة الموصوفون بالطهارة من الشرك والذنوب والأحداث، أو لا يمسُّه إِلا من كان متوضئاً طاهراً، قال القرطبي: المراد بالكتاب المصحف الذي بأيدينا وهو الأظهر لقول ابن عمر "لا تمسَّ القرآن إلا وأنت طاهر" ولكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم "وألاَّ يمسَّ القرآن إِلا طاهر" {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي منزَّل من عند الله جل وعلا .. ثم لمَّا عظم أمر القرآن ومجَّد شأنه وبخ الكفار فقال {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} أي أفبهذا القرآن يا معشر الكفار تكذبون وتكفرون؟ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} أي وتجعلون شكر رزقكم أنكم تكذبون برازقكم، وهو المنعم المتفضل عليكم؟ {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} أي فهلاَّ إِذا بلغت الروح الحلقوم عند معالجة سكرات الموت {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} أي وأنتم في ذلك الوقت تنظرون إِلى المحتضر وما يكابده من شدائد وأهوال {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} أي ونحن بعلمنا واطلاعنا أقرب إِلى الميت منكم ولكنْ لا تعلمون ذلك، ولا تبصرون ملائكتنا الذين حضروه لقبض روحه، قال ابن كثير: ومعنى الآية ملائكتنا أقرب إِليه منكم ولكن لا ترونهم كما قال تعالى {حتى إِذا جاء أحدهم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون} {فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} أي فهلاَّ إِن كنتم غير مجزيين بأعمالكم كما تزعمون {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} أي تردون نفس هذا الميت إِلى جسده بعد ما بلغت الحلقوم، قال ابن عباس: {غير مدينين} أي غير محاسبين ولا مجزيين، قال الخازن: أجاب عن قوله {فلولا إِذا بلغت الحلقوم} وعن قوله {فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} بجوابٍ واحد وهو قوله {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} ومعنى الآية: إن كان الأمر كما تقولون أنه لا بعث ولا حساب، ولا إِله يجازي، فهلاّ تردون نفس من يعزُّ عليكم إِذا بلغت الحلقوم؟ وإِذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا أن الأمر إِلى غيركم وهو الله تعالى فآمنوا به .. ثم ذكر تعالى طبقات الناس عند الموت وعند البعث، وبيَّن درجاتهم في الآخرة فقال {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} أي فأما إِن كان هذا الميت من المحسنين السابقين بالدرجات العلا، فله عند ربه راحة تامّة ورزق حسن وجنة واسعة يتنعم فيها، قال القرطبي: والمراد بالمقربين السابقون المذكورون في أول السورة{وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} أي وأما إِن كان المحتضر من السعداء أهل الجنة الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} أي فسلامٌ لك يا محمد منهم، لأنه في راحةٍ وسعادة ونعيم {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ} أي وأما إِن كان المحتضر من المنكرين للبعث، الضالين عن الهدى والحق {فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ} أي فضيافتهم التي يُكرمون بها أول قدومهم، الحميمُ الذي يصهر البطون لشدة حرارته، قال ابن جزي: النُزل أول شيءٍ يُقدم للضيف {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} أي ولهم إِصلاءٌ بنار جهنم وإِذاقة لهم من حرها {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} أي إِن هذا الذي قصصناه عليك يا محمد من جزاء السابقين، والسعداء، والأشقياء لهو الحقُّ الثابت الذي لا شك فيه ولا ريب، وهو عين اليقين الذي لا يمكن إِنكاره {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} أي فنزِّه ربك عن النقص والسوء، وعمَّا يصفه به الظالمون، لما نزلت هذه الآية الكريمة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوها في ركوعكم، ولما نزلت {سبح اسم ربك الأعلى} قال صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في سجودكم).

مسلمة 22-07-2009 11:01 PM

اللهم ارزقنا تلاوته أناء الليل وأطراف النهار

مشكورة على المعلومات المفيدة

لكي تحياتي




الساعة الآن 06:52 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir