المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : انهيار الحكم الاخمنيى وعلاقته بالحضاره الفارسيه


ريتاج احمد محمود
06-12-2009, 08:41 PM
الحضارة الفارسية في العصر الأخميني وموقعها في التاريخ القديم


لم تتوقف الأسرة الأخمينية في مرحلة تأسيسها وفي أوج قوتها عند توحيد العالم الإيراني بل إنها عملت عندما سنحت لها الظروف المناسبة من أجل التوسع في بلاد الشرق القديم للسيطرة على طرق مواصلاته وأسواقه. وهكذا ورث قوروش وخلفاؤه عروش بابل وسارديس ومنفيس المتداعية التي سرعان ما انهارت أمام القوة الناشئة الجديدة.

ولكن الدولة الأخمينية لم تتردد، للمحافظة على كيانها السياسي، في نقل السكان وفي نزع ملكية بعضهم لإقامة جاليات فارسية على الأراضي المصادرة أو المستملكة في آسيا الصغرى أو في بابل. أما التعذيب والبطش بالثائرين فكانا من الأمور الشائعة والمعروفة وابتدعت لها أساليب فاقت في فظاعتها ما عرف عند السابقين. أما التسامح الديني الذي عُزي إلى قوروش وبعض الملوك الأخمينيين فلم يكن سياسة فريدة في بابها في دول الشرق القديم، فقد عرفت حضارات الشرق القديم غالباً التعايش بين العقائد الدينية المحلية فلم يكن للعامل الديني الدور الأول في توسع الدول وفي إنشاء الإمبراطوريات عند الفراعنة أو ملوك الرافدين والأناضول.ولكن الحكام كانوا يتخلون عن تسامحهم الظاهري كلما تطلبت مصلحة الحكم ذلك للقضاء على الثائرين.

ومما لا شك فيه أن الإنجاز الذي حققه قوروش الثاني، ملك أنشان، ملك الفرس، ملك الملوك، كان كبيراً في عصره. ولكن ملوك الفرس الأخمينيين لم يكن باستطاعتهم أن يقبضوا بسهولة على زمام الأمور في دولة امتدت على نحو خمسة ملايين كم2. وكان الإخفاق واضحاً في قدرة الفرس على الاندماج سريعاً في المجتمعات الشرقية التي اختلطوا بها بعد انحدارهم من جبالهم إلى السهول التي استقرت فيها المجتمعات الريفية في القرى والحضرية في المدن، كما أنهم لم ينجحوا في تأسيس مجتمعات مدنية مميزة كما فعل الهلينيون بعدهم عند نزولهم في بلاد الشرق.

ومع هذا فلقد مثلت الإمبراطورية الفارسية الأخمينية بالفعل «مملكة عالمية» ورثت المثل الأعلى القديم للمملكة التي كانت تضم «جهات العالم الأربع»، وهو المثل الأعلى الذي كان يتطلع إليه ملك سومر وأكّد وبابل وآشور. وقد جعله الملوك الأخمينيون واقعاً ملموساً بتوحيد معظم الشرق القديم تحت سلطانهم، إلا أن الغرب الناشئ على أطراف المتوسط بقي خارج هذه المحصلة، بل إنه قاوم الدخول فيها، كما حدث في الحروب الميدية التي نشبت بين الفرس والهلينيين، وهو ما ترتب عليه صراع حاسم حمل نتائج خطيرة للعالم القديم كله.

ولم يأت توحيد الشرق القديم على أيدي الأخمينيين فجأة إذ كان الكيان السياسي لدول الشرق القديم قد تضخم واتسع حتى بلغ مرحلة المملكة المركزية الكبرى، وعندما وصل إلى درجة عجز فيها عن المحافظة على ما بلغه من تماسك تغلبت الأطراف على المركز، فالدول القديمة التي كانت لها الغلبة والسيادة في السابق أصابها الضعف والوهن على مر السنين نتيجة للحروب والصراعات والأزمات المتلاحقة والعنف والكوارث مما أدى إلى تقويض أسس النظم التي كانت قائمة وإلى إتاحة الفرصة لدخول عوامل تاريخية فعّالة حملتها دائماً شعوب الجبال والسهوب والبوادي المحيطة بالسهول وأحواض الأنهار حيث كانت تقوم دول الشرق القديم وترتفع مدنه وتشمخ حضاراته الأولى.

ولقد نجم عن انتقال مركز الثقل السياسي من العواصم التاريخية المعروفة على الفرات ودجلة إلى سوسة ومدن أخرى وراء جبال زاغروس، توسيع حدود المشرق القديم لتتصل بالعالم الهندي من جهة وبالغرب الأوربي عند المضايق الواصلة بين البحرين الأسود وإيجه من جهة أخرى. وأطال قيام الإمبراطورية الأخمينية عمر الشرق قرنين آخرين في وحدة سياسية - اقتصادية هشّة تفككت أجزاؤها المكونة بعد ذلك تباعاً قبل أن يقع الصدام العسكري الذي قاد الهلِّينيين إلى بلاد الشرق الضعيف والمنهار.

لقد بدأ تضعضع أسس الحضارات الشرقية القديمة ونظمها فكرياً وروحياً قبل هزيمتها الحاسمة عسكرياً، فقد اهتزت العقائد الدينية القديمة مع تنامي فكرة التوحيد في المجتمعات الشرقية القديمة كما في تراتيل أخناتون في مصر ونابونيد في بابل ثم مع ارتفاع هذه الفكرة إلى مستوى التوحيد التجريدي كما في بعض أسفار التوراة التي أعيدت كتابتها أو كتبت في العصر الأخميني كسفر عزرا الذي يتحدث عن رب السماوات والأراضي (عزرا: 19-20)، وهكذا أخذت تتطور الفكرة التي تتحدث عن الإله المنزه الذي يمكن أن يكون منفصلاً عن مظاهر الطبيعة التي قدستها العقائد القديمة وعن الإنسان، كما تتحدث عن الإلهي الذي يمكن أن يمثل قوة روحية مستقلة تتجاوز المناحرات السياسية.

وفي سياق هذا التطور الروحي - الفكري ظهرت تجربة روحية أخرى في إيران تختلف في بنيتها عما سبقها من تجارب دينية، وهي تؤكد الطبيعة الأخلاقية للإلهي وتجعله يتجاوز الحدود السياسية للدولة وكذلك الحدود الإثنية. فالديانة الزرادشتية تبدّت بصورة مستقلة تماماً عن الصورة التي تبدّت فيها الدولة. وإذا كانت محاولة التوفيق بين الدولة والعقيدة الزرادشتية مصدراً لمشكلات خطيرة في تاريخ الفرس القديم فإن خطورة هذه التجربة نفسها تكمن في أن هذه النظرية الكونية قد ظهرت في الشرق أيضاً ولم تكن صادرة عن الدولة ولا مرتبطة، بالضرورة، بشعب بعينه.ويعد هذا الإنجاز، على حد قول س. موسكاتي، «أعظم منجزات حضارات الشرق القديم، إنه الانتصار على الذات، لكنه في الوقت نفسه نقطة النهاية في تاريخ هذا الشرق، لأنه كان بداية لعصر جديد».

على أن أهم مظاهر الضعف في كيان الإمبراطورية الأخمينية عجزها عن احتواء الثورة الإيونية ومقاومة المدن اليونانية. فبعد حشويرش الأول (485/486-465ق.م) تسارع التدهور ولم يكن لعواهل فارس من هدف سوى مقاومة الدول الصغيرة في العالم الهلّيني، التي أرادت أن تفيد من الصراع الداخلي في الإمبراطورية، كما في مصر، للحد من وطأة ضغط الجيوش الفارسية الكثيفة عليها. وقد رد الفرس بنثر الدنانير لزرع الشقاق في صفوف الهلّينيين وإيقاف هجماتهم على الحدود الغربية للإمبراطورية ثم أخذوا بمصالحة بعض المدن على حساب مدن أخرى، ومهما يكن فإنه كان من المستحيل على أية دولة من دول المدن الإغريقية أن تتوسع في أراضي الإمبراطورية الفارسية القوية المترامية الأطراف والتي امتدت حياتها بعد ذلك قرناً ونصف القرن.

وكان موت حشويرش مأساة كبيرة في داخل القصر، وربما تم على أيدي الحريم، وهو ما صار من المألوف تكراره بعد ذلك عند كل تبديل للحاكم عندما لا يكون بفعل الحاشية. وخلف الملك الصريع ابنه أرتا حشويرش (465-424ق.م) الذي كان له ضلع في الجريمة بوساطة قائد حرسه الذي قتل أيضاً. وقبل هذا الملك آخر الأمر بالتخلي عن الساحل الغربي لآسيا الصغرى ومجموعة من الجزر على أن تتعهد أثينة بألا تمضي في مساعدة ثورة مصر. ثم جاءت الحروب البلوبونيزية [ر] (431-404ق.م) التي عمّقت انقسام العالم الهلّيني فتمكن حاكم الأناضول الفارسي من استرداد مواقعه على الساحل الغربي الذي اندلعت فيه الثورة على الأثينيين.

تدهور الإمبراطورية ونهاية الأسرة المالكة الأخمينية


يتألف تاريخ الأسرة المالكة الأخمينية من سلسلة من الصراعات الدامية التي عجلت بتدهور الإمبراطورية وحفرت طريق نهايتها. فعندما مات أرتا حشويرش الأول (424ق.م) خلّف ثمانية عشر ولداً، وورث العرش حشويرش الثاني لمدة خمسة وأربعين يوماً وانتهت حياته مسموماً على يد مغتصب لم يحتفظ بالعرش أكثر من ستة أشهر إذ قتل على يدي داريوس الثاني (423-404ق.م) الذي ضمن العرش لنفسه بعد أن تخلّص من إخوته وجعل أخته تحكم معه وتزوج باريزاتيس التي كانت امرأة شرسة صعبة المراس. وكان التنافس شديد في القصر الإمبراطوري على قيادة الجيوش وعلى طريقة إدارة الصراع مع الهلِّينيين.

وعندما مات داريوس الثاني ورثه ابنه البكر أرتا حشويرش الثاني (404-358ق.م) وكان لا يملك إلا مؤهلات ضعيفة. وقد وفر حياة أخيه قوروش الذي تآمر عليه مع زوجة أبيه باريزاتيس، ولكن الأمير الفتي حشد جيشاً في آسيا الصغرى وعاد للإطاحة بأخيه ولكنه قتل في عام 401ق.م في معركة قرب بابل. وقد تبددت قواته ولكن عشرة آلاف من المرتزقة اليونانيين الذين كانوا مهددين بالإبادة والفناء استطاعوا الانسحاب في ظروف صعبة ووصلوا إلى شاطئ البحر الأسود بعد مسيرة سبعة أشهر.

وقد وصف المؤرخ كزينوفون (430-355ق.م) هذا الانسحاب الملحمي في كتابه «الصعود» Anabasis، ولقد تسبب هذا الإنجاز الذي حققه الهلّينييون في تبديد رصيد الإمبراطورية الفارسية لدى حلفائها وشجع الإغريق وحلفاءهم على المضي في تحدّيها. فهاجمت اسبرطة ممتلكات فارس في آسيا الصغرى، ووجد الملك الفارسي صعوبات في إخماد الاضطرابات العنيفة في مصر وقبرص.

ومن الأمثلة الفاضحة على التدهور في آخر الإمبراطوريات الشرقية القديمة أنه كان لأرتا حشويرش مئة وخمسة عشر ولداً من ثلاثمئة وستين جارية. وقد حاول بعض أفراد أسرته اقتناص الحكم واختصار مدة ملكه، فحصلت فواجع من جرّاء ذلك فقتل ابنه البكر، وتمكّن ولد آخر من اعتلاء العرش بعد قتل اثنين من إخوته ودعي باسم أرتا حشويرش الثالث (358-338ق.م). واشتهر هذا الملك بقسوته وفظاظته ولكنه نجح لأمد في ترميم كيان المملكة فضرب على أيدي الأمراء والولاة المتطلعين إلى الاستقلال وقمع ثورة أخرى قامت في مصر (346-343ق.م). ولكنه كان قلقاً من صعود مقدونية وتقدم نفوذها في العالم الهلّيني فأخذ يساعد خصوم الملك فيليب الثاني سراً وعلانية. ولكنه مات آخر الأمر مسموماً على أيدي أحد رجال القصر الخصي باجواس الذي قتل خلفه أوراسيس (أرسيس) بالسم أيضاً بعد أن حكم مدة قصيرة (338-336م) وساعد باجواس على اختيار داريوس الثالث من أحفاد داريوس الثاني لوراثة العرش (336-330ق.م). واستطاع داريوس (دارا) أن يجعل الخصي المتآمر يتجرع السم الذي أعده لقتل ملكه. وتحرك فيليب الثاني المقدوني بإرسال جيش لتخليص آسيا الصغرى من حكم الفرس ولكن الجيش أوقف تقدمه بعد اغتيال العاهل المقدوني (336ق.م). إلا أن وراثة الاسكندر عرش أبيه القتيل دفع الأحداث إلى منعطف جديد فاستؤنفت الحرب باندفاع جديد لم يسبق له مثيل لتحقيق أهداف استراتيجية لم يعلن عنها من قبل هي إيقاع هزيمة حاسمة بالإمبراطورية الفارسية. وهكذا توالت المجابهات بين الملك المقدوني الشاب وجيوش الإمبراطورية الفارسية الأخمينية وتوالت الهزائم في كيليكية وفي خليج الاسكندرونة عند أبواب سورية وفي أربيل في بلاد آشور. وبعد أن دخل الاسكندر بابل وسوسة وبرسبوليس انسحب آخر الملوك الأخمينيين شرقاً إلى هركانية حيث قتل (330 ق.م) على يد أحد الولاة المحليين الذي كان يأمل في مكافأة الاسكندر له لكنه لقي ما يستحق من جزاء على غدره وفعلته الشنعاء. وهكذا انهارت الإمبراطورية الشرقية الشاملة لتحل محلها الإمبراطورية العالمية التي جمعت لأول مرة بلاداً من الشرق والغرب.

روزا
11-12-2009, 01:49 AM
أتمنى ان لا تحرمينا اطلالتك البهية
تقبلي ردي المتواضع

لوجين
11-12-2009, 10:07 AM
مشكورة ريتاج على موضوعك الرائع عن الحضارة الفارسية فى انتظار الجديد يا غالية

زهره
17-12-2009, 10:56 AM
شكرا على الموضووع المميز
عطاك الله العافيه

شكرا لك