منتدى كنوز ودفائن الوطن

منتدى كنوز ودفائن الوطن (https://www.knoz1.com/index.php)
-   محمد رسول الله (https://www.knoz1.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   مثل من ثبات الصحابة على دينهم (https://www.knoz1.com/showthread.php?t=15784)

مسلمة 31-07-2009 11:59 AM

مثل من ثبات الصحابة على دينهم
 
مثل من ثبات الصحابة على دينهم واعتزازهم به
(خبر سعد بن أبي وقاص وأصحابه )
قال ابن إسحاق : وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّوا ذهبوا في الشعاب فاستَخْفَوْا بصلاتهم, فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب من شعاب مكة , إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون , فناكروهم , وعابوا عليهم مايصنعون حتى قاتلوهم, فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلاً من المشركين بلَحْيِ بعير فشجّه , فكان أولَ دم هُريق في الإسلام ([1]).
هذا الخبر يدل على مقدار ما واجهه الصحابة رضي الله عنهم في مبدأ الإسلام من محاصرة المشركين ومتابعتهم إياهم حتى اضطروهم إلى الاستخفاء بصلاتهم في الشعاب النائية , ومع ذلك وصل إليهم المشركون فناكروهم وعابوهم وقاتلوهم .
إن محافظة هؤلاء الصحابة على دينهم وحماسهم في الدعوة إليه مع ذلك الاضطهاد الشديد من أعدائهم دليل على قوة إيمانهم وهو موقف جليل يكتب في سجلهم الحافل بالمواقف العالية .
وهكذا رأينا هؤلاء العظماء الأبطال قد اضطروا إلى الاستخفاء بأبرز شعائر دينهم وهي الصلاة, فأصبحوا يقيمونها في الشعاب والأودية خوفا من سخرية المشركين وبطشهم , ومع ذلك لم يتركوا الصلاة , فكيف بالمسلمين الذين أقيمت لهم المساجد العامرة بالمصلين المزودة بكل وسائل الراحة والنشاط ومع ذلك يهجرها طائفة من المسلمين زهدًا فيها وإيثارًا لمتاع الدنيا ولهوها؟!
إنه أمر منكر عجيب يدل على البون الشاسع بين مستوى إيمان الصحابة رضي الله عنهم وإيمان من جاء بعدهم والتفوق الواضح للصحابة في مجال الفهم والتطبيق .
كما أن هذا النص يدلنا على مستوى العزة التي ارتفع إليها المسلمون آنذاك على الرغم من ضعفهم وقلتهم حيث قام أولئك النفر بمدافعة من داهمهم من المشركين ولم يستخذوا لهم وفي ذلك إعزاز ظاهر للإسلام وتثبيت لوجوده في الأرض .
مثل من الثبات على الشدائد
( إسلام خالد بن سعيد بن العاص )
أخرج الإمام البيهقي بإسناده عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال : كان إسلام خالد – يعني ابن سعيد بن العاص – قديمًا , وكان أول أخوته أسلم , وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه وُقف به على شفير النار , فذكر من سعتها ما الله أعلم به , ويرى في النوم كأن أباه يدفعه فيها, ويرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بحقويه لايقع , ففزع من نومه فقال : أحلف بالله إن هذه لرؤيا حق.
فلقي أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه فذكر ذلك له فقال أبو بكر : أريد بك خير , هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه , فإنك ستتبعه وتدخل معه في الإسلام , والإسلام يحجزك أن تدخل فيها وأبوك واقع فيها .
فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأجياد فقال : يامحمد إلام تدعو ؟ فقال: أدعو إلى الله وحده لاشريك له وأن محمدًا عبده ورسوله , وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لايسمع ولايبصر ولاينفع ولايدري من عبده ممن لم يعبده .
فقال خالد : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله , فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه , وتغيب خالد , وعلم أبوه بإسلامه فأرسل في طلبه , فأتي به فأنَّبه وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه , وقال : والله لأمنعنك من القوت , فقال خالد : إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به, وانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يلزمه ويكون معه ([2]).
وهكذا هدى الله تعالى خالد بن سعيد بن العاص بتلك الرؤيا المباركة , فأخرجه بها من ظلمات الشرك إلى أنوار التوحيد , وكان يقينه بالإسلام قويّا حيث لم يتزعزع إيمانه لما وبخه أبوه وضربه وهدده بقطع رزقه مع أن أباه كان من سادة أهل مكة الكبار , بل أعلن خالد استغناءه عن أبيه واعتماده الكامل على الله تعالى وحده , وثبت رضي الله عنه على حياة الفقر لأنه أحس بأن الإسلام هو سعادة الروح , وأيقن بأن الحياة الدنيا لاتساوي شيئًا أمام الآخرة , فلتكن الدنيا كما يريد الكفار المتسلطون حياة بؤس وفاقة على المسلمين فإن الموازين ستتبدل في الآخرة فيصبح المسلمون هم أصحاب الحياة السعيدة الخالدة , وقد تتبدل في الدنيا حينما ينتصر المسلمون وتكون لهم الدولة والهيمنة في الأرض .
مثل من الدعوة الناجحة والتضحية الخالدة
( إسلام عمرو بن عبسة السُّلَمي )
أخرج الإمام مسلم بإسناده عن أبي أمامة قال : قال عمرو بن عبسة السلمي : كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة , وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا , فقعدت على راحلتي , فقدمت عليه , فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيًا , جُرَءَاءٌ عليه قومه .
فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له : ما أنت ؟ قال : "أنا نبي" فقلت : ومانبي ؟ قال: "أرسلني الله " فقلت : وبأي شيء أرسلك؟ قال: " أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لايشرك به شيء " قلت له : فمن معك على هذا ؟ قال: " حر وعبد" قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به فقلت : إني متبعك . قال: " إنك لاتستطيع ذلك يومك هذا , ألا ترى حالي وحال الناس ؟ ولكن ارجع إلى أهلك , فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني " .
قال فذهبت إلى أهلي , وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة , وكنت في أهلي , فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة , حتى قدم عليَّ نفر من أهل يثرب من أهل المدينة , فقلت: مافعل هذا الرجل الذي قدم المدينة ؟ فقالوا : الناس إليه سِرَاعٌ . وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك .
فقدمت المدينة فدخلت عليه , فقلت : يارسول الله ! أتعرفني ؟ قال: " نعم . أنت الذي لقيتني بمكة؟ " .
وذكر بقية الحديث وفيه أنه سأله عن الصلاة والوضوء ([3]).
ففي هذا الخبر موقف يذكر لعمرو بن عبسة حيث آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في أوائل دعوة الإسلام وفي حال قلة المسلمين وكثرة أعدائهم , ولم يقتصر على ذلك , بل أبدى رغبته في مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم والبقاء معه في ذلك الظرف العصيب , ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قبل منه إسلامه , وأبان له بأنه لايستطيع أن يتحمل مشقة الصحبة والاتباع في ذلك الوقت , لما سيتعرض له من الأذى الشديد على يد الكفار ولكون النبي صلى الله عليه وسلم لايستطيع حمايته .
وقد جاء في هذا الخبر أن عمرو بن عبسة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام بعد أن علم بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : وبأي شيء أرسلك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لايشرك به شيء " وفي هذا دليل على أهمية صلة الأرحام حيث كان هذا الخلق العظيم من أوليات دعوة الإسلام , مع اقترانه بالدعوة إلى التوحيد .
وقد ظهر في هذا البيان الهجوم على الأوثان بقوة مع أنها كانت أقدس شيء عند العرب , وفي هذا دلالة على أهمية إزالة معالم الجاهلية , وأن دعوة التوحيد لاتستقر ولاتنتشر إلابزوال هذه المعالم .
وفي اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم المبكر بإزالة الأوثان مع عدم قدرته على تنفيذ ذلك في ذلك الوقت دلالة على أن أمور الدين لايجوز تأخير بيانها للناس بحجة عدم القدرة على تطبيقها , فالذين يبينون للناس من أمور الدين مايستطيعون تطبيقه بسهولة وأمن , ويحجمون عن بيان أمور الدين التي يحتاج تطبيقها إلى شيء من المواجهة والجهاد .. هؤلاء دعوتهم ناقصة , ولم يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي واجه الجاهلية وطغاتها وهو في قلة من أنصاره , والسيادة في بلده لأعدائه .
وجاء في هذا الخبر أن عمرو بن عبسة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أتباعه فقال " حر وعبد" وقد فسر ذلك عمرو بأن المراد أبو بكر وبلال, وهذا يحتمل أمرين :
الأول : أن الكلام على ظاهره وأنه لم يسلم في ذلك الوقت خارج بيت النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو بكر وبلال, وبناء على ماسبق من أن أبا بكر هو أول من أسلم يكون بلال ثاني رجل أسلم خارج البيت النبوي .
الثاني : أن هناك مسلمين آخرين ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخفى ذكرهم لكونهم يخفون إسلامهم عن قومهم, بينما كان أبو بكر ظاهر الإسلام , وبلال قد ظهر إسلامه , فذكرهما لكونهما لايتضرران بهذا الذكر , وهذا هو الظاهر لأن عمرو بن عبسة علم عن الإسلام وهو في بلاده , وظهور الإسلام خارج مكة وعلم القبائل به كان بعد الجهر بالدعوة بينما كان المسلمون الأوائل قد دخلوا في الإسلام قبل الجهر بالدعوة كما سبق في إسلام الخمسة على يد أبي بكر .
ومما يدل على تأخر وفادة عمرو بن عبسة قوله في وصف النبي صلى الله عليه وسلم "جُرءاء عليه قومه" , وقول النبي صلى الله عليه وسلم " ألا ترى حالي وحال الناس؟ " فهذا يدل على أن وفادته كانت بعد حدوث الخلاف والعداء من المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وذلك بعد أن جهر بنقد الجاهلية التي كان عليها قومه , وهذا النقد كان بعد الجهر بالدعوة , بل إنه قد جاء في هذا الخبر التصريح بكسر الأوثان وهذا كان بعد الجهر بالدعوة .
-------------------------
([1]) سيرة ابن هشام 1/261 , وتاريخ الإسلام للذهبي 1/147 .
([2]) دلائل النبوة للبيهقي 2/172 , وأخرجه أبو عبد الله الحاكم من هذا الطريق وذكر مثله – المستدرك 3/248 .
وذكره الحافظ ابن كثير من رواية البيهقي بإسناده – البداية والنهاية 3/248 .
([3]) صحيح مسلم 569 رقم 832 , كتاب صلاة المسافرين .


الساعة الآن 11:06 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir